; الدكتور توفيق الشاوي يكتب للمجتمع من غابة الشياطين في آسيا الوسطى: شيطان أحمر في باكو | مجلة المجتمع

العنوان الدكتور توفيق الشاوي يكتب للمجتمع من غابة الشياطين في آسيا الوسطى: شيطان أحمر في باكو

الكاتب الدكتور توفيق الشاوي

تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993

مشاهدات 22

نشر في العدد 1060

نشر في الصفحة 31

الثلاثاء 03-أغسطس-1993

أول مدينة زرناها في جولتنا بآسيا الوسطى هي «باكو» عاصمة أذربيجان، وقد فوجئنا عندما نزلنا في مطارها بما لاحظناه من سوء حالته - وبدأ بعضنا يتعجب كيف يكون هذا حال البلد التي تنتج البترول الذي كان أهم صادرات «الاتحاد السوفياتي» وكيف استطاع الشيوعيون أن ينقلوا بترولها دون أن تستفيد البلد التي تنتجه بشيء يذكر من عائداته. وعزا البعض سوء حالة المدينة إلى الانقلاب الذي دبره الروس ضد الحكومة الوطنية والذي فشل بفضل المقاومة الوطنية.

وأضاف البعض أن الحرب التي يشنها الأرمن المسيحيون على تلك الجمهورية الإسلامية بتأييد من بعض الدول الكبرى، لها دور كبير فيما نراه من سوء حال المطار والمدينة.

وكان أول ما زرناه هناك هو مقبرة شهداء تلك الحرب الشرسة وقد اختاروا لها حديقة جميلة في وسط المدينة وزينوها بالأشجار والزهور، فضلًا عن أن كل أسرة لها شهيد تعني عناية خاصة بتجميل القبر وزيارته. 

وتبين أن المسؤولين في الجمهورية يعتبرون زيارة هذه المقبرة أول بند في الزيارات الرسمية والسياحية، كما هو الحال في البلاد التي تعني بقبر الجندي المجهول ويجعلونه رمزًا لذكرى الذين ماتوا في سبيل الوطن.

وفي باكو سعدنا بلقاء صديق قديم يعيش منذ زمن طويل في إحدى دول أوروبا الغربية، وعرفنا أنه جاء عن طريق موسكو.. وقص علينا كثيرًا من مشاهداته في أوروبا الغربية والشرقية، ومغامراته مع شياطين المخابرات التي تعمل في الظلام.. وقال إنه استطاع أن يعرف كثيرًا عنهم وكثيرًا منهم، وإنه أصبح يفهم لغتهم ويتحاور معهم كلما التقى بأحد منهم.

ورغم إصراره على إقناعنا بصحة ما رواه عن مغامراته «الشيطانية»، إلا أن أحدًا منا لم يكن يأخذ قصصه مأخذ الجد.. وقد غاب عنا فترة ثم عاد إلينا متغيرًا واجمًا على غير عادته، فسارعنا إلى الحديث معه لكي نشاركه في همومه ونفتح له الباب للتغلب على ما يقلقه، وطلبنا منه أن يشرح لنا سر هذا الاكتئاب والقلق، فقال:

لقد قرأتم في كتب السيرة والتاريخ عما حدث في فجر الدعوة الإسلامية عندما كان كفار قريش يتحاورون فيما يفعلونه لوقف تيار تلك الدعوة... وقالوا إنه في إحدى هذه المشاورات جاءهم الشيطان في صورة «أعرابي بدوي»، ليشاركهم في حديثهم ويشير عليهم بأحسن الطرق لكي يصدوا الناس عن دعوة التوحيد، ويحولوا دون نشرها واقتناع الناس بها.

وأنا قد اكتشفت منذ زمن بعيد أن في العالم شياطين كثيرة ما زالت تعمل لوقف تيار دعوة الإسلام وتحريض الناس على مقاومتها والتآمر عليها ومحاربتها.. لكنهم في هذا العصر لا يأتون في صورة «أعرابي بدوي» كما كان الأمر في بداية بعثة رسولنا الكريم، وإنما يعملون خبراء ووسطاء لصالح الموساد الإسرائيلية وأمثالها من أجهزة المخابرات التابعة للدول التي تخشى الصحوة الإسلامية وتسعى لوقف تيار النهضة في هذه البلاد بصفة خاصة، وفي جميع بلاد العالم الإسلامي بصفة عامة. 

لقد التقيت اليوم بشيطان «أحمر» في دهاليز إحدى المؤسسات وعرفت منه أشياء كثيرة.. لقد عرفت منه أنهم يعملون بكل الوسائل لإيجاد العوامل التي تفصل هذه الشعوب عن العالم الإسلامي وتعزلها عنه، ومن ناحية أخرى فإنهم يعرفون أنها قاست كثيرًا من الاضطهاد الشيوعي، لذلك فإنها سوف تعزل نفسها إلى حد كبير عن روسيا والشعوب المجاورة لها في الاتحاد السوفياتي سابقًا والصين الشعبية كذلك.. فلا يبقى لها منفذ للخروج من العزلة والاتصال بالعالم الخارجي إلا باب أمريكا وأوروبا.. وقد حصلت الصهيونية العالمية على تفويض رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكون الوكيل المعتمد لسياستها في هذه المنطقة، بل وفي العالم الإسلامي والعالم الثالث بصفة عامة، وذلك بمقتضى تلك الاتفاقية المشهورة التي يسمونها «التعاون الاستراتيجي». 

وتسعى الصهيونية إلى أن تحصل من الدول الأوروبية على تفويض مماثل، باعتبار إسرائيل رأس الجسر للعالم الغربي في آسيا والشرق الأوسط، وهو يؤكد أنها نجحت إلى حد كبير في ذلك ومن علامات نجاحها أنها أقنعت ساسة تركيا بأنها إذا كانت تعتبر نفسها جزءًا من أوروبا وتسعى لكي تكون ضمن المجموعة الأوروبية فإن عليها أن تعترف للصهيونية بهذا التفويض، وأن تتعامل معنا على هذا الأساس طالما أنها لا تريد أن تكون لها سياسة في آسيا الوسطى تتعارض مع الخطط الأمريكية أو الأوروبية التي تعمل لحسابها.

هذا هو السر في أنك تجدنا هنا في كل مكان، وأننا نسعى لكي تكون معنا مفاتيح العلاقات بين هذه الجمهوريات وبين أمريكا وأوروبا، بل وتركيا أيضًا، وكذلك أصدقاء تركيا في العالم العربي والإسلامي الذين يزداد عددهم كل يوم كما ترون وتعرفون.. لقد أصبح لنا مكاتب تجارية وسياحية وقنصليات وسفارات وخطوط جوية لكي نربط هذه البلاد بالعالم الخارجي دون أن تمر بموسكو ولا بالبلاد العربية أو الإسلامية.. إننا نعمل لكي نرث الإمبراطورية السوفياتية في هذه المنطقة.

إن البلاد الإسلامية التي لها حدود مشتركة مع هذه الجمهوريات هي إيران وأفغانستان... وأنت ترى أننا نجحنا إلى حد كبير في شغل هذين البلدين بمشاكلهما الداخلية حتى لا يكون لهما نشاط كبير في هذه الجمهوريات.. إن استراتيجيتنا تهدف أولًا إلى عزل جمهوريات آسيا الوسطى عن إيران وأفغانستان، ومن باب الاحتياط فإننا نعمل أيضًا لعزل إيران وأفغانستان عن العالم الإسلامي كله حتى إذا وجدت بعض العلاقات بينها وبين تلك الجمهوريات الآسيوية فإنها يجب ألا تتجاوز حدود هذين البلدين.. إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي. 

إن تركيا لها علاقات تاريخية بتلك الشعوب، ويمكنها أن تنميها وتطورها، ولكننا نقنع المسئولين في تركيا بأنها لا يجوز لها أن تتجاوز في تلك العلاقات الخط الأحمر الذي ترسمه الخطط الأمريكية والأوروبية التي أصبحنا الوكلاء الوحيدين لها.

انظر لما حدث في أذربيجان.. لقد سمعتم بالأمس من بعض المواطنين هنا أن تركيا بعد أن تقربت إليهم ورشحت أذربيجان لكي تكون أول جمهوريات آسيا الوسطى التي تحظى بعضوية البنك الإسلامي للتنمية، وعضوية منظمة المؤتمر الإسلامي وفي مقابل ذلك أعلنت حكومة أذربيجان أنها ستكتب لغتها بالحروف اللاتينية -مثل تركيا- بعد ذلك قالوا إن تركيا الآن تساعد أرمينيا في حربها ضد أذربيجان بشأن إقليم «لاجور نوكاراباخ»:

إذا سألتني عن صحة هذا الذي سمعتموه فإنني لا أستطيع أن أجيبك ولكني أؤكد لك أن هذا هو ما نسعى إليه ونعمل له.

إن ما نريده هو أن نسعى لإقناع بعض السياسيين في تركيا بأن مهمتهم ومصلحتهم الأولى هي عزل أذربيجان عن إيران المجاورة لها وهناك شركاء لي يعملون لهذا الغرض ويعملون أيضًا لعزل أذربيجان حتى عن تركيا أيضًا وما سمعتموه إن لم يكن صحيحًا فهو دعاية نروجها لهذا الغرض..

نحن نريد أن تقتنع أذربيجان بأنها لن تجد لها صديقًا سوانا.. ولذلك فإنه عندما دبرت روسيا انقلابًا ضد حكام أذربيجان الوطنيين كانت إسرائيل أول دولة احتجت على ذلك وطالبت روسيا بعدم التدخل.

إن من مصلحتنا أن نعزل هذه البلاد عن روسيا من الشمال، وأن نعزلها عن جيرانها في الجنوب والغرب ونوالي إشعال الحرب بينها وبين أرمينيا النصرانية من ناحية، ونسعى لإشعال حرب بينها وبين إيران الإسلامية من ناحية أخرى.

إن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا لصالحنا، ونعمل لكي تستمر أطول مدة ممكنة حتى تعجز أذربيجان عن مواصلتها دون مساعدة من الخارج، ولن نسمح لأي جهة إسلامية أو عربية أن تقدم هذه المساعدات.. حتى نكون نحن الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تنقذها وتأخذ مقابل ذلك ما تطلبه.

وهذا هو السبب فيما يقال من أن تركيا لا تساعد أذربيجان وأنها تساعد أرمينيا عدوتها، وهذا القول لنا مصلحة في ترويجه وإشاعته حتى ولو لم يكن صحيحًا والذين يرددونه يقصدون أنهم كانوا يتوقعون من تركيا أكثر مما فعلت.. وهم لا يعرفون أن تركيا لا تستطيع أن تتجاوز حدودًا معينة في علاقاتها معهم وأن أمريكا هي التي تضع هذه الحدود ونحن وكلاء أمريكا في هذه المنطقة!

كان أول ما فعلته حكومة أذربيجان للتقارب مع تركيا هو إعلان كتابة لغتها الوطنية بالحروف اللاتينية بدلًا من الحروف العربية التي تقربها من إيران ومن العالم العربي والتي كانت تستعمل طوال عصور التاريخ الإسلامي.. إن ذلك سوف يفصلها عن تاريخها الإسلامي، كما حدث في تركيا منذ أن فرض عليها هذا الاتجاه في عهد أتاتورك.. إن مصلحتنا في ذلك أكيدة لأن الخط العربي الذي كانت تكتب به لغة أذربيجان من قبل هو الخط الفارسي الذي يستعمله الإيرانيون، ونحن لا نريد أن تكون لأذربيجان علاقة وثيقة بإيران، إذا كانت تركياقد شجعت أذربيجان على ذلك بحجة أنه في صالحها فهي تعلم أيضًا أنه لصالحنا ونحن أيضًا نعلم ذلك بل نسعى لدى تركيا لكي تدفع حكومات هذه الجمهوريات لكي تعلن التزامها بالاتجاه العلماني الذي بدأه أتاتورك ولنا مصلحة في أن تتجه حكومات العالم الإسلامي كلها نحو هذا الهدف.. 

لذلك فإن أصدقاءنا يسعون لدى كثير من الدول العربية لكي تؤيد سياسة تركيا في أذربيجان خاصة وآسيا الوسطى عموما أو على الأقل لا تنتقدها ولا تعارضها رغم أنها تؤدي عملًا إلى قطع الصلة بينها وبين الثقافة العربية والإسلامية التي تربطها بالعرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم.. ونحن نسعى لكي تمر هذه المبادرة الأذربيجانية دون اعتراض أو انتقاد من جانب العرب.. لأن هذا سيكون بداية لا بد أن تتبعها خطوات أخرى في هذه البلاد وفي غيرها من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية.. لإبعادها عن العالم الإسلامي وعن الإسلام ذاته.. وإفساح تركيا المجال لإقامة علاقات وثيقة بينها وبيننا. 

إذا كان العرب أو الأتراك يريدون أن سياسية بتلك الجمهوريات فمن مصلحتهم ألا يتجازوا الحدود التي تسير فيها الخطط الأوروبية والأمريكية التي نحن وكلاء لها ومعبرين عنها... وسيكون ذلك أسهل إذا أدت محادثات السلام بيننا وبينكم إلى تعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية.. ولذلك فإننا حريصون على استمرار محادثات السلام بين إسرائيل والعرب لأن مجرد وجود هذه المحادثات واستمرارها هو سلام فعلي وواقعي واعتراف متبادل يفتح الباب لكي نحصل من العرب على تفويض بالوكالة عنهم في هذه المنطقة مثل التفويض الذي حصلنا عليه من الأمريكيين والأوروبيين.. إننا نعتقد أننا أقدر الناس على التعاون مع تلك الشعوب والتعامل معها.. لأن في إسرائيل الآن نسبة كبيرة من المهاجرين اليهود الذين جاءوا من الاتحاد السوفياتي ومن هذه المنطقة بالذات - وهم لن يقطعوا علاقاتهم بالبلاد التي عاشوا فيها من قبل، وسوف نستفيد منهم في كل مشروعاتنا الاقتصادية وخططنا السياسية في آسيا الوسطى لكي نحل محل الاتحاد السوفياتي في هذه المنطقة.

إن استمرار مفاوضات السلام هو في ذاته اعتراف من الدول العربية بإسرائيل وبحقها في البقاء في أن تتخذ ما يلزم لحفظ أمنها - وكل تفعله اسرائيل ضد العرب هو في نظرنا ضروري لأمنها - وهي التي تقرر ما يلزم لبقائها بما في ذلك طرد العرب من فلسطين أو إبادتهم، أو احتلال أجزاء من البلاد العربية المجاورة. بل وضرب مواقع معينة في البلاد مثل باكستان الإسلامية البعيدة عنها أيضًا وإيران.

قال صاحبنا: إنه اعترض على ذلك قائلًا: إننا نحن أيضًا لنا الحق في الدفاع عن أمننا وأوطاننا – فقال: نعم وأنتم أيضًا لكم هذا الحق والفرق الوحيد هو أننا نملك القوة التي نستطيع بها أن نفعل ما نريد، ولهذا فإن أول شرط في التعاون الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل هو ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة - وصداقة أمريكا للعرب لا تمنعها من إعلان التزامها بذلك وتكراره.. وفضلًا عن ذلك فإن عندنا الإذن من الدول الكبرى ومن النظام العالمي «الجديد» بأن نفعل ما نريد دون أي اعتراض أما أنتم فليس عندكم قوة تضربون بها.. وليس لديكم الإذن من النظام العالمي لكي تدافعوا عن أنفسكم.. وأنت ترى ما يجري في البوسنة والهرسك.. وليس هذا إلا بداية!

أضاف صاحبنا أن محدثه راغب في لقائنا فاعترضنا جميعًا وقلنا له إننا لا نجد فائدة من الحوار مع هؤلاء «الشياطين».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

49

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 14

32

الثلاثاء 16-يونيو-1970