العنوان مصر نموذجًا.. الموارد غير الذاتية هل يمكن الاعتماد عليها؟
الكاتب مراسلو المجتمع
تاريخ النشر السبت 04-يناير-2003
مشاهدات 19
نشر في العدد 1533
نشر في الصفحة 46
السبت 04-يناير-2003
مصر نموذجًا
الموارد غير الذاتية هل يمكن الاعتماد عليها؟
القاهرة: المجتمع
تختلف الآراء حول قدرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة على تحقيق التنمية الاقتصادية في بلد ما، فهناك آراء تبالغ في تقدير أهمية هذه الاستثمارات في تحقيق النمو الاقتصادي وتجعلها الشرط الأساسي لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الفجوة بين الاستثمار المطلوب والموارد المحلية المتاحة لا يتم سدها إلا من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة وهم يعولون على هذه الاستثمارات في تحسين الفن الإنتاجي والتكنولوجي في الصناعة كما ينظر إليها على أنها تساهم في زيادة درجة التوظف وتربط اقتصاد الدولة المضيفة بالاقتصاد العالمي.
إلا أن هذه الآراء تواجه بآراء أخرى تدعو إلى عدم المبالغة في تقدير الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الاستثمارات، إذ تشير تجارب دول جنوب شرق آسيا إلى أنه لا غنى ولا بديل عن المدخرات والاستثمارات المحلية.
ويؤخذ على هذه الاستثمارات أنها لا تتناسب مع ظروف الدول النامية فالصناعات الوافدة عادة ما تكون كثيفة التكنولوجيا ورأس المال، ولا تحتاج سوى للقليل من الأيدي العاملة مما يساهم في زيادة مشكلة البطالة.
كما أن هذه الاستثمارات عادة ما تكون روابطها مع الاقتصاد الوطني ضعيفة مما يحد من قدرتها على المساهمة في إحداث رواج اقتصادي وهو ما يجعلها بمثابة جيوب اقتصادية منعزلة.
وللإنصاف فإنه رغم هذه الانتقادات، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمكن أن تساهم في سد فجوة الادخار الموجودة في العديد من الدول النامية، خاصة أن أهمية الاستثمار الأجنبي ودوره في عملية التنمية قد زادت بعد التغيرات الكبيرة التي طرأت على النظام العالمي الدولي في أعقاب أزمة المديونية الخارجية في أوائل الثمانينيات.
وسوف نبحث عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الاستثمار الأجنبي المباشر في دفع عجلة التنمية في مصر من خلال بيان حدود درجة الاعتماد عليه في تحقيق التنمية المستهدفة في الفترة المقبلة.
•ما المقصود بالاستثمار الأجنبي المباشر؟
يمكن تعريف الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه انتقال رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الخارج بشكل مباشر للعمل في صورة وحدات صناعية أو تحويلية أو إنشائية أو زراعية أو خدمية، ويمثل حافز الربح المحرك الرئيسي له.
وتشترك كل من الدول النامية والمتقدمة في السعي لجذب أكبر قدر من هذه الاستثمارات وإن كانت هناك أهمية خاصة للاستثمارات الأجنبية المباشرة بالنسبة للدول النامية لأسباب منها:
1- أن هذه الاستثمارات تساعد على استيعاب قدر من العمالة، وبالتالي المساهمة في حل مشكلة: البطالة التي تتسم بطابع هيكلي في هذه الدول.
۲- مواجهة حاجة الدول النامية إلى التمويل الخارجي بسبب نقص معدلات الادخار فيها واتساع فجوة هذا الادخار لديها.
3-أصبحت قروض المنظمات الدولية أو المعونات الثنائية مرتبطة بشروط مشددة من جانب الدول المانحة.
4- تعول الدول النامية على هذه الاستثمارات في استقدام تكنولوجيا جديدة ومتطورة وفن إنتاجي متطور يساعد في تقدم القاعدة الإنتاجية لديها.
5- كما أنها تأمل في أن يؤدي جذب هذه الاستثمارات إلى المساعدة في حدوث حالة من الرواج الاقتصادي من خلال زيادة حجم الروابط الأمامية والخلفية لهذه الاستثمارات بباقي وحدات الاقتصاد الوطني.
لذلك أصبحت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع نهاية الثمانينيات المصدر الرئيسي لرؤوس الأموال الأجنبية للغالبية العظمى من الدول النامية ومثلت نحو 75% من إجمالي التدفقات الرأسمالية من المصادر الخاصة بالنسبة لـ ٩٣ دولة نامية خلال الفترة من ۱۹۸٦ - ۱۹۹۰م، بينما لم تكن النسبة تتجاوز 30%خلال الفترة من ۱۹۸۰ -١٩٨٥م.
لكنها لا تأتي!
سعت مصر كغيرها من الدول النامية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لكن المناخ مازال غير مهيأ بدرجة كافية
ورغم الأهمية الكبيرة التي تمثلها هذه الاستثمارات للدول النامية، فقد أوضحت إحدى الدراسات أن 85% من الحجم الكلي للاستثمار المباشر خلال الفترة من ۱۹۸۸ - ۱۹۹۰م ذهبت إلى البلدان الصناعية المتقدمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أما نصيب البلدان النامية فكان15% ويرجع ذلك إلى لجوء الدول المتقدمة إلى استخدام الاستثمارات المباشرة كوسيلة لتلافي القيود الجمركية التي وجدت كنتيجة لقيام تكتلات اقتصادية كالسوق الأوروبية والنافتا وغيرهما.
كما تزايدت أعداد الاتفاقيات الثنائية التي تشجع الاستثمارات بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولكن السبب الأهم هو بحث هذه الاستثمارات عن الدول التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، إذ تنخفض درجة الأخطار، فرغم منح العديد من الدول النامية لامتيازات وإعفاءات مبالغ فيها الرؤوس الأموال الأجنبية، فلا تزال الاستثمارات المباشرة إلى الدول النامية أقل من المطلوب بكثير.
كما يمثل ضعف البنى الاقتصادية والهياكل الإنتاجية في الدول النامية عاملاً آخر من عوامل نفور الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبعدها عن الدول النامية.
ولقد سعت مصر كغيرها من الدول النامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال منحها العديد من الامتيازات، إذ بدأت هذا الاتجاه منذ النصف الثاني للسبعينيات، ومع بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي في بداية التسعينيات حققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر زيادة في معدلات نموها وفي حجمها، حيث وصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر عام ۱۹۹۹م مليار و ۱۰۰ مليون دولار وفقًا لتقرير الاستثمار الدولي الذي يصدره «الانكتاد»، بعد أن كانت تقل عن ٣٠٠ مليون جنيه عام ١٩٩١م.
ووفقًا للتقرير السابق فإن ٢٠٪ من الشركات متعددة الجنسيات على مستوى إفريقيا تعمل في مصر في مجال السيارات والنفط والإلكترونيات والأدوية، وجاءت مصر في المركز الثاني من الدول الإفريقية في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة على أرضها.
ولكن يلاحظ على هذه الاستثمارات أمرين التذبذب، ووجود العديد من العقبات والصعوبات أمام مصر في سبيل زيادة حصتها من الاستثمارات العالمية. فبالنسبة للأمر الأول يلاحظ عدم ثبات تطور حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إذ تأرجحت خلال عقد التسعينيات بين الزيادة والنقص.
فبعد أن ارتفعت قيمتها عام ١٩٩١م إلى ۲۹۸ مليون جنيه مقابل ٢٤٣ مليون جنيه عام ۱۹۹۰م بمعدل ٢٢٫٦% وبنسبة 14.6% من إجمالي قيمة الاستثمارات، إذا بها تنخفض عام ۱۹۹۳ م بنسبة 11.7% عن عام ١٩٩٢م ثم انخفضت أيضًا عام ١٩٩٥م بنسبة 33.8% عن عام ١٩٩٤م.
ثم إذا بها تحقق طفرة في خلال عامي ۱۹۹۷ ۱۹۹۸م، حيث بلغت 5103.3221 مليون جنيه بنسبتي نمو 113.6%، 58.4% على التوالي وترجع وزارة الاقتصاد التحسن الملحوظ إلى الأسباب التالية:
الجهود المبذولة من الدولة عن طريق:
1 - إزالة القيود والعقبات أمام المستثمر الأجنبي.
2- إلغاء القائمة السلبية للاستثمار، فمعظم مجالات الاستثمار متاحة أمام المستثمر الأجنبي.
3- أحقية الأجانب في تملك الأرضي والمشروعات.
٤- تحويل الأرباح حسبما يطلب المستثمر.
5 - عوامل الجذب والإغراء التي تلقاها رؤوس الأموال الأجنبية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة.
٦ - الجهود المبذولة لتحسين مناخ الاستثمار واستدامة هذه السياسات.
7-القوانين والضمانات وجوائز الاستثمار التي أصدرتها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة رقم 8 لسنة ١٩٩٧م.
ورغم هذه الإجراءات فقد ساهمت مجموعة من العوامل في انخفاض انسياب الاستثمارات الأجنبية لمصر منها:
1-عدم وجود مؤسسة مستقلة تقوم بعملية الترويج للاستثمار الأجنبي المباشر داخل مصر حيث يتصف المناخ العالمي بالمنافسة الشديدة لجذب هذه الاستثمارات.
2-تفضيل الاستثمارات الأجنبية المباشرة العمل في دولة لديها أيدي عاملة مدربة وبنية اقتصادية متطورة، حيث تفتقد مصر هذين الأمرين برغم توافر ميزة نسبية لها هي وفرة الأيدي العاملة، إلا أنها تفتقد إلى التدريب وتعاني من انخفاض المستوى التعليمي وبخاصة الفني والمهني.
3-إن مناخ الاستثمار في مصر غير مهيأ بالدرجة الكافية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية هذا المناخ يتحدد وفق عدد من العناصر مثل مدى توافر البنية الأساسية، وارتفاع درجة كفاءة وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض معدل التضخم، وتحرير التجارة وانخفاض مستوى الضرائب والتعريفة الجمركية، ومدى توافر عناصر الإنتاج بتكلفة مناسبة، وكفاءة عالية واستقرار سعر الصرف، وحرية دخول وخروج الأموال دون قيود أو تكاليف مالية، وكذلك تبسيط إجراءات الاستثمار.
الفساد والبيروقراطية
أضف إلى ذلك عوامل أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، منها مدى انتشار الفساد والبيروقراطية وتأثيرها السلبي على الاستثمار فقد ثبت على سبيل المثال من نتائج صحيفة الاستبيان التي قامت بها غرفة التجارة الأمريكية عام ١٩٩٦م، والتي تم تطبيقها على الشركات الأمريكية التي تعمل في مصر أن ما نسبته84%من هذه الشركات أعلن أن انتشار البيروقراطية يؤثر سلباً على الاستثمار.
ومن ناحية أخرى، فإن انتشار الفساد يرفع من تكلفة المعاملات، مما يؤثر سلبًا على الاستثمار.
ويلاحظ أن مصر طبقًا لمقياس انتشار الفساد الذي وضعته Moody -Sturat عام ١٩٩٦م تقع في ترتيب متقدم مقارنة بدول أخرى نامية تنافسها في جذب الاستثمارات الأجنبية، فقد سجلت مصر معدل 2.84(كلما اقتربت قيمة هذا الرقم من عشرة، دل ذلك على انخفاض الفسادوالعكس ).
٤- عدم وجود خريطة استثمارية للمناطق الجغرافية الواعدة والجاذبة للاستثمار واتباع منهاج يتسم بالديناميكية والفاعلية في التعامل مع المستثمر لرفع كفاءة الاقتصاد وجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
كما ساعدت أيضًا بعض العوامل على الصعيد العالمي في نقص حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر منها :
التغيرات الاقتصادية الحادثة في بلدان أوروبا الشرقية وما صاحبها من حدوث التوسع الاستثماري في أوروبا الشرقية برؤوس أموال غربية وأمريكية ويابانية، وبالتالي حدوث تحول جغرافي في الاستثمارات المتدفقة إلى الدول النامية، ومنها مصر إلى دول الاتحاد السوفييتيالسابق وأوروبا الشرقية.
تزايد استخدام الاستثمار المباشر كوسيلة لتلافي القيود الجمركية التي وجدت نتيجة لقيام التكتلات الاقتصادية، وبالتالي تفضل رؤوس الأموال العمل داخل هذه التكتلات، حيث يمكنها النفاذ إلى أسواق ذات حجم كبير، وهو الأمر الذي لا يتوافر بالنسبة لمصر، فالسوق العربية المشتركة تواجه العديد من العقبات، بحيث تبدو بعيدة المنال وتجربة الكوميسا ما زالت في طور البدء كما أنه توجد العديد من العقبات في سبيل استفادة الاقتصاد المصري من الانضمام إليها.
اتجاه دول شرق آسيا إلى اتباع استراتيجية ذات توجه انفتاحي، فقد قامت هذه الدول بخفض التعريفات الجمركية وإزالة القيود المفروضة على الواردات، وانتهاج سياسة مرنة السعر الصرف، واتباع سياسات مالية مناسبة كذلك رخص الأيدي العاملة مع مهارتها بجوار المزايا الضريبية، كل ذلك ساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى هذه الدول. وهكذا فإن العوامل السابقة زادت من تذبذب هذا المصدر ومن حجم العقبات أمام سهولة تدفق هذه الاستثمارات إلى مصر إلى جانب أن تجارب التنمية في جنوب شرق آسيا قد أثبتت أنه مع العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ورؤوس الأموال الأجنبية إلا أنه يجب العمل في الوقت نفسه على زيادة نسبة الادخار المحلي والاستثمارات المحلية.
لذلك فإنه يجب ألا نبالغ في تقدير أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المساعدة في تحقيق الأهداف التنموية الخاصة بمصر.