العنوان المشاركة وسط بين المطالبة والمغالبة
الكاتب أبو جرة سلطاني
تاريخ النشر السبت 23-أكتوبر-2004
مشاهدات 22
نشر في العدد 1624
نشر في الصفحة 66
السبت 23-أكتوبر-2004
درج فقهاء السياسة والمشتغلون بأساليب التغيير الاجتماعي على أن يتحدثوا عن منهجين تقليديين عند استعراض تجارب الحركات الإسلامية في التعاطي مع الواقع السياسي بهدف إصلاحه أو تغييره أو الانقلاب عليه تمامًا بما يحقق تقديم بديل أفضل كان شعاره يدور غالبًا حول معان قريبة من مفهوم «الإسلام هو الحل»، وأعنِي بذلك:
مناهج المطالبة المراوح بين التربية والإعداد النظري للمستقبل.
ومنهج المغالبة الدافع باتجاه «التنوير» والتصادم والمنازلة التي لا تؤمن إلا «بالدم الدم.. الهدم الهدم»
وقد تفنن بعضهم في ابتداع فقهيات تؤيد هذا المنهج أو ذاك وتضفي عليه من الأدلة ما يرفعه إلى مقام «السنة النبوية الشريفة» بل وتحيطه بشيء من «القداسة» الربانية التي تجعل كل تفكير في مناقشته خروجًا عن «المناهج» كما تفنن آخرون في تقديم نماذج ناجحة لتجارب سابقة وتطبيقات ميدانية تقارع منهج الخليفة الخامس في ردِّ الفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات وروافد العشيرة إلى المنبع الكبير شبرًا شبرًا وذراعًا ذراعًا..
ولأن كثيرًا من التجارب قد منيت بالفشل الذريع، ربما بسبب افتقارها إلى «فقه الواقع» فقد رأينا مفيدًا -مساهمة في وضع خطوط عريضة لمنهج ثالث- أن أضع تحت التصرف النقاط التمهيدية حول ما يمكن أن يُعرف اصطلاحًا بمدرسة المشاركة، أو المنهج التشاركي الذي نراه وسطًا ذهبيًّا بين المطالبة والمغالبة على أن تبقى هذه المناهج كلها، وغيرها محكومة في أصولها بقواعد الفقه الاجتهادي وخاضعة -من حيث تقديراتها- لظروف الزمان والمكان والحال والعرف.
وأحب أن أشير، منذ البدء إلى أن المشاركة طريق طويلة وشاقة، ودونها نقد الناقدين وحقد الحاقدين، ولكنها طريق سالكة ومضمونة العواقب لأنها إستراتيجية النفس الطويل إذا راعى سالكوها جملة من القواعد والضوابط والمحددات، يمكن إجمالها في الآتي:
الانطلاق من إرادة واسعة لإنقاذ البشرية كلها تجعل كل نية في الاستيلاء على مقاليد الحكم، من أجل الحكم، خيانة للمنهج وانقلابًا على منطوق ومفهوم سنن التغيير التي لا تحابي أحدًا «ولو كان ولي الله».
استبعاد كل مشاعر الحقد والحسد على الناس، فدعوة الله حب لا تنظر إلى الناس على أنهم ملائكة وشياطين، وإنما تتعامل معهم كبشر معرضين للخطأ والصواب، ولا أحد يحتكر الحقيقة.
التحرر من مزاعم أن الحل عندنا وحدنا، وأن الحقيقة مفتاحها بأيدينا، وكل خير لا نفتح نحن بابه، يجب أن تظل أبوابه موصدة حتى يأتي الإِذن منَّا، أو لتذهب البشرية كلها إلى الجحيم.
التخلص من كل دوافع الاستعجال، ومشاعر القلق، وشهوات قطف الثمار قبل أوانها حتى لو بدت لك قطوفها دانية.
التسلح برؤية واضحة للبدايات «المنطلقات» والنهايات «الأهداف» والوسائل المتاحة والمباحة لربط هذه بتلك، مع تقدير دقيق للمآلات والعواقب، فالبدايات السهلة استدراج غير محمود العواقب.
الاعتقاد الراسخ بأن هناك هوامش اتفاق مع الآخر، وأن فضاءات الالتقاء أوسع مما تحددها النظرات الحزبية والتصورات السياسية، وأن الفساد -مهما بدا عامًا- يمكن تداركه بعموم الصلاح في الناس إذا أحسن حملة المشروع إتيان البيوت من أبوابها.
تجنب الخوض في التفاصيل قبل ترسيخ المبادئ والثوابت، فالقبول بالحد الأدنى مرحلة مهمة لفتح منابر الحوار، وإثبات حسن النوايا بالقدرة على التعايش مع الآخر مهما كانت البدايات، فمرحلة الاتصال مهمة كبداية والبقية يتكفل بها الزمن «والزمن جزء من العلاج».
فبهذه الكليات الأساسية يتم الانخراط في مدرسة المشاركة التي نادت بها حركة مجتمع السلم «الجزائرية»، وإذا تم هذا أمكن أن تتعارف الأضداد، ويدرك كل تيار أنه كان يتعامل مع الطرف الآخر من منطلقات الأحكام المسبقة في غياب حوار مسؤول وبناء، وتلك أخطر المزالق التي وقع فيها كثيرون.
(*) رئيس حركة مجتمع السلم -الجزائر
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل