العنوان قضايا عربية.. ماذا جرى في المباحثات الفلسطينية الأردنية؟
الكاتب جمال الراشد
تاريخ النشر الثلاثاء 13-مارس-1984
مشاهدات 24
نشر في العدد 662
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 13-مارس-1984
• هل أمكن التوفيق بين مشروع فاس ومبادرتي بريجينيف وريغان؟
• هل أفلت عرفات من الحصار السياسي بعد أن أفلت من الحصار العسكري؟
• عودة فلسطين مرهونة بعودتنا للعقيدة وعودة العقيدة.
• مشروع روسي أقرب إلى الحكم الذاتي وأقل من دولة فلسطينية.
ليس سهلًا معرفة ما دار بالضبط في اجتماعات حسين - عرفات الأخيرة في عمان وخاصة الاجتماعين المغلقين، وليس من مهمة الصحفي كشف الأسرار بمقدار ما هي نقل الأخبار وتحليلها.
جاء في البيان المشترك الذي صدر في عمان في مطلع شهر مارس الحالي حول المباحثات الأردنية الفلسطينية: «تابع الجانبان الأردني برئاسة السيد أحمد عبيدات رئيس الوزراء، والفلسطيني برئاسة السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بحثهما في العلاقات المشتركة وإعادة التأكيد على العلاقة الخاصة والمميزة التي تربط الشعبين الشقيقين ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.
وهذا يعني أن المباحثات الحالية هي امتداد للمباحثات السابقة التي جرت في العام الماضي بعد الخروج من بيروت، ومع بوادر الحشود السورية الإسرائيلية التي قطع عرفات مباحثاته مع حسين لاعتقاد الكثيرين في منظمة التحرير آنئذ أن تلك الحشود ستتمخض لا بد أن يشاركوا في تلك الحرب وعلى ضوء نتائج تلك الحرب يمكن أن يتقرر مصير المباحثات الفلسطينية الأردنية.
وقامت الحرب، ولكن ليس بين سوريا وإسرائيل بل الحرب المعروفة في البقاع وشمال لبنان ثم الحصار الرهيب لعرفات وقواته في طرابلس ثم الخروج الكلي والنهائي من لبنان وما أعقب ذلك من زيارة عرفات لمصر والضجة التي أثيرت حول هذه الزيارة.
وعادت المباحثات مرة أخرى بين الأردنيين والفلسطينيين، ومثلما كان هناك تهديد في دمشق في المباحثات الأولى تحذر من نتيجة هذه المباحثات وتنذر بإحداث انقسام -انشقاق- في منظمة التحرير خرجت التهديدات من دمشق هذه المرة أيضًا تحذر عرفات من الاتفاق مع الأردن.
وفي نفس الوقت وصل إلى عمان وفد قيل إنه يضم أربعين عضوًا من «الأهل» في الضفة والقطاع، وقدم لكل من الملك حسين وعرفات مذكرة موقعة من مئات الأشخاص في الأرض المحتلة تحث الأردن ومنظمة التحرير على التنسيق والتعاون بينهما لاستعادة الأراضي المحتلة والحقوق الفلسطينية من خلال برنامج واضح ومحدد، وذلك لأن «الاحتلال الإسرائيلي يعمل حثيثًا على تغيير معالم المناطق المحتلة وطمس معالم الأرض وهويتها الأصلية، وإن مقدساتنا في مدننا وقرانا ومؤسساتنا العامة والخاصة أصبحت رهنًا بنزوات السلطات المحتلة، وإن إرادتنا في تطويرات مجتمعنا أصبحت مقيدة بمشيئة السلطات المحتلة، وإن مجتمعنا أصبح مهددًا بانهيار حضاري وفقدان معالمه الأصلية وأن مستقبلنا أصبح مهددًا بالزوال والضياع ...».
الأطراف الضاغطة
إذًا، كان هناك جانبان يضغطان على المباحثات الأردنية الفلسطينية، جانب المنظمات الموجودة في دمشق والتي تحذر من الاتفاق الذي تعتبره «استسلامًا لمخطط إمبريالي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية» وجانب الأهل في الأرض المحتلة الذين يصرخون «انقذونا وانقذوا الأرض معنا وإلا فقد فقدتمونا وفقدتم الأرض معنا».
وليس سهلًا تجاهل أي طرف من طرفي الضغط، وليس سهلًا إرضاء الطرفين معًا، فالطرف الدمشقي قاتل عرفات وأخرجه من لبنان، وطرف الأهل في الأرض المحتلة وصلت بهم المعاناة حدًا لا يقوى على احتماله إلا الصابرون.
الطرف الدمشقي -ودون أي اعتبار آخر- يملك الحق في التخوف من المخططات الأمريكية، وطرف الأهل في الأرض المحتلة -ودون أي اعتبار آخر- يملكون الحق في التخوف من المخططات الإسرائيلية، وكلا النوعين من المخططات الأمريكية والإسرائيلية هي في النهاية مخططات واحدة وهي طمس معالم القضية الفلسطينية والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة.
غير أن الطرف الدمشقي لا يملك القدرة -وربما لا يملك النية- على الحسم العسكري لصالح استرداد فلسطين، كل فلسطين، من براثن الاحتلال اليهودي وإلغاء أسطورة «إسرائيل» إلى الأبد، كما أن الطرف الفلسطيني- الأردني «أعني ... حسين عرفات» لا يملك القدرة على الحسم السياسي لصالح استرداد الضفة والقطاع دون عقد صلح نهائي مع إسرائيل، وحتى مع هذا الصلح إن وافقت عليه إسرائيل فليس هناك ما يضمن الحصول على «الأرض مقابل السلام» كما يقول الملك حسين، ذلك أن أمريكا وهي عرابة اتفاقيات كامب ديفيد والاتفاقية اللبنانية الإسرائيلية لم تستطع -وربما لم ترد- ضمان تنفيذ تلك الاتفاقيات نصًا وروحًا، كما أن أمريكا وإسرائيل على استعداد للتخلي عن تلك الاتفاقيات أو العمل على إلغائها متى وجدت في ذلك مصلحة لها، أو على الأقل تفسير نصوصها الغامضة بما يتلاءم مع مصالحها الثابتة أو المتغيرة.
ولهذا نجد البيان الأردني الفلسطيني غير حاسم فيما يتعلق بالخروج بنهج واضح المعالم محدد الخطوات وهو في نفس الوقت يحاول أن يتجنب إثارة مزيد من المشاكل والمصادمات دون مقابل في حين يركز على الاهتمام بالأهل في الأرض المحتلة، يقول البيان: «اتفق الجانبان على عدد من الترتيبات والإجراءات لتخفيف معاناة شعبنا في الأرض المحتلة وخارجها كما اتفقا على سبل التحرك لمواجهتها وقررا أن تستمر اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم الصمود اجتماعاتها وتكليف وفد خاص مشترك منها للقيام بجولة على الدول العربية لبحث موضوع الالتزامات العربية المتعلقة بصندوق دعم الصمود في الأرض المحتلة.
- مهمة قدومي في دمشق
ولعل قيادة فتح التي تحب دائمًا أن تمسك العصا من الوسط والتي تحاول دائمًا الإبقاء على شعرة معاوية مع أي طرف عربي أو دولي رغم كل الظروف أرسلت وفدًا إلى دمشق برئاسة فاروق قدومي قبل وصول عرفات للأردن ومن المعروف أن قدومي مقبول دمشقيًا، وقد التقى بعبد الحليم خدام وطلب منه إعادة فتح الباب السوري أمام الفلسطينيين واقترح أن يتم لقاء بين أسد وعرفات يتم فيه الاتفاق على كل شيء وأبلغه: «قرار اللجنة المركزية لحركة فتح بالتوقيع على بياض على المطالب السورية شرط أن يسبق ذلك لقاء بين عرفات والأسد»، ولكن خدام الذي عرف عنه الرد العنيف دائمًا قال لقدومي: «عندما تسمع بأن حافظ الأسد قام بزيارة للقاهرة وقابل حسني مبارك ووافق على كامب ديفيد، عندها تعال نرتب سويًا لقاء بين الأسد وأبي عمار».
وإذا كانت اللجنة المركزية لحركة فتح تتشكل من 11 عضوًا فإن هنالك ستة من أعضائها قيل إنهم يعارضون زيارة عرفات للأردن وربما كانوا هم الدافع لزيارة قدومي لدمشق وهم: صلاح خلف وفاروق قدومي ورفيق النتشة وهايل عبد الحميد وأديب الزعنون وأبو ماهر.
وأما خليل الوزير الذي مهد للقاء الأردني الفلسطيني فهو لم يحضر مباحثات حسين عرفات حتى يستطيع القيام بدور توفيقي في اجتماعات اللجنة المركزية لحركة فتح وحتى يحفظ خط الرجعة مع السوريين فيما لو قرروا إعادة الاتصال مع قيادة فتح.
ولعل فشل مهمة قدومي في دمشق كانت حافزًا لعرفات ليقول: «نحن لا نستطيع إلا التفاهم مع الأردن ولا نستطيع أن نبقى هكذا ممزقين» وربما كان عرفات يحاول الخروج من الحصار السياسي الذي فرضه عليه الطرف الدمشقي بعد أن أفلت من الحصار العسكري في طرابلس، ولقد وجد في لقائه مع مبارك وفي قرار المؤتمر الإسلامي بشرعيته وفي لقائه مع الملك حسين وكذلك مع الرئيس صدام وفي تأييد عدد من دول الخليج له مخارج من هذا الحصار السياسي.
- الخلاف... على ماذا؟
يبقى أن نتساءل: علام الخلاف بين الطرف الدمشقي والطرف العرفاتي إن جاز التعبير؟ إن كان هناك طرف مع التحرير وآخر مع التفريط فنحن مع التحرير وإن كان هناك طرف مع الجهاد وآخر مع الاستسلام فنحن مع الجهاد! وإن كان هناك طرف مع الروس وطرف مع الأمريكان فنحن مع الله وليس مع أي من الطرفين.
ولكن: ماذا يريد الروس؟ وماذا يريد الأمريكان؟
الروس كانوا يطالبون بعقد مؤتمر لحل «مشكلة الشرق الأوسط» في جنيف يشارك فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بالإضافة إلى الروس والأمريكان وكافة الأطراف المعنية من أجل قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع بعد انسحاب إسرائيل منهما واعتراف متبادل بين إسرائيل وهذه الدولة وبين إسرائيل وكافة الدول العربية.
والأمريكان طرحوا مشروع ريغان الذي ينص على انسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع وضمهما إلى الأردن والاعتراف المتبادل بين إسرائيل وكافة البلدان العربية.
فما هو الموقف العربي العام؟ الموقف العربي عمومًا يتمثل في مشروع قمة فاس الذي يتضمن انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م وإنشاء دولة فلسطينية في الضفة والقطاع عاصمتها القدس وتحقيق الأمن والسلام لجميع دول المنطقة وضمان حدودها وهذا يتضمن اعترافًا ضمنيًا بين الدول العربية وإسرائيل، ومن المعروف أن دمشق وقعت على هذا المشروع.
فعلام الخلاف إذًا؟ هل هنالك طرف يرفض مبدأ وجود إسرائيل أصلًا؟ ويعمل من أجل زوال هذا الوجود بلم شمل هذه الأمة على الجهاد من أجل تحرير فلسطين؟ إن كان هناك طرف من هذا النوع فنحن معه! وليس مهمًا بعد ذلك أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة أم دولة متحدة مع الأردن كونفدراليًا أو تشكل فلسطين مع الأردن اتحادًا فدراليًا أو تعود فلسطين «سوريا الجنوبية» ... كل ذلك لا يعني الفلسطيني المسلم ما دام نداء «الله أكبر» يرتفع في سماء فلسطين المطهرة من دنس اليهود، وما دام شرع الله هو الذي يسود.
- مشروع خالد الحسن
أما محاولة التوفيق بين مشروع فاس العربي ومبادرة ريغان الأمريكية ومبادرة بريجينيف الواردة في تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي عام 1981م، محاولة التوفيق هذه والتي تتلخص في «المطالبة بحق تقرير المصير تجري بموجبه انتخابات حرة يقرر فيها الشعب الفلسطيني مصيره بما في ذلك علاقاته مع الأردن» هذا النص التوفيقي الذي قيل إن خالد الحسن قد اقترحه والذي يتخلى فيه عن المطالبة بقيام دولة فلسطينية وهو ما ترفضه أمريكا، ويتفق مع الموقف الروسي الحالي الذي أبلغته للأردن مؤخرًا -كما قيل- والذي هو «أقرب إلى الحكم الذاتي وأقل من دولة فلسطينية» ...
أما إسرائيل التي لا يهمها إلا الأرض وليس يعنيها بعد ذلك إلى أي جنسية ينتمي الفلسطينيون فلن تنسحب من الضفة والقطاع دون قيد أو شرط، ودون أن ترغم على ذلك، ودون أن يكون الثمن باهظًا، فمن يرغمها على ذلك؟ وما هو الثمن؟
وأخيرًا نقول: سواء توصلت الأطراف المعنية إلى حل مع إسرائيل أو لم تتوصل فإن الشيء الذي نؤمن به هو أن إسرائيل موجودة لأن عقيدتنا الإسلامية معطلة وزوال إسرائيل مرهون بعودة هذه العقيدة إلينا وعودتنا إليها، وما لم يتم ذلك فسنظل نحرث في البحر ونقبض الريح ونحصد الهشيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.