العنوان جفاف
الكاتب د.عبدالحميد البلالي
تاريخ النشر الثلاثاء 30-سبتمبر-1997
مشاهدات 27
نشر في العدد 1269
نشر في الصفحة 56
الثلاثاء 30-سبتمبر-1997
وقفة تربوية
كثير من الرجال وللأسف الشديد عندما يريد الزواج فإنه لا يبحث عن جمال الأخلاق كبحثه عن الجمال الظاهري، وكأنه يطبق البيت الأول من قصيدة ابن أبي الرقاع عندما قال يصف المرأة الجميلة:
قضاعية الكعبين كِندية الحشا***خزاعية الأطراف، طائية الفم
بينما يغفل عن البيت الذي يليه، والذي يقول فيه ابن أبي الرقاع
لها حكمة لقمان، وصورة يوسف*** ومنطق داود وعفة مريم
ثم يفاجأ بتلك الجميلة الأنيقة، أنها خاوية من الداخل، ليس من الناحية الأخلاقية فحسب، بل حتى من الطباع الإنسانية، ولا أدق من وصف النبي ﷺ لها، حيث سماها «بخضراء الدمن» وحذر الرجال من الاقتران بها، ويعني بذلك تلك الذبابة الخضراء الجميلة الألوان، والتي لا تفتأ تحوم حول الدمن الخارجة من الحيوانات.
ولله در عمرو بن معدي كرب حيث وصف ذلك الجمال الناقص:
ليس الجمال بمنزر *** إن الجمال معادن
فاعلم وإن رديت بردًا*** ومناقب أورثن مجدًا
فالجمال الظاهري، وإن كان مطلوبًا، ولكنه لا يكتمل إلا بالجمال الباطني، وكم من قبيح جملته أخلاقه ومناقبه، وكم من صارخ الجمال قبحته خصاله وأخلاقه.
يقول إيليا أبو ماضي محذرًا أولئك المخدوعين من الرجال بالجمال الظاهري، ولا يبحثون عما هو خلف الوجه والثياب:
أنا لا تغشني الطيالس والحلا*** كم في الطيالس من سقيم أجرب
عيناك من أثوابه في جنة*** ويداك من أخلاقه في سبسب
ما أكثر المشتكين والمعانين من الجفاف الأسري فهم لا يعانون قلة في المال، ولا في الطعام، ولكنهم يعانون قحطًا في الحنان والرقة والابتسامة، والكلمة الحلوة، والنظرة العاطفية؛ فهم يملكون زوجات جميلات، وقد يكنّ صالحات ملتزمات، ولكنهن لا يعرفن كيف يحافظن على أزواجهن وأبنائهن، إنهن لا يشغلهن إلا المحافظة على ملبس ومطعم الأبناء والزوج، أما الابتسامة وتقبيل الأطفال، وإعطاؤهن الحنان، والكلمة الجميلة فلا يعرفن سبيلًا إليها.. يقول زوج إحداهن: والله إني لأخشى على نفسي من كلمة حلوة، أو ابتسامة عابرة، من امرأة عابرة تأسرني، وتبعدني عن زوجتي.. ويقول آخر: إن أبنائي قل ما يجلسون في البيت، بل دائمًا تراهم في بيوت الجيران، فقط لأنهم يسمعون بعض كلمات الحنان من غير أمهم.
أيتها الأمهات اللواتي يعانين مثل هذا الجفاف: أما آن الأوان أن توقفوا هذا التصحر في علاقاتكن مع أبنائكن وأزواجكن، قبل أن تفقدنهم جميعا؟
أبو خلاد
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل