; الإسلام.. المنهج الأمثل للحياة الأدبية المثلى | مجلة المجتمع

العنوان الإسلام.. المنهج الأمثل للحياة الأدبية المثلى

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يونيو-1975

مشاهدات 25

نشر في العدد 253

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 10-يونيو-1975

الإسلام المنهج الأمثل للحياة الأدبية المثلى

إن الحكم على الإسلام بالمثالية، يصدره العالم المسلم بحكم علمه وعقيدته، كما يصدره غيره لنفاذ بصيرته، إذا كان ممن أتيحت لهم فرصة الاطلاع على مصادره، وأوتوا مقدرة على الدراسة المقارنة للمذاهب والأديان.

ولكن الجاهل من المسلمين، والمغرض من المستشرقين في عمى عن  شمولية الإسلام ومثاليته، ذلك حجبه جهله فصار رهين محبسه، وهذا صده غرضه فحول ناظريه عن كشف محاسن الإسلام، إلى كشف مساوئ أهله الذين وصفوا به في كتب التاريخ، وأبعده حكامهم عن الهيمنة على واقعات الحياة إلا قليلًا منهم. لذا ضاع الواقع الإسلامي، للتضامن الفعال بين جهل أبنائه وقوة أعدائه. ولو أني نصبت قاضيًا للفصل بين المتقاضيين -الإسلام وأهل الإسلام- لحكمت بالإدانة على أكثرية المسلمين يمثلهم متهمون ثلاثة: عالم يحجم عن قول الحق، وحاكم لا يحب أن يسمعها، وإن سمعها تجاهلها، وجاهل يكتفي من الإسلام بالشهادتين، ومظاهر شكلية للعبادة يشعر صاحبها بأن هناك فصلًا بين شؤون الدين وشؤون الحياة، فهو في الأولى يمشي في ضوابط وقيود ولكنه في الثانية ينطلق بلا حدود كأنه يقول بلسان حاله أن لم يقل بلسان مقاله: «الدين لله ووفق نصوصه نعتقد ونعبد والدنيا لنا وحسب هوانا نصرفها ونسير».

إن الإنسان -من حيث هو إنسان- في حاجة لعقيدة تملؤ شعاب النفس، بأنوار اليقين الذي يفضى بها إلى مروج الطمأنينة وساح النعيم لا بظلمات الشك الذي ينتهي بها إلى هاوية القلق ومهاد العذاب.

وللإسلام عقيدته التي تشبع ذلك النهم . عقيدة تقوم على وجود الخالق

تبارك وتعالى، وأفراده بالعبادة؛ فالمسلم حين يقرأ الذكر الحكيم بشيء من التدبر وأنعام النظر يجد ربه يخاطبه بمثل قوله: ﴿رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (مريم: 65).

فأين عبادة الخالق العليم التي يمارسها المسلمون، من عبادة الحيوان البهيم، التي يمارسها قطاع من البشر يعد بالملايين؟ أو عبادة الإشراك مع الله آلهة أخرى، التي يزاولها بعض أهل الديانات؟ إن عقيدة الإسلام عقيدة تكرم الإنسان، لأنها تعلمه أن ينكر ألوهية ما سوى الله، وأن العبادة في الإسلام ترفع من قدر العابد، لأنه ينهى معتنقيه أن تنخفض جباههم لغير الله.

فالإسلام من حيث عقيدته في الذروة، ومن حيث عبادته في القمة، لأنهما تدوران حول الله خالق الإنسان في حين أن عقائد وعبادات في ديانات أخرى تدور حول الإنسان، أو حيوان، أو جماد، ويكفي المسلم في مقام الاحتجاج على صحة عقيدته، وفساد عقيدة من يؤلِّه سوى الله أن يردد ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ (الصافات: 125)، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 71).

والقواعد التي يقوم عليها التعامل بين الإنسان والإنسان، أو بين الإنسان والحيوان لا تقل عن أسس العقيدة سموًّا وصحة ذلك أن أي علاقة بين طرفين محكومين في الإسلام بالخير والعدل مطلوبين، والشر والظلم مرفوضين، وأي توجيه نحو الخير أقوى من النص القرآني القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج: 77).

حيث قرن الله تعالى فعل الخير بالعبادة، وذكره عقبها إشارة إلى أن فعل الخير صنو العبادة، ما دام فاعل الخير قد فعله ابتغاء وجه الله. 

وأي تبغيض لفعل الشر أقوى من التوجيه الإلهي في القرآن من نحو قوله: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 8). 

وهل عرفت الشرائع حضًّا على العدل أقوى مما حوى القرآن ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90)، فالذين يدركون دقائق البيان العربي يعرفون قوة هذا الطلب المصدر بأداة التوكيد «إن» المتلوَّة باسم الجلالة «الله».

وهل هناك تحذير وتخويف من الظلم أوضح دلالة من قوله تعالى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ (الزخرف: 65).

ووفق هذه المبادئ الأربعة: «عدل وخير مأمور بهما، وظلم وشر منهي عنهما» يوجد المجتمع الفاضل الذي بحث عنه الفلاسفة الأولون قبل الإسلام، ولكنهم لم يكونوا يتصورونه على النحو الذي جاء به الإسلام.

وإنَّ المرء ليتساءل عن الأسباب والمعوقات التي تصد أكثر المجتمعات الإسلامية الآن من إخضاع حياتها كلها، بجميع صور نشاطها إلى الإسلام، هناك - بلا شك - عوامل نشأت من داخل الشعوب المسلمة، وعوامل أخرى خارجية، وليس بمستعصٍ على المسلمين - حكامهم وذوي الرأي منهم والفقه في دين الله- أن يتوبوا إلى الله بعد شرود، وأن يُحكِّموا الله ورسوله في شؤون حياتهم بعد أن حيل بينهم وبين ذلك قرونًا وعقودًا من الزمان، ولئن كان للاحتلال الأجنبي ضلع في ذلك الفصل بين الدين والدنيا في الأقطار الإسلامية التي نكبت به، فإنه الآن قد رحل من بلاد العرب والمسلمين كافة، باستثناء ربيبته «إسرائيل»، ولقد آن الأوان أن نجري عملية حصر للأسباب التي حالت ولا تزال تحول بين الإسلام وواقع الحياة في أقطار الغالبية العظمى من المسلمين، ولقد قامت هيئات عديدة تحت أسماء شتى، وعقدت مؤتمرات كثيرة، وكتبت وتليت بها بحوث، واتخذت قرارات في شؤون «الإسلام وتطبيقه في شؤون المسلمين كافة»، ولكن بحوث العلماء وقرارات مؤتمراتهم ذهبت أدراج الرياح وأن من الظواهر السياسية في عصرنا الحاضر «مؤتمرات القمة»، فلنجرب عقد مؤتمر قمة لملوك ورؤساء وحكام البلاد الإسلامية، على أن تتولى الدعوة له إحدى الدول الإسلامية، وإسهامًا مني في اتخاذ الخطى لبلوغ ذلك الهدف أرى أن تشكل الدولة التي ترى أن تتبنى المشروع لجنة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ومن الرابطة الإسلامية بمكة إلى جانب عدد من العلماء الآخرين، وتطلب من هذه اللجنة وضع جدول الأعمال لمؤتمر القمة الإسلامية بحيث يتضمن محاولة الإجابة على الأسئلة التالية :-

١- ما هي مظاهر التنافر بين الإسلام والواقع الاجتماعي في البلاد الإسلامية؟

٢ - كيف السبيل إلى أن تحل الشريعة الإسلامية محل القوانين الوضعية في البلاد التي لا تزال تطبق قوانين غير إسلامية؟

٣ ـ كيف السبيل إلى صبغ المناهج التربوية في المدارس والمعاهد والجامعات بالصبغة الإسلامية بحيث تؤدي تلك المناهج إلى تنشئة أجيال تتصور الإسلام تصورًا حسنًا، وتمتثل توجيهاته وتعتز به.

إن مجلة «المجتمع» من أبرز وأقوى المجلات الرافعة للواء الإسلام، فلعلها أن تعمل على إبراز هذه الفكرة، والتنويه بها، والدعوة إليها، وما النصر إلا من عند الله.

الرابط المختصر :