; نقوش على جدار الدعوة.. من له الحق..؟ «1» | مجلة المجتمع

العنوان نقوش على جدار الدعوة.. من له الحق..؟ «1»

الكاتب الشيخ مهلهل الياسمين

تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

مشاهدات 9

نشر في العدد 1278

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

عالمنا اليوم يسعى حثيثًا نحو الاختصاص، فالعلم الواحد يتفرع إلى جزئيات عديدة، والعمل الواحد تنتجه عدة مصانع كل منها متخصص في ناحية بعينها، ثم تجمع هذه الجهود في عمل معين يعرض في الأسواق ويباع للناس بعد مروره بمراحل من الإنتاج تتجمع وتتصل لتشكّل في النهاية تلك السلعة، وهذه التجزئة سواء مثلت سلعة كاملة أو جزءًا من سلعة هي ما تحاول أن تقوم به المؤسسات والدول، فيما يسمى اليوم بـــ«الخصخصة» التي تعني كذلك رفع يد الدولة عن عمل مؤسسة من المؤسسات ذات الشأن، وتركها لأفراد يديرونها أو لبعض أفراد يشاركون في شراء أسهمها وأعمالها مشاركة جزئية أو انتقالًا كليًا، وكل ذلك من أجل زيادة الإنتاجية ورفع الكفاءة، وتدفق العطاء البشري، ويأتي هذا الأمر طبيعيًا اليوم، حيث تداخلت الأعمال، وتزاحمت الأفكار، وكثرت المشاغل، وهذه الأمور تدفع إلى إلزامية التخصص في الأعمال، ومن هذا المنطلق سنقف عند توجه بدأ يسري في أوساط الكثير من المبدعين في العمل الإسلامي، ألا وهو الإسراع نحو الهدف النبيل من أقصر طريق وبأيسر وسيلة، وهذا الشيء لا غبار عليه إن لم يأخذ طابع التسرع والعجلة، فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، والمطلوب منا أن نرتقي بمستويات العطاء ونحن نقتحم الحياة ونقدم للناس هذا الدين، ولا بد أن نكون متسلحين بالعلم والإيمان والمعرفة بالأمور الجائزة والممنوعة في الميدان الذي نلجه.

فعلى سبيل المثال نجد عند الكثيرين من المتحمسين لتطوير العمل اقتناعًا بأنهم لا بد لهم من أن يفعلوا كذا، وأن يصلوا إلى الناس في أماكنهم ولو كان في هذا الوصول تلطيخ لأثوابهم وأجسادهم بالطين، فالذي يقوم بإنقاذ الناس من البحر لا بد أن يبتل ثوبه، ويصاب بأمراض البرد، ولا يأمن كذلك أن يغرق، ونحن إذ نشكر للمبدعين والمتحمسين هذه الروح منهم، نخشى عليهم ألا يستطيعوا التخلص من لوثات هذه المغامرات لا لضعف في إيمانهم، ولكن لعدم تخصصهم وقلة علمهم بالضوابط والقواعد الشرعية التي يجب أن ينطلقوا منها في تحركهم الإبداعي، وإنتاجهم المتميز، فالمسلم قبل أن يفكر في إنقاذ الآخرين يفكر كيف ينقذ نفسه بين يدي الله يوم القيامة، ولهذا نجد أنه في عهد الصحابة رضوان الله عليهم كانت المسألة الفقهية تدور على ثلاثين من الصحابة رضوان الله عليهم، يدفعها كل واحد لأخيه يريد النجاة من غير جهل منه، وفي النهاية يفتي مضطرًا لا مفتخرًا! وهكذا المسلم يحرص على إنقاذ نفسه قبل إنقاذ الآخرين.

ولخطورة الدخول في مزالق الصراع مع الباطل نذكر مثالًا من التاريخ: الإمام الغزالي قال عنه الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء» «19 / 322» «الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط»، هذا الإمام ألّف في ذم الفلاسفة «كتاب التهافت» فلم تقم لهم قائمة بعد ذلك، ولكن ماذا حصل له؟ نترك الإمام أبا بكر بن العربي ليقول: «شيخنا أبو حامد بلع الفلسفة وأراد أن يتقيأها فما استطاع «19 / 327». 

وكذلك دخل على المناطقة متأثرًا بهم حتى قال عن علم مبني على المنطق الصوري اليوناني: «هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به فلا ثقة له بمعلوم أصلًا» «السير: 19 / 329»، «المستصفى 1 / 10».

وقد امتدحه المازري في الفقه والأصول، ولكنه بيّن أن ما جاء به من أقوال شاذة في أصول الدين إنما هو من أثر تبحره في الفلسفة، حيث أكسبته الفلسفة جرأة على المعاني وسهولة في الهجوم على الحقائق «9 / 341».

ومع ذلك قال الإمام الذهبي عنه: «الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ».

وما كان من سبب لما وقع به الإمام من سقطات القوم إلا أنه دخل على القوم قبل ثبوت الرجل بالسنة النبوية المتبوعة، ففي كتاب لإحياء أحاديث لا سند لها عدتها ٩٤٣ حديثًا، ذكر ذلك الإمام السبكي في طبقاته «6 / 287، 388»، قد بيّن ذلك الكثير من العلماء، «اانظر السير: 9 / 322 – 346، أ، ه». 

والذين يودون- بعد أن دخلوا في الدعوة- أن يصلوا إلى غيرهم في مواقعهم التي هم فيها ويناقشون أفكارهم التي هم عليها قبل أن يتمكنوا من الضوابط الشرعية، لأن لمناقشة هذه الأفكار- في رأيهم- الأسبقية، نخشى عليهم من الوقوع فيما وقع فيه الإمام الغزالي، وبخاصة أنهم لا يملكون ما يملك من الثقافة الواسعة، والتبحر العلمي، ولذا فإن التريث لا ضرر منه والعمل بثقة وروية أمر مطلوب.

ولنا وقفة أخرى في الأسبوع القادم إن شاء الله.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

افتتاحية - العدد 7

نشر في العدد 7

23

الثلاثاء 28-أبريل-1970

تاريخ لا يُنسى

نشر في العدد 48

23

الثلاثاء 23-فبراير-1971