العنوان الانتماء
الكاتب د. إيمان الشوبكي
تاريخ النشر الجمعة 01-أغسطس-2014
مشاهدات 22
نشر في العدد 2074
نشر في الصفحة 74
الجمعة 01-أغسطس-2014
الخروج عن المألوف في حدود المعقول مقبول وعلى الطرف الآخر أن يتقبله لأن الحياة لا تسير بنسخ كربونية
منه
فطري كالانتماء للدين والوطن.. وهناك ما يتم اكتسابه بمجرد التحاقك بالمدرسة أو
المؤسسة
المشكلات
التربوية في سن المراهقة تأتي من ضعف انتماء الأبناء للأسرة أو استخدام الآباء
لهذا الانتماء بشكل قمعي
في جو من الحب والهدوء والألفة ساد القاعة، أكملت سلسلة «قطار التوازن النفسي» والذي اختتمناها في العدد السابق بـ «الحب» بأنواعه وأثره على الإنسان؛ سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، ولكن يمتد أثر هذا الحب حتى يكون شرطًا لسادس حاجة من حاجات التوازن للإنسان، سوف نتحدث عنها في هذا اليوم؛ ألا وهي الانتماء مثل الانتماء للأسرة والمجتمع والدين والوطن وغيرها.
قال: هل
هو مكتسب أم فطري؟
قلت: منه
فطري كانتمائه للدين والوطن، وهناك مكتسب كخاصية ومزية تكتسب بمجرد التحاقك بها؛
مثل المدرسة أو المؤسسة التي تعمل بها، مؤقتة ومكتسبة.
قال: هل
يستمر هذا الانتماء بعد تركه؟
قلت: قد
يكون الشعور ما زال موجودًا لكنه يستبدل بمؤسسة أخرى مثلًا بدلًا منها، ويطغى
انتماؤك للكيان الجديد على عطائك للكيان القديم ويبقى حنينًا فقط وولاء شعوريًا
لكن دون عطاء حتى إن البعض تسوقه أخلاقه وقيمه إلى التنكر تمامًا له ومعاداته في
أي منافسة إن وجدت.
خلع
الانتماء
قال: هل
يمكن أن يخلع الإنسان هذه المزية بإرادته؟
قلت:
هكذا الشباب دائمًا صفة التمرد تسبق كلامهم ليعلنوها خفاقة في عالم الكبار والتمرد
على كل ما يفرض عليهم وهنا تكمن حقيقة الانتماء الذي بإمكانك أن تخلعه شكليًا ولكن
معنويًا لا تستطيع في بعض الكيانات.
قال:
لماذا؟
قلت:
كالأسرة والعائلة ككيان أنت تنتمي له لا تستطيع أن تخلع نفسك منه أبدًا، فمهما
فعلت قد تنسلخ وتخرج على بعض قيمه وعاداته لكن كلية وحقيقة لا.
على
العكس من المدرسة مثلًا أو المؤسسة الوظيفية تتركها فينخلع أو يسقط عنك الانتماء لها؛
ليسقط على غيرها أو يستبدل إن وجد وكذلك الدين قد تجد بعض الشباب أو الفتيات
يرتدون ما ينافي دينه، أو يعتنق بعض المفاهيم المغالطة والمتنافية له لكن يبقى أنه
مسلم وينتمي للملة والديانة الإسلامية إلا - لا قدر الله - أن يغير ملته هذا شيء
آخر.
أكبر
المشكلات
قالت:
وما علاقة ذلك بعد الحب والحرية والثقة والإنجاز والنجاح والأهداف.
قلت:
أكبر المشاكل الوطنية والدينية والعائلية والتربوية نابعة من تلك النقطة التي تؤدي
إلى خلل في موازين الطرفين المانح للمزية والممنوح له، وهذه الأطراف هي أنتم كطرف
ممنوح له والكيان كطرف مانح.
فحينما
تجد اعتناق شباب في مجتمع ما لـ «قصات شعر» تخص كيانًا فكريًا شاذًا أو لباس معين
غير مألوف على مجتمعه ودينه، فاعلم أن هناك خللًا في الأفكار والمفاهيم ناتج عن
ضعف في درجة الانتماء.
قال:
أليست هذه حرية شخصية لي ولا يتدخل فيها أحد يحاسبني ربي على أعمالي ولا أحد غيره؟
قلت: أنت
تريد أن تتجرد من كل وصاية أو قوامة لأحد أو دور يفرض عليك حتى وإن كان معنويًا،
ألم نقل في الحاجة الخامسة من الحاجات النفسية للإنسان للتوازن.
إن
الحرية لها ما لها وما عليها وبينهم منطقة تمتزج فيها الحقوق هي حقوق معنوية مثلًا
للأسرة خصوصًا حقوق معنوية تصدر عنها كثير من المشاكل التربوية في سن المراهقة من
ضعف انتماء الأبناء للأسرة أو سيطرة الآباء في استخدام هذا الانتماء بشكل قمعي
كسيف مصلت عليهم وفرض قناعاتهم على الأبناء.
نسخ
كربونية
قال:
لماذا الأسرة دائمًا والمجتمع يريد أن يجعلنا نسخًا منه ومن تقاليده وعاداته
والخروج عليه جريمة؟
قلت:
الخروج عن المألوف في حدود المعقول مقبول، وعلى الطرف الآخر أن يتقبله؛ لأن الحياة
لا تسير بنسخ كربونية أو عقول داخل الصندوق دائمًا، لكن الطرف الأول أيضًا، والذي
يمثلكم كشباب تريدون أن تعيشوا خارج الصندوق دائمًا، بل لا صندوق من الأساس.
وليس
هناك ثمة مشكلة من ذلك إن كان لا يخرق قواعدك الإسلامية، ولكن اعلم أنك ستجد
مقاومة شديدة على حجم الخروج من الصندوق والبعد عنه وهنا يكمن التوازن من عدمه.
قالت:
اعتقد أن الفتاة أقل من الشاب في ذلك؟
قلت: فعلًا
إن الخروج عن الصندوق، ورفض بعض مظاهر الانتماء يعتبر جريمة في حقها أمام المجتمع
حتى المباح منها أحيانًا ولكن ليس على العموم.
قالت: ما
زلت لا أفهم ما العلاقة؟
قلت:
العلاقة أنه حينما تريد الفتاة في مجتمع مغلق مثلًا إلى حد ما وأرادت أن تسافر
الدولة أوروبية تكمل تعليمها مع أحد محارمها.
قاطعتني
قائلة: قد تبدو كارثة في بعض المجتمعات أو حتى داخل بعض الأسر كارثة أخلاقية.
قلت:
يحدث الخلل النفسي تجاه هذا الكيان سواء الأسري أو المجتمعي، وغيره والتمرد عليه
لأنه يحرم الإنسان من بعض طموحاته، المشكلة في ذهنه تبعًا لشعوره بالانتماء لهذا
الكيان وإن انحرف عنه بفكره قليلًا إلا أن هذا الانحراف سينبع من حبه لتطوير هذا
الكيان؛ سواء مؤسسة أو مدرسة أو حتى الأسرة على عكس التمرد عليه لكرهه له لإحساسه
بأنه سبب في حرمانه.
صراع
الأجيال
قال: إن
الانتماء لجيلي أو العصري قد يسبب صراعًا أحيانًا بين الانتماءات الأخرى؛ كأفكار
وخصائص وقناعات جعلتنا شكلًا وفكرًا قد نتصادم مع عادات العائلة بداية، أو المجتمع
أو حتى بعض مفاهيم الناس للدين بحجة الانتماء وتأييد أفكارها وقناعاتها حتمية، فما
العمل؟
قلت: إن
تعارض الانتماءات سيكون ضعيفًا لو لم يخرج عن منظومة قيمية محكمة وضوابط نابعة من
دينه وتبقى مساحة المباح أو المسائل الخلافية في فعله سيكون نقطة، أو محل نزاع
وخلاف بين اختلاف الأجيال يشمل ذلك اللباس والمظهر الخارجي مثلًا، وبعض مفاهيم
العصر والتطور الفكري الذي قد تقف عنده زمن كبير من الأسر والعائلات خاصة في
المجتمعات المنغلقة. قالت: وما أكثر الانتماءات نزاعًا ومحلًا للخلاف عند الشباب؟
قلت:
الدين ثم الأسرة، الدين لأن كثيرًا ما يغفل الآباء في تربية الأبناء بث روح
الانتماء للدين أو ترسيخ مبدأ الاعتزاز بأسلافه وأنه تركة غالية ورثها بسهولة، فهي
تحتاج إلى الشعور بقيمتها على غير ما يفعله الكثير بالتخلي عنها، وتقليد الآخرين
عن غير حاجة أو تعقل فقط لمجرد المحاكاة وكذلك في مظاهر كثيرة كتقديس غير المسلمين
في أخلاقهم ومبادئهم بدون التوضيح أن الأخلاق هي من أساسيات ديننا ولكن تخلى عنها
الكثير، فبدت وكأنها من قيم المجتمعات الغربية فقط.
ثم
الأسرة في الإفراط والتفريط في التمسك بقيم بالية تهدم أكثر مما تبني أو العكس
وعلى الآباء أن يعيدوا تقييم ما تبنوا من أفكار ومعتقدات تؤسس لهذا الانتماء بنظرة
واقعية معاصرة لا تخرج عن إطار الدين، وليست قوالب جامدة أو سوائل مائعة تجد الشاب
أو الفتاة خاويًا لا يقبض في قلبه وعقله على شيء.
قال:
التوازن النفسي والانتماء هل علاقة عاطفية أم عقلية؟
قلت:
الانتماء المعتدل للكيانات بشكل عام يخفف من حدة الصراعات الفكرية مع المحيطين
بهذه الكيانات أو القائمين عليها، وبالتالي تبدأ عقلية ثم تنتهي بحالات نفسية
أحيانًا ومحاولات انتحار بعض الفتيات أو هروب بعض الأبناء من البيت أو إدمان
المخدرات والانحراف قد يكون سببه بداية للخلافات الفكرية الناتجة عن أشياء مختلفة
بدايتها من ضعف الانتماء ثم تتحول إلى أمراض سلوكية أو نفسية.
قالت:
أمر مخيف فعلًا حينما نعلم أن حجم الانتماء بهذه الخطورة على السلوك وقبلها النفس.
قلت: نعم
وليس هذا فحسب بل تأثير يمتد إلى تفكيك المجتمعات وانصراف شبابها عنها والتقوقع
داخل نزواته وشهواته وأفكاره خارج إطار الانتماء للوطن من تخريب وتدمير أو الدين
والتخلي عن معظم قيمه ومبادئه، ويغيب العقل تمامًا داخل منظومة فصل هذا الدين عن
سلوكنا اليومي حتى صدق الكثير ذلك وتبناه وما الدين إلا عبادات وتعاملات تربطنا
ببعض كمواطنين وعباد لله، وكذلك في الأسر يضمر كرهًا وحقدًا لبعض أفرادها لضعف
الانتماء لها لكثرة الاحتكاكات والتصادمات فيما بينهم ومفهوم كل منهم لحقوقهم على
بعض.
لذا
فالانتماء أمره ممتد بداية من الأسرة إلى المجتمع إعمارًا للوطن وحفظًا للدين
وإعلاء كلمته علمًا وعملًا، فتجد التوازن والهدوء النفسي يسيطر على جميع أفراده.