; سقوط الدكتاتوريات | مجلة المجتمع

العنوان سقوط الدكتاتوريات

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980

مشاهدات 15

نشر في العدد 494

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 26-أغسطس-1980

  • العبرة الكبرى فيما نلاحظه من انهزام الرمز المستبد بعد موته والتعسفية على آثاره
  • أزيلت صور ماوتسي تونغ من الشوارع العامة بعد تقديس استمر أكثر من ربع قرن
  • هل ستكون الثمانينيات بداية لصعود الشعوب؟!

الثمانينيات..

بداية عصر الشعوب!

منذ أواخر الستينيات، بدأت الرموز الحاكمة المحظوظة تتهاوى واحدًا إثر الآخر تلك الرموز التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية وما بعدها بقليل قائمة على أنقاض رموز أخرى سقطت بفعل الهزيمة العسكرية.

فبعد اندحار النازية والفاشية، وموت هتلر وموسوليني، الرمزين المستبدين صعدت رموز أخرى أشد وأدهى تحت غطاء متفاوت من حيث الدعاية والأفكار وعلى هامش هؤلاء الذين صعدوا في العالمين الأول والثاني برزت زعامات تشبهت -أو حاولت التشبه- بهم في العالم الثالث ولذلك كانت نهايات الأربعينيات، وكل الخمسينيات والستينيات ميدانًا لهذه الزعامات المصنوعة، ولنتذكر قليلًا تلك الأسماء التي كانت تملأ المساحات الواسعة من صفحات الأخبار الأولى:

- أحمد سوكارنو في إندونيسية.
- جواهر لال نهرو في الهند.
- ما وتسي تونغ في الصين الشيوعية.
- جمال عبد الناصر في مصر.
- الشاه محمد رضا بهلوي في إيران.
- أيوب خان في باكستان.
- هيلاسيلاسي أسد يهوذا في الحبشة.
- فيدل كاسترو في كوبا.
- الحبيب بورقيبة في تونس.
- جوزيف بروز تيتو في يوغسلافية.
- أنور خوجة في البانية.

كان العالم وقتها خارجًا من أتون المعارك الرهيبة محتاجًا إلى من يلم شعثه ويبرئ جراحه ويحل مشكلاته.. وكانت الجماهير العريضة نهبًا للتمزقات المتوالية من: اقتصادية إلى اجتماعية وسياسية وثقافية.. وهي في حيرتها الغامرة تبحث عن الخلاص في أي شيء تتمسك به، ولو كان خشبة صغيرة في المحيط الهائج المائج من الفوضى والخراب والدمار توهمت أنها وجدت الملاذ في هؤلاء الذين خرجوا من صفوف الأحزاب العقدية أو الجيوش المتقاتلة أو الأسر المالكة ولأنهم كانوا البضاعة الوحيدة المطروحة في الأسواق فقد راجوا وراجت دعواتهم وأفكارهم ولكن توالي الأيام أثبت إخفاقًا ذريعًا لهذا الشكل البائس من الحكم الفردي: انزلق الحاكم إلى هاوية «التالية الذاتي» وهو المعادل الموضوعي للفراغ السياسي الشعبي. 

-نشأت طبقات منتفعة من هذا الوضع رسخت اتجاهات الحاكم لتستفيد من ورائه سلطة ومكاسب.

-ظهر الاستبداد على أيدي الأجهزة القمعية ومراكز القوى السياسية والعسكرية.

-حوصرت القيادات الفكرية، وشتت الجهود الثقافية وضربت الاتجاهات الصحيحة للتربية والتعليم ليخرج جيل ممسوخ خال من الفكر.

-ترسخت السلبية لدى الجماهير، وانقطع التواصل بين القاعدة والقيادة، وانطلقت سفينة الوطن تبحر على هواها.

- تعطل الإنتاج، وانعدم الإبداع، وانقلب المجتمع استهلاكيًا.

- نشأت سلوكيات خلقية معينة، أقلها الانتهاز والرشوة والفساد والإيقاع والكذب والإضرار بالناس وأعلاها الخيانة المطلقة.

- صار الحاكم هو الهدف، والوطن وسيلة وهو الدستور، والمؤسسات هياكل لتسويغ قراراته وتوجيهاته!!

 من كل هذا، والحاكم الرمز مستمر، رغم الإرهاب والكبت بفعل عوامل عدة خارجية وداخلية، تكفل له الاستمرار إلى أطول مدة.

الاستمرار لا البقاء، لأن لكل شيء نهاية، وهكذا-وبمرور الزمن- بدأت الهالات الذهبية تتساقط من حول الوجوه والصور -الزاهية صار يضربها القتام- وبهتت مع الأيام..

وكان سقوط الرموز الأولى القدوة بشيرًا مؤذنًا بسقوط الرموز التابعة: سالازار في البرتغال، وفرانكو في إسبانيا، وهكذا صار كالشيء الطبعي سماع الناس بغياب رمز قديم سواء بالموت «نهرو، عبد الناصر، تيتو، ما وتسي تونغ...» أو بالانقلاب «أيوب خان، سوكارنو، سيلاسي، الشاه...» والبقية تنتظر... 

ولكن العجيب الغريب في الأمر أن من كان بالأمس القريب، يضع نفسه في مصاف الآلهة أو أدنى بقليل عاد بعد موته طريدًا ذليلًا يلاحقه الخلف مسحًا وتنظيفًا بل قل مسخًا وتشويهًا!!

فمزقت صور ودیست شعارات وحطمت تماثيل- وغیرت دساتير وطردت قيادات، وأبرزت غيرها... 
والدهر يدور ومن اغتر- بالدهر فهو غرير مغرور!!
وهكذا: 

كشف عبد الناصر وفضح دوره وبانت مخازي عهده، ومظالم عصبته، وسوء قوانينه وجور أحكامه…حكم!! 

-وبالأمس القريب- منذ أيام فقط- راحت الجرافات تحطم تماثيل الإله المزعوم في الصين، ونزعت الرافعات صور ماوتسي تونغ، وعفا الزمن على آثاره قبل أن يمضي على موته ثلاث سنوات وغيرت أحكامه ومزقت «كراسته الحمراء» إنجيل الثورة الصينية!!

واعتقلت زوجه - نعم... زوج الزعيم مع عصابتها!! وفتحت الأبواب مشرعة لبضائع أمريكية التي كان مجرد ذكر اسمها محرمًا في الصين!!..عبر!!

- واليوم... أكبر العبر في شاه إيران الذي أخذ العرش عن والده عام 1941م وحكم ستا وثلاثين سنة.. والذي لقب نفسه «ملك الملوك» و«نور الآريين» وصنع حمامه الخاص في الطائرة من الذهب الخالص!! وأتى بالعجائب في ذكرى تتويجه وإحياء الإمبراطورية الفارسية البائدة في ذكراها ال ٢٥٠٠ لمملكة قورش!! 
هذا الذي ملك الإمبراطورية، وكون أقوى قوة ضاربة في المنطقة، لم يجد لنفسه ملجأ بعد طرده من بلاده!؟

المجتمع، عرش الطاووس!! ومزق حكمه وقتل أعوانه، وأعدم سماسرته ووزعت ثروته بعد أن تركه السرطان شبحًا أو كالشبح!

وما هذه النماذج الثلاثة إلا جزء من الصورة، والبقية مثلها مع بعض الاختلاف... وكلهم يتفقون في الطغيان، ولكنهم ينتهون جميعًا إلى البلى والنسيان! والدهر يدور وتهل الثمانينيات، فإذا بها بداية لعهد جدید، تنحسر فيه عن العالم ظلال الطغاة الصغار، وتكاد الكفة تميل فيه إلى جانب أكثر مسايرة لأماني الشعوب، وأقرب إلى تحكم القوانين... ومازال في البدايات!

ولكنها عبر ضخمة، ذات أثر كبير لها فائدتان للحاكم والمحكوم لو عقل الطرفان...
ألا إنها الثمانينيات! وأنها لبداية لعصر الشعوب -فيما نخمن- لو عقلت؟!! وقدمت القيم والمبادئ وأخرت الأشخاص والمنافع... ولله في خلقه شؤون.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل