; العقيدة.. أولًا | مجلة المجتمع

العنوان العقيدة.. أولًا

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-يونيو-1971

مشاهدات 25

نشر في العدد 63

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 08-يونيو-1971

العقيدة.. أولًا

﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ (سورة البقرة: ١٣٢،١٣١).

مستحيل أن يقوم بناء قوي سليم في هذه الأمة بغير العقيدة، فليس هناك أي قيمة، أي نشاط، أي تفكير يمكن أن يقوم مقام العقيدة مهما كان خيرًا، ومهما كان في ذاته كثير النفع.

الفراغ الذي يتركه غياب العقيدة يظل فراغًا؛ حتى تعود العقيدة وتستقر في القلوب، وكل محاولة لسد هذا الفراغ بغير العقيدة إنما هي محاولة فاشلة، وعلاج سطحي لمشكلة جد عميقة.

إن الإنسان حين تتوقف سيارته في الطريق -مثلًا- لا يحاول أن يصلح السيارة في أي موضع منها وبأي طريقة! لا يحاول أن يدقق النظر في طلاء السيارة، هل غبره التراب؟ ولا يحاول أن يفحص الكراسي، هل ثمة إبرة أو دبوس فيها يضايق الذي يجلس ويؤذيه؟

إن الإنسان العاقل حين تتوقف سيارته فجأة يبدأ أولًا بالبحث عن مكان الخلل، وحين يجد الخلل يبدأ إصلاحه من هناك.

وأمتنا متوقفة في الطريق، وبالبحث عن سبب هذا التوقف؛ وجدنا أن في العقيدة خللًا، وفي الإيمان علة، وإنه من هنا ينبغي الإصلاح، وينبغي التغيير.

ولا نهضة، ولا بناء، ولا تقدم، ولا انتصار قبل معرفة هذا الخلل؛ ثم معالجته بالعلاج المناسب، وهو: عودة العقيدة الحية إلى القلوب.

 إن القرآن الذي ربَّى أبا بكر، وعمر ابن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح، وابن عوف، وأنس بن النضر، وحمزة بن عبد المطلب، وسعد ابن أبي وقاص، وبقية العصبة المؤمنة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا القرآن الذي ربَّى هؤلاء الرجال هو نفس القرآن الذي نتلوه الآن، هو هو بآياته، هو بحروفه، هو هو بمدوده وغنته وجميع مخارج حروفه.

فكيف حوَّل أولئك الرجال من حال إلى حال؟، ونهض بهم تلك النهضة القوية السريعة؟ بينما واقعنا ليس فيه هذه النهضة ولا هذا التحول العميق؟!

إن القرآن لم يتغير، وهو حاضر أبدًا للقيام بعملية التحويل، وللنهوض بالرجال كأقوى وأسرع ما يكون النهوض، ولكن الاستعداد النفسي والقلبي هو الذي تغير، كان القرآن يخاطب عقيدة، ويخاطب إيمانًا نشطًا متأهبًا للاستجابة والدخول في التطبيق العملي لمطالب القرآن الكريم.

أما اليوم، فإن الحال قد تغير، تصدح آيات القرآن من الإذاعة أو المقرئين في أي مكان، وتُتلى الآيات من المصحف مباشرة، ولكنها تخاطب فراغًا وخواء لا يستطيع التلبية، ولا يقدر على الاستجابة!

نعم! إن وجود العقيدة الحية هو أساس التعامل مع سائر التشريعات الإسلامية؛ إنها هي جهاز الاستقبال السليم، فإذا أُتلِف هذا الجهاز تعطل التشريع الإسلامي في الحياة.

إن نهج القرآن الكريم واضح في بناء هذه الحقيقة، إنه يخاطب الإيمان ويتجه للعقيدة، وهو يدعو المسلمين إلى العمل.

· في الالتزام بحق الله ورسوله في التشريع والتوجيه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (سورة الحجرات: ١).

· في المفاصلة بين المؤمنين والكافرين: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ﴾(سورة الممتحنة: 1).

وفي تنقية الصف من الدخلاء: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ (سورة آل عمران : ١١٨).

· 

· وفي مواجهة الشدائد بالصبر والصلاة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ (سورة البقرة: ١٥٣).

· وفي الاحتكام إلى الله والرسول حين يحدث التنازع في شيء: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلً﴾ (سورة النساء: ٥٩).

· وفي الوعي الجهادي الدائم، والحذر المستمر من مفاجآت العدو ومحاولاته: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا﴾ (سورة النساء: 71)

العقيدة هي موضع النداء والإيمان هو المخاطب

وعندما كانت العقيدة الحية المتوقدة المتوهجة موجودة، وعندما كان الإيمان القوي الراسخ حاضرًا؛ غيَّرت النصوص الآنفة الناس من حال إلى حال، ونهضت بهم تلك النهضة القوية السريعة، فكان الالتزام بحق الله ورسوله في التشريع، وكان الكف عن التقديم بين يدي الله ورسوله، وكانت المفاصلة بين الكافرين والمؤمنين، وكانت تنقية الصف من البطانة الدخيلة، وكانت الاستعانة بالصبر والصلاة، وكان الاحتكام إلى الله ورسوله حين يقوم النزاع في شيء، وكانت اليقظة المستمرة والحذر الدائم في جهاد العدو.

ونفس هذه الآيات تتلى اليوم بين المسلمين، ومع ذلك هناك الذين يقدمون آراءهم وأهواءهم على الكتاب والسنة، والذين يوالون الأعداء، والذين يتخذون بطانة من دونهم تصيبهم بالخبال والعنت، والذين لا يستعينون بالصبر ولا بالصلاة، والذين يحتكمون إلى غير الله ورسوله في أمورهم المتنازع عليها، والذين يخدِّرون وعيهم بالاستسلام للعدو، ولا يتسلحون باليقظة الجهادية المستمرة ولا بالحذر الدائم، ومن هنا تتضح مكانة العقيدة، وضرورتها في جمع الناس على الإسلام ودفعهم في طريقه بقوة ووعي وعزم.

وهو أمر ممكن -ومعنا منه تجارب معاصرة- لمن يريد أن يجدد إيمانه، ويبعث في عقيدته الحرارة والنشاط والجد.

 

الرابط المختصر :