العنوان سيرة عالم في كتاب
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
مشاهدات 22
نشر في العدد 502
نشر في الصفحة 11
الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
وصلنا كتاب عن «حياة الداعية الإسلامي: عبد الرحمن بن محمد الدوسري رحمه الله»، بقلم تلميذه: أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله الحسين.
والذين لا يعرفون الشيخ الدوسري يستطيعون من الاطلاع على هذا الكتاب معرفة شيء عنه وعن أعماله وأقواله، فقد كان -رحمه الله- يؤثر قول الحق ويدعو له وينبه دائمًا إلى أهمية العلم والفقه ونشر العلوم الشرعية وكان يدعو إلى الأخذ بالشريعة الغراء وتطبيقها في كل مجال، وكان يلح كثيرًا على مسؤولية العلماء والمشايخ فيقول: «أوجب الواجب على علماء المسلمين أن يبثوا الوعي الديني الصحيح في طبقات الأمة ويلهبوا حماس شبابها وأثريائها بتأسيس جميع ما يكفل عودة القيادة الفكرية إليهم، فإذا نجحوا في التربية الروحية وحازوا القيادة الفكرية التي انتزعها أعداؤهم وهم سادرون، كانوا جديرين بالحياة الصحيحة»..
ومن مواقفه المشرفة معارضته للتهريج الذي تسبب في نكسة عام 1967م في الوقت الذي كان كثيرون يجرون لاهثين وراء كلمات الرئيس العربي «الملهم» وبين أن هؤلاء لا ينصرون حقًا ولا يجاهدون في سبيل الله وإنما يريدون تنفيذ خطط أسيادهم وإقرار الكيان الصهيوني، وقد اتضحت الأمور بعد ذلك فكانت كما قال فضاعت الضفة والقدس وسيناء والجولان، ولم تخسر نظم طواغيت القومية العربية الكرسي والتسلط.
وكذلك وقف موقف المعارضة مع مجموعة من شيوخ الكويت في وجه القانون الجزائي الوضعي الذي نقله «السنهوري» عن القانون الفرنسي وقدمه بضاعة خبيثة لتحل محل العمل بالشريعة ونشر في الجريدة الرسمية عام 1960م.
وهاجر الشيخ رحمه الله من الكويت التي تربى وعاش فيها أكثر شبابه إلى المملكة العربية السعودية عام 1381هـ وسكن الرياض. واستمر في نشاطه في التعليم والتدريس والوعظ والنصح والمجاهرة بالحق، وكان يجيب عن أسئلة القراء في الصحف ويكتب إليهم ويوزع النشرات والكتب من ماله الخاص، وانتقد كتب وزارة التربية مرة في المسجد وكان الملك فيصل رحمه الله حاضرًا فشكر الشيخ لنصحه وأمر وزير التربية بتأليف لجنة لإعادة النظر في جميع المناهج التربوية والكتب المدرسية.
وكان الشيخ يدعو إلى الاهتمام بالفقه ومزجه بالحديث ولا يقر بعض من يدعون علم الحديث في التهجم على الفقه والفقهاء، وهذا يدل على مدى أدبه وعلمه بالحديث والفقه لأنهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر إلا عند الجهلة والمتعصبين.
وإليك قارئي العزيز مثالًا من كتاباته الدينية السياسية، كتب -رحمه الله- في مجلة «الدعوة» السعودية عدد «43» تحت عنوان: «انتبهوا يا ذوي العواطف والتصفيق»:
بعض الأقلام التي طلعت علينا في حوادث «الكنغو» تبكي وتتباكى على الشيوعي الهالك «لومومبا»، وتتطاول على وحي الله فتصفه شهيدًا، بينما تخفي وتتعامى عن نكبة المسلمين في «الزنجبار» وفي الهند ثم عن نكبتهم بقتل الشهيد الصحيح «أحمد وبيلو» وزميله «أبو بكر»، والإطاحة بحكومته التي هي أقوى سند للمسلمين من جهة وحصن منيع ضد الصهاينة من جهة أخرى.
وقد أوضحت سابقًا أن لقب «الشهادة» لا يجوز أن يوصف به إلا المجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وأما من قاتل لعصبية أو وطنية أو غاية مادية مهما كانت، فهو في سبيل الشيطان، ولا يجوز تسميته شهيدًا حتى ولو كان مسلمًا، رحم الله الشيخ الدوسري رحمة واسعة.
ولجيهان اجتهادات أيضًا
كانت زوجة رئيس مصر قد أدلت بحديث لمجلة «ماري كليير» الفرنسية المهتمة بشؤون المنزل والمرأة، وقد قالت جيهان السادات بعد أن نوهت بأن أمها إنجليزية الأصل ردًا على سؤال لها حول الحجاب: «إنني ضد الحجاب، لأن البنات المحجبات يخفن الأطفال بمنظرهن الشاذ.. وقد قررت بصفتي مدرسة بالجامعة أن أطرد أي طالبة محجبة من محاضرتي فسوف آخذها من يدها وأقول لها مكانك الخارج.. وفي نظري، فإن المسؤولية تقع على عاتق أساتذة الجامعات، فهم سبب انتشار تلك الظاهرة، فإذا قام أستاذ بطرد فتاة واحدة من محاضراته مرة واثنتين، فسوف تقلع الفتيات عن ارتداء الحجاب».
وقالت إن الحجاب مسألة تفصيلية بعيدة عن جوهر الإسلام وعن مبادئه الأساسية ولم تكتف جيهان بذلك بل حملت على عقوبة الزنى الشرعية وقالت: إن هذا موضوع يحتاج إلى مناقشات كثيرة. وإذا كان هنالك بعض الأعضاء في مجلس الشعب المصري يفكرون في فرض هذه العقوبة، فإن مشروع القانون هذا سوف يبوء بالفشل..
وعندما سئلت عما إذا كانت فكرت في اللحظة التي يترك فيها زوجها الحكم، فقالت: «بالطبع فكرت في هذه اللحظة، ولهذا أعمل ليل نهار حتى أحقق للمرأة المصرية بعض حقوقها، وكان أبرز ما أنجزته هو صدور قانون الأحوال الشخصية الجديد.» ثم قالت: «إنني دائمًا أعاكس الرئيس في طلباتي للمرأة، ولكنه يجيب بقوله: «إن هذه ليست هي اللحظة المناسبة. ولكنني أعود وألح عليه في طلباتي من أجل المرأة»..
وهكذا لم يكف الشعب المصري بلاؤه برئيسه صاحب الاجتهادات المصلحية، ولا بمستشاره التهامي بل يكتمل الكاريكاتير الحاكم في مصر بزوجة الرئيس التي توقفت عن الدراسة وهي في الثامنة من عمرها، ثم عادت إليها وهي في الأربعين، وصارت بسرعة صاروخية مدرسة مساعدة بكلية آداب القاهرة، ومنحت نفسها منزلة الاجتهاد كشيوخ الأزهر فصارت تذم هذا من أحكام الإسلام وتحذف ذاك وتشرع وتهدد وتفسر الدين على هواها.
وهذا مثل واضح من أمثلة الانحطاط الفكري والأدبي، إذن ما قيمة جيهان هذه من الناحية العلمية والفكرية، وهل كان لآرائها أن تنتشر على صفحات المجلات وفي الحرم الجامعي لولا أن ظروفًا معينة معروفة جعلت من زوجها «الحاكم بأمره» الجديد في مصر.
ولئن كان للحاكم الفاطمي في مصر اجتهادات خنفشارية في عهده ووجد من يؤلهه إلا أن غالبية الشعب المصري حينذاك سخر منه ورفضه، حتى أن أخته قتلته فيما بعد، فما بال «الحاكم الساداتي» في مصر يتيح المجال لأمثال زوجته للتصدر للاجتهاد بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. وهو الذي ادعى أنه يقيم دولة العلم والإيمان، فهل الإيمان يقول بأن الحجاب مسألة بعيدة عن جوهر الإسلام وهل العلم يقول إن المدرسة المحجبة تخوف الأطفال وهل العلم والإيمان يحرم ما أحل الله ويحل ما حرمه ويبطل أحكامه، لا شك أن العلم والإيمان لا علاقة لهما ألبتة بمؤسسة «السادات وشركاه»، وإنما الدجل والنفاق هما رائدا تلك المؤسسة التي مدت يدها لليهود دون حياء أو خجل كما مدتها من قبل لكل عميل بغيض.. ولذلك لا غرابة أن يتطاول أصحابها على الدين وأحكامه وعلى الشريعة أيضًا.. ولكن أين الشعب المصري من بطانة «الحاكم» الجديد..