العنوان صفحات حرة "98"
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مايو-1972
مشاهدات 19
نشر في العدد 98
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 02-مايو-1972
نعم.. يا دكتور عبد العزيز.. من العقيدة يبدأ التغيير الحقيقي وإلى جانب البداية الأساسية.. هناك «الأسلوب» الحكيم
القطار الذي ينزلق عن خطه الحديدي وينحرف إلى خط آخر غريب لا يمكن في النهاية أن يصل إلى المدينة التي أرادها في البداية مهما حاولنا أن نصلح من عجلات العربات أو أبوابها أو حتى ما يطرأ على المحرك من عطب أو تلف لأن الخطر الحقيقي الذي يُهدد القطار هو سيره أساسًا في طريق خاطئ لا خلخلة عرباته أو تلف محركاته أو سوء تهويته، ولا بد لحمله على الجادة السوية من تغيير اتجاهه أصلًا ووضعه على الطريق السليم ثم يكون بعد ذلك إصلاح عرباته أو محركاته أمرًا سهلًا.
هذا ما خطر لي حين قرأت كلمة الدكتور عبد العزيز سعيد من إسكتلندا في عدد «المجتمع» - ٩٧ - تحت عنوان «في القلب يبدأ التغيير الحقيقي» لقد وضع الدكتور عبد العزيز يده على حقائق طالما غفلنا عنها أو تغافلنا.. إذ إن أمتنا خلال هذه القرون الطويلة تلقت من الضربات تلو الضربات ما جعلها فاقدة الوعي خاوية الدماغ بحيث أصبح من السهل على أعدائها غسل مخها وزرع ما يريدون فيه من فلسفات وعقائد أو على الأقل تركه خاويًا ذاهلًا يسهل إغواؤه وإغراقه في الطين والأوحال.
إننا إذًا أمام أمراض أخطر بكثير من مجرد ظواهر سلوكية إنها أمراض تجر أمتنا إلى فقدان شخصيتها الحقيقية حيث تتقمص شخصية أخرى تمامًا ليس السلوك إلا مظهرًا طبيعيًا ومنطقيًا لها.
أرأيت إلى الذي تغوص مركبته في الماء وهو مشغول بعصر قميصه الذي تبلل من رذاذ الأمواج؟ أهذا الذي يفعله هو العمل السليم في وسط هذه الكارثة المحققة؟ نحن إذن أمام قوى عالمية جبارة تعمل ليل نهار لمسخنا وتحويلنا إلى قردة مجرد قردة يسرها أن تقلد وتحاكي وتبذل كل ما في وسعها لتقرب أعمالها من الأصل الذي تحاكيه.. إن مهمتنا نحن المسلمين في إعادة العقول إلى الناس أو إعادة الناس إلى عقولهم.. وإقناعهم بأنهم بشر لا قردة.. يستطيعون أن يتفكروا ويتدبروا.. مهمتنا إذًا البحث عن العقول التي نسيها أصحابها في الزحام وتسليمها لهم ليفكروا بها ويستخدموها.. وهي مهمة لا شك شاقة وصعبة تحتاج إلى عمل دائب مستمر وإلى علم واسع واطلاع وإلى ثقافة شاملة ومركزة.. وإلى مواكبة فكرية لما يجد من فلسفات ونظريات.. هي مهمة نحن أحوج ما نكون فيها إلى العلماء والمفكرين.. لا إلى الخطباء والوعاظ.
إن من السهل على أي إنسان أن يصرخ في وجوه الناس وأن يشتمهم ويقرعهم.. كما أنه من السهل على أي إنسان أيضًا أن يحيط نفسه بهالة من الخوف والرهبة.. فيهدد ويتوعد ويدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور.. إلا إنه يجب أن يعرف أن هذه أساليب لا يمكن أن تكون حصيلتها إلا زيادة الأعداء ونفور الأصدقاء.
فإذا كان الخواء الروحي الذي نعاني منه ومن مظاهره السلوكية المنحرفة ناتج عن تشويه العقيدة أو غيابها فإن الاتجاه إلى العقيدة نصلحها وننقيها أو نعيدها إلى مكانتها هو الغاية المنشودة والسلوك بعد ذلك تبع لقوة المعتقد... وهو حين يأتي مع المعتقد يكون ثابتًا منسجمًا مع النفس ودوافعها الكامنة.. أما حين نرضى أن يكون السلوك مجرد مظاهر لا حقيقة لها في القلب والوجدان فإننا نرضى بالنفاق الاجتماعي الذي نظهر فيه خلاف ما نبطن والشر منه أفظع وأعمق.
إننا لا يمكننا أن نلغي نهائيًا كل دعوة إلى معروف أو كل نهي عن منكر فهذا واجب مفروض علينا.. ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ (آل عمران: 104). غير أن هذا الواجب يؤدي بطرق مختلفة، والمطلوب منا أن نكون حكماء في اتخاذ الأساليب المناسبة: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125).
فالتشنج إذن ورفع العقيرة بالاحتجاج الشديد اللهجة أو الرجم بالغيب أو التهجم على الناس أو قذفهم.. كلها أساليب لم يعد لها نفع يرتجى في هذا المجتمع الذي نعيش فيه.
ألم تر إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته لم يطلب من الناس ذوي السلطان أن يصلحوا خلقًا أو يتركوا منكرًا أو يتبعوا معروفًا أو ينفذوا حدًا إلا بعد أن دعاهم إلى اقتلاع جذور العقيدة المنحرفة وتنظيف القلب مما ران عليه من فساد والانسلاخ من كل توجيه خاطئ للتصور الجاهلي للإله والكون والحياة وحين استجاب الناس إلى هذه العقيدة وحين جرت مع دمائهم إلى قلوبهم تغير فيهـم كل شيء في سهولة ويسر فما احتاجوا إلى من يقسرهم على اتباع آية أو يحملهم على تنفيذ حديث، بل كان قولهم دائمًا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير﴾ (البقرة: 285).
ولا ننسى أبدًا أن التذكير بالخير واجب أيضًا وكذلك محاربة المنكرات لكن ذلك لن يكون مجديًا إلا مع تصحيح التصور وتقويم الفكر وإيجاد العقيدة السليمة النقية.. أما إذا كان المجتمع كله يقاد بفلسفات مادية ومعتقدات أرضية فلن يكون دعاؤنا إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.
بقلم الأستاذ أحمد الراجح
الكويت - وزارة التربية
ضياء الحقيقة والود يتخلل حوار الأخوين أبي أسامة.. وعويس
وهي تفتتح «الصفحات الحرة»، قالت «المجتمع» إنها ستفرد هذه الصفحات.. لكل رأي سديد.. ومناقشة مستنيرة.. وإنها لن تتدخل إلا للمحافظة على ضمانتين اثنتين:
• التزام الموضوعية
• التزام الأسلوب الرفيع
ويسر «المجتمع» أن تُعبّر عن ارتياحها وغبطتها بالحوار المهذب الذي يدور بين الأخوين الكريمين الأستاذ أبو أسامة.. والأستاذ عبد الحليم عويس.
عبد الحليم عويس: مغتبط بالتوضيح.. ونحن معًا على الطريق.. نستبق الخيرات
ابتداءً...
أشعر برغبة مُلحّة في أن أشكر من أعماقي الأخ الذي أتمنى أن أعرف اسمه «أبو أسامة».
وابتداءً...
أشعر بأنني وإياه نلتقي على هدف واحد، بل إنني لأعرف السبب الذي حدا به إلى الإسراع بالتعليق على كلماتي مع ذلك الحاكم المسلم المرتقب فإن ناسًا من قليلي الثقافة وذوي النوايا السيئة يروجون بين الجماهير المسلمة أن الإسلام ليس إلا «قطع» يد السارق، و«رجم» الزاني و«جلد»... إلى آخره!! وقد شاء الإخراج الفني في المجتمع أن يبرز الجانب الذي ذكرته حول الحدود الإسلامية بطريقة توحي-لأول انطباع- بأن هذا الجانب هو أهم ما في قضية الوصول إلى الدولة الإسلامية... فللأخ أبي أسامة الحق -كل الحق- في أن يلفت النظر إلى أن قضية الوصول إلى الدولة الإسلامية.. أكبر من أن تقف عند الحدود... التي تمثل مرحلة الردع.. وهي ليست إلا مرحلة أخيرة في العمل الإسلامي تسبقها مراحل كثيرة من التوعية والارتقاء وسد الذرائع، وغير ذلك من الوسائل التي تجعل المسلم على مستوى المسئولية عن المبدأ والالتزام به، وتجعل إخلاله بأي مادة من مواده إخلالًا لا يمكن أن تلتمس له المعاذير.
ومشكلتنا أننا في العالم العربي والإسلامي ننطلق من أرضيات مختلفة.. تختلط فيها المصطلحات غير المحددة، وتختلط فيها المفاهيم النازحة من الشرق أو الغرب بالمفاهيم المنطلقة من التاريخ والتراث والفكر النابع منا... ويخيل إليّ أحيانًا أننا أصبحنا نشكل مجموعات تعيش مكانًا واحدًا لكنها مختلفة اللغات... فكل منها لا يستطيع إلا أن يكلم نفسه أو مجموعته.
وإني لأحمد الله الذي هيّأ لي ذلك الأخ الكريم يوضح للآخرين ما أردت أن أقوله..
ويخشى أن ينطبع في ذهن الآخرين على غير ما أريد.
وقد كنت أتمنى ألا تفوت الأخ الكريم هذه العبارات أو الفقرات التي وردت في المقال قبل ذكر الحدود الإسلامية، وقد كنت أتمنى له أن يبرزها في مقاله إحقاقًا للحق الذي لا نشك في أنه هدفه الوحيد... وسننقلها هنا بنصها ليطمئن الأخ الكريم وليطمئن القارئ إلى أننا نرى ما يراه الأخ ونعتقد أنه الطريق الصحيح إلى الغاية الإسلامية.. فقد جاء على لسان الحاكم المسلم:
«لقد شهدت العشرون سنة الأخيرة التصفية الكاملة لكل مخلفات مراحل الهزيمة التي استغرقت النصف الثاني من القرن العشرين كله، ومراحل الهزيمة لم تكن فقط مجموعة الهزائم التي ابتلي بها العالم الإسلامي. إن هناك فــي الدرجة الأولى «لاحظ في الدرجة الأولى» هزائم فكرية كانت الأمة قد غرقت في مياهها الراكدة حتى أذنها.. هل تتصور أن الأمة الإسلامية وحدها كانت هي الأمة التي تقف في الميدان بلا عقيدة؟!
لقد كنا المنطقة الفراغ التي أضاعت إسلامها وانطلقت بلا تخطيط ولا هدف... وعندما اتضحت للأمة الحقيقة، وظهرت جماعة قائدة مسلمة مخلصة بدأ الزبد يذهب جفاء.. المهم في التقدم عنصر الإنسان.. لكن الفرق في كل الحالات هو الإنسان.. الإنسان ذو العقيدة والإنسان ذو التاريخ.. والإنسان الضائع بلا عقيدة وبلا تاريخ...
فهذه بعض العبارات التي وردت في ثنايا المقال قبيل ذكر الحدود الإسلامية التي لا نشك في أنها ضرورية بدورها في كل عمل إسلامي، إذ أن الناس كلهم لن يقتنعوا بالكلمة الطيبة والجدال بالتي هي أحسن.. كما أنها أسلوب قد أثبت فعاليته في كثير من بلدان العالم الحديث... كالصين... ومعلوم أن هذه الحدود.. هي بدورها للزجر أكثر منها للردع والانتقام. والحالات التي أُقيم فيها حدا الزنى والسرقة مثلًا حالات محصورة ومعروفة... لكنها كانت كافية للقضاء على الجريمتين... ولمنح الناس الطمأنينة على أعراضهم وأموالهم.... ولتحريك طاقات المجتمع كلها في اتجاه إيجابي... بدل بعثرة طاقاته على جوانب الطريق... وهذا بالطبع أيام كنا، وكانت لنا حضارة، يصنعها الإسلام العظيم... وتقبل يا أبا أسامة تحيات أخيك.
عبد الحليم عويس
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل