العنوان مسار التقسيم وتحدياته وتأثيره على أزمة دارفور.. السودان الجديد إلى أين؟
الكاتب فادي شامية
تاريخ النشر السبت 09-أبريل-2011
مشاهدات 30
نشر في العدد 1947
نشر في الصفحة 56
السبت 09-أبريل-2011
- قد تتصاعد المطالبة بانفصال دارفور إذا وجد أهل الإقليم أن - انفصال الجنوب جاء فعليا في مصلحة أهله وهذا أمر مشكوك فيه حتى الآن.
- المعارضة: حكومة الخرطوم مسؤولة عما جرى بتوقيعها اتفاقية نيفاشا، وفشلها لاحقًا في استمالة الجنوبيين نحو الوحدة بمن فيهم المسلمون.
- مؤيدو الحكومة: المشكلة قديمة والاستفتاء كان مشوبًا بضغوط على الجنوبيين والانفصال ولادة لـ "سودان جديد"
لم يشكل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على انفصال جنوب السودان في السابع من فبراير الماضي بنسبة تقارب ۹۹ لصالح الانفصال، إلا النهاية شبه الحتمية لمسار طويل تضافرت فيه مجموعة من العوامل أدت في النهاية إلى هذه النتيجة التي لم تسعد العرب والمسلمين كونها تعني تقسيم السودان وانفصال جزء من الأرض العربية وتحوله إلى دولة غير عربية، يتوقع أن يتعزز فيها الحضور الصهيوني.
ظهرت أولى التباينات بين جنوب السودان وشماله عقب الاستقلال عن بريطانيا عام ١٩٥٦م: حيث طالب الجنوبيون بالفيدرالية لكن الحكومة التي قامت في العاصمة الخرطوم رفضت هذا التوجه، مخافة أن يؤدي إلى التقسيم وبدًلا من التخفيف من هواجس الجنوبيين وتحسين أوضاعهم عملت الحكومات المتعاقبة على إحكام سيطرتها على الجنوب، وقمع أي توجه فيه نحو الفيدرالية أو الانفصال بالقوة ما أدى إلى ظهور دعوات وحركات تمرد تطالب بالانفصال فعليا، ما أجبر حكومة جعفر النميري على الموافقة على أخف الضررين وهو منح الحكم الذاتي للجنوب بموجب ما عرف باسم اتفاق أديس أبابا عام ١٩٧٢م.
ولأن سياسة التهميش الخاطئة تجاه الجنوب استمرت فقد تأكل الشعور الوطني - السوداني، وتعمقت أزمة الثقة مع الحكومة - المركزية، خصوصًا بعدما قسم «النميري» - الجنوب إلى ثلاثة أقاليم عام ١٩٨٣م ما أثار استياء الجنوبيين، وأدى إلى تمرد الكتيبة (١٠٥) وهروبها إلى الأدغال ولما أمر «النميري» قوة عسكرية بقيادة العقيد جون قرنق بإنهاء تمرد تلك الكتيبة كانت المفاجأة بانضمام «قرنق» نفسه إلى المتمردين بدلًا من إخضاعهم، وتأسيسه لاحقًا «الحركة الشعبية» لتحرير السودان بهدف معلن هو «تأسيس سودان علماني جديد»، وقد لقي «قرنق دعمًا من إثيوبيا وكينيا والكيان الصهيوني وبعد الإطاحة بنظام جعفر النميري» عام ۱۹۸۵م، حاولت حكومة «الصادق المهدي» التوصل إلى حل سياسي مع «قرنق»، وجرى اتفاق أولي في أديس أبابا»، لكن انقلاب الإسلاميين بقيادة «حسن الترابي» و«عمر البشير» عام ١٩٨٩م أعاد الأمور إلى التأزم من جديد خصوصًا بعد إعلان «الجهاد» ضد «قرنق» وحلفائه، وتأسيس قوات الدفاع الشعبي التي استطاعت تحرير مناطق جنوبية واسعة من سيطرة قرنق.
وضع إشكالي
ورغم نجاح الرئيس عمر البشير عسكريًا، ودعم الشعوب العربية والإسلامية له في مواجهة المتمردين، ورغم تشقق الحركة الشعبية لتحرير السودان وسقوط نظام منجستو هيلا ماريام الحليف للحركة في إثيوبيا، فإن الرغبة بالانفصال تأصلت لدى الجنوبيين خصوصًا أن فرزًا سكانيًا حصل على أساس طائفي وإثني بمعنى آخر، فإن الحلول العسكرية لم تؤت أكلها رغم نجاحها الظاهر على هذا الأساس، بقي الوضع إشكاليًا في الجنوب واضطرت حكومة الخرطوم لعقد حوارات مع المتمردين أو مع فصائل محددة منهم، إلى أن تم توقيع اتفاقية السلام الشامل في «نيفاشا» عام ٢٠٠٥م والتي نصت على منح الجنوب حق تقرير المصير خلال ست سنوات (۲۰۱۱)، فكان الاستفتاء ونتيجته المعروفة سلفًا وبموجب الانفصال، صار عدد سكان السودان ٣٠ مليونًا، ۹۸% منهم مسلمون ويرتكز غير المسلمين اليوم في غالبيتهم العظمى في الجنوب الذي تبلغ مساحته ٦٤٨ ألف كيلو متر مربع، وسكانه نحو عشرة ملايين ولا إحصائية دقيقة لتوزيع الأديان فيه، فإحصاء عام ١٩٥٦م يقدر نسبة كل من المسيحيين والمسلمين بـ ۱۷% والباقي من غير الدينيين (الوثنيون) لكن يبدو أن هذه النسب تغيرت مع الزمن ليصبح المسيحيون ما بين ٢٠ - ٤٠، والمسلمون نحو ۲۰% والباقي من الوثنيين.
تداعيات وتحديات
رغم التقبل الظاهر في الخرطوم الواقع الانفصال، وتأكيد أنه سيحرر البلاد من عبء النزاع الطويل، وأن السودان الجديد سينعم ب دولة قوية ومتطورة بعد الانفصال كما أعلن الرئيس البشير فإن للانفصال تحدياته وتداعياته إذ فضلًا عن الخسارة الجغرافية والديموجرافية، فإن ۸۰٪ من آبار النفط السوداني - الذي لم يحظ نتيجة الحروب بما يجب من استثمار - تقع في الجنوب وقد اضطرت الحكومة في الخرطوم إلى زيادة أسعار الوقود والسلع الغذائية الأساسية نتيجة فقدانها نحو ٦٠% من واردات الدولة (النفط) نتيجة الانفصال.
لكن هذه التداعيات ليست كل شيء فثمة تحديات كبيرة جدًا أمام البلاد بعد انفصال الجنوب، لعل أهمها :
ترسيم الحدود في منطقة أبيي: حيث تتداخل العوامل الجغرافية والقبلية فيما قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي لا يجد تأييدًا بعد من قبيلتي المنطقة «الدينكا» و«المسيرية».
التنفيذ الفعلي للانفصال: الجنسية، وموظفو الخدمة العامة، وارتباط العملة، وحقول النفط والمياه والأصول والديون إلخ حيث يرفض الجنوبيون تحمل جزء من الديون بدعوى أن حكومة الخرطوم كانت تستدين لشراء السلاح الذي تقاتل به الجنوبيين!
احتمال تمدد عدوى الانفصال نحو دارفور التي شهدت وتشهد اضطرابات دموية، والأمر قد لا يقتصر على دارفور، وإنما قد يمتد إلى أقاليم أخرى تطالب بالمزيد من الحكم اللامركزي ومن اقتسام الثروة.
أخطار توسع الحضور الصهيوني على الأمن السوداني خصوصًا والعربي عمومًا، فالروابط بين الحركة الشعبية والصهاينة قديمة، وتعود إلى زمن الحرب تسليحًا وتدريبًا واستخبارات، وخاصة بعدما أعلن في الجنوب عن حتمية قيام علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، وتوسع الاستثمارات الصهيونية حاليًا في «جوبا» عاصمة الجنوب، ولاسيما في قطاعي الاتصالات والفنادق.
ازدياد التجاذب السياسي في الخرطوم حول من يتحمل مسؤولية الانفصال، حيث تقول المعارضة السودانية إن حكومة الخرطوم مسؤولة عما جرى بتوقيعها اتفاق يه «بيماشا»، وفشلها لاحقًا في استمالة الجنوبيين نحو الوحدة، بمن فيهم المسلمون صوت المسلمون في الجنوب مع الانفصال، بل فشلها في استمالة الجنوبيين المقيمين في الشمال الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، ما جعل نسبة التصويت لصالح الانفصال قريبة من ٩٩%، ويحاول هؤلاء المعارضون تحريك الشارع والاستفادة من موجة الثورات العربية اليوم لكن مؤيدي الحكومة يردون على هؤلاء بأن الاستفتاء كان مشويًا بضغوط على الجنوبيين، وبأن المشكلة مع الجنوب قديمة ولا يمكن حلها في ظل الوحدة، وأن الانفصال هو ولادة السودان جديد.
هل ينفصل إقليم دارفور عن السودان؟
يتوقع تصاعد المطالبة بانفصال «إقليم دارفور» عن السودان بعد إتمام انفصال الجنوب، إذا وجد أهل الإقليم أن الانفصال جاء فعليًا في مصلحة أهل الجنوب، وهذا أمر مشكوك فيه حتى الآن ويعود التوقع بتنامي المطالبة بالانفصال للأسباب الآتية:
- مساحة الإقليم الضخمة التي تؤهله لأن يكون دولة مستقلة.
- الإمكانيات الهائلة رغم قلة المصادر الحالية على اعتبار أن المطالبين بالانفصال يأملون بنهضة كبيرة، وجلب استثمارات خارجية تستفيد من مقدرات الإقليم الطبيعية، لاسيما النفط واليورانيوم.
- تعقد الصراع نظرًا لتداخل الصراعات فيه، وامتداده على حدود دول أخرى تشاد، وليبيا وإفريقيا الوسطى وهناك قبائل تتنقل على جوانب الحدود.
- طبيعة القبائل فالصراعات بين القبائل في دارفور قديمة والحساسيات بين العرب وغير العرب حقيقة موجودة، رغم أن الجميع مسلمون.
- البعد التاريخي إذ إن المنطقة تاريخيًا كانت منفصلة فعًلا عن السودان أو متمتعة بحكم ذاتي.
- عدم الثقة بالحكومة نتيجة الإهمال المتمادي للإقليم منذ ما قبل سلطة الرئيس عمر البشير الحالية.
- التدخل الخارجي الذي يدفع بقوة نحو الانفصال لتحقيق مصالح إستراتيجية خطيرة.