العنوان كيف دخل الإسلام أفريقيا (٣)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يوليو-1972
مشاهدات 15
نشر في العدد 109
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 18-يوليو-1972
كيف دخل الإسلام أفريقيا (٣)
كان المماليك يشتركون في المعارك الدائرة في أفريقيا.
واستطاع أحمد القرين الذي وصل الفتح الإسلامي في عهده إلى غايته أن يقاوم بمفرده تحالف القوى الاستعمارية من البرتغال والحبشة، واستطاع أن يخوض معارك طاحنة مع القوى الجديدة عام ١٥٤٣ وشهدت مصوع نهاية هذه المعارك بهزيمة حزينة لأحمد القرين.. ومع بداية القرن السادس عشر تدخل عنصر قوي إلى جانب المسلمين بدخول العثمانيين إلى الخلافة الإسلامية القديمة غير أن مناطق استراتيجية هامة ضاعت عليهم في المغرب الأقصى والبحر الأحمر لاستيلاء القوى الصليبية عليها.
وفي الوقت الذي بدت فيه الإمبراطورية العثمانية تضعف وتواجه سلسلة من المشاكل بدأت القوى الصليبية حملة هائلة من التبشير والدعوة إلى المسيحية وقد صاحب ذلك سلسلة من الحملات العسكرية التي تبعت قوافل المبشرين ومع بداية القرن التاسع عشر كان الاستعمار قد أخذ طريقه إلى أفريقيا وبدأ يلتهم أجزاءها جزءًا بعد آخر.. وبدأ المسلمون الأفارقة يقفون منفردين دون حماية يواجهون هذه القوى الطاغية بمفردهم.
وقد لعبت الصوفية ومدارسها المختلفة وقادتها الأوائل دورًا هائلًا في نشر الإسلام، وكانت القادرية والسنوسية من أوائل هذه الحركات إلى جانب التيجانية والإدريسية وقد ظهرت عدة حركات في الجزيرة العربية والسودان- الوهابية والمهدية- تدعو إلى الانتصار للإسلام والجهاد في سبيله وكانت هذه القوى الصوفية الجديدة امتدادًا لحركات الجهاد في سبيل الله وقد تأثر عثمان وان فوديو بالوهابيين في مكة والمدينة عندما سافر للحج ولما عاد استطاع أن يؤسس دولة إسلامية قوية في شمال نيجيريا والكاميرون؛ وأن يدفع بقبائل الهوسا إلى الإسلام، وقد قاد عثمان فودی جماعات من قبائل الفولا المنتشرة في أقاليم الهوسا ليهاجم بهم القبائل الوثنية؛ وينجح في تأسيس عاصمتين لملكه هما «سكوتو وكانو» وظلت دولة الفولا قائمة طوال القرن التاسع عشر إلى أن تدخل الاستعمار البريطاني سنة ۱۹۰۰ واستولى على نيجيريا.
ومن ناحية أخرى فإن الحاج عمر من السنغال والذي تعلم في الأزهر ومكة والمدينة.. ذهب إلى بلاد الهوسا يدعو إلى الإسلام، ودعا إلى التيجانية واستطاع بمجموعات من أتباعه أن يدخل إلى السودان الفرنسي وشمال النيجر وغينيا والكونغو الفرنسية.
واستطاع أن ينشر الإسلام في الربوع إلى أن حوصر ومات مختنقًا في مغارة بالدخان عام ١٩٦٥. وخلف من بعده ابن أخيه الذي وقع فيما بعد في أيدي الاستعمار الفرنسي.
وقد تأسست القادرية في القرن الثاني عشر الميلادي بزعامة، عبد القادر الجيلاني، ووصلت إلى غرب أفريقيا في القرن الخامس عشر وقد انتشر أتباعها في واحة تواث ثم مدينة تمبكتو ثم السودان الغربي والسنغال.
وقد أسس أحمد المختار التيجاني الطريقة التيجانية عام ١٧٣٧- ١٨١٥ في الجزائر، وهي فرع من فروع الطريقة الخلونية، وكانت منطقة دعوتهم جنوب السودان، وكان من أتباعه الحاج عمر الذي سبق الحديث عنه...
أما السنوسية، فقد أسسها محمد بن علي السنوسي الجزائري الأصل الذي تأثر بالدعوة الوهابية ودعا إلى إنشاء الزوايا للتفقه في الدين في شمال أفريقيا وشرقها، وكانت واحة جغبوب في ليبيا المقر الرئيسي لهم.
وقد استطاع هؤلاء الصوفيون أن يواجهوا الزحف الاستعماري التبشيري.. إن قوى الاستعمار كانت أقوى واستطاعت أن تسترد للمسيحية قوتها في مناطق متفرقة في أفريقيا واستعمر الإنجليز زنجبار ١٨٤٠ ثم أوغندا ١٨٧٤، والكونغو البلجيكي. وأرسلت بعثات من كافة كنائس العالم حتى سويسرا وأميركا، والآباء اليوسوعيون والدومينيكان في حوض نهر زومبيزي، مراكز للتبشير في الكونغو عام ١٤٩١ يشهر اعتناق ملك الكونغو للمسيحية عام ١٦١٠ البرتغاليون يؤسسون أسقفيه مسيحية في أنغولا ومع كل بعثة مسيحية عيادة خاصة ومعونة ومستشفى ومدرسة!! ومع كل هذا فقد فشلت بعثات التبشير لأنها عاملت الأفريقيين كطبقة ثانية، وجعلتهم في مناطق أخرى إما فرنسيين أو بلجيكيين، فتخلوا عن جنسيتهم وأبعدتهم عن عاداتهم وقبائلهم.
واستطاعت عصابات تجارة الرقيق، وكان أغلبهم من «الجزويت» أن تقضي تمامًا على ثقة الأفريقيين في جماعات المبشرين وتعاليمهم، وكان المستعمرون يعاملونهم معاملة مادية تباعد بين تعاليم المسيحية وواقع المجتمع الاستعماري، في الوقت الذي ساوى الإسلام بين الغني والفقير، والدين الإسلامي؛ لأنه دین فطرة، فقد تلاءم دائمًا مع تعاليم البلاد وتفاعل معها وكان دعاته من أهل البلاد نفسها، وهو لم يكن دينًا فحسب وإنما كان دينًا وحياة ونظامًا اجتماعيًا كاملًا.
ويسمع المرء قصصًا رهيبة من الأفريقيين من بعثات التبشير، ولعل أغرب القصص ما رواه زعيم المسلمين في جنوب أفريقيا عندما جاءهم مبشر يدعوهم إلى النصرانية فإذا به لا يرى حواجز بين الطبقات، وأن لا فضل لعربي على أعجمي وأن الجنس واللون لا يمنع المسلمين من المساواة في الحياة السياسية والاجتماعية لذلك فقد أعلن إسلامه!! وما زال المسلمون يكسبون حتى اليوم مناطق جديدة في جنوب أفريقيا وروديسيا والكونغو.. وغيرها، ورغم جهود المسيحية الرهيبة وقوتها المادية الهائلة فإن عددهم لا يزيد في القارة عن ۱۹۸ مليونًا أقل من ۱۰٪ من مجموع السكان، وينشر الإسلام الآن، ومنذ بداية القرن التاسع عشر، حركات للإصلاح والدعوة من جديد للإسلام.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل