; المرأة بين الكوتا وحقوق الإنسان ( ٢ من ۲ )- «الكوتا»... ظاهرها حقوق المرأة وباطنها لا حقوق ! | مجلة المجتمع

العنوان المرأة بين الكوتا وحقوق الإنسان ( ٢ من ۲ )- «الكوتا»... ظاهرها حقوق المرأة وباطنها لا حقوق !

الكاتب منال أبو الحسن

تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009

مشاهدات 9

نشر في العدد 1863

نشر في الصفحة 32

السبت 01-أغسطس-2009

(*) كلية الإعلام- جامعة 6 أكتوبر

الحكومة المصرية أقرت نظام الكوتا للمرأة على أنه تمييز إيجابي في حين أنه لا يوجد تمييز سلبي ضدها إلا في سياسات الدولة

كيف نصدق نوايا الدولة في الدعم السياسي للمرأة في الوقت الذي تمنع مرشحات التيار الإسلامي المعتدل من الترشيح والانتخاب وتعمل على إسقاطهن بالتزوير

من المستحيل تحقيق تمييز إيجابي لصالح المرأة في العملية الانتخابية حيث يصعب أن يقابل ذلك توازن نوعي في الناخبين

تطبيق نظام الكوتا سيتولد عنه برلمانيات مبتسرات لا تستطيع دولتهن رؤيتهن إلا في حضانات البرلمان

من ينادي بتطبيق الكوتا في إطار اتفاقية «السيداو» يناقض المساواة حتى لو زعم أنها تحقق تكافؤ النتائج بدلا من تكافؤ الفرص

إن النظر لنظام الكوتا الذي أقرته الحكومة المصرية للمرأة في البرلمان على أنه وسيلة للتمييز الإيجابي أو التوازن النوعي، لا بد أن يكون مبنياً على وجود نوع من التمييز السلبي ضدها، وهو لا يتعلق بالقانون أو الدستور، ولكن يمكن أن يتعلق بجوانب عديدة منها سياسة الدولة، والوضع التعليمي والاقتصادي والثقافي والفساد الإداري، فمن المستحيل تحقيق نظام للتمييز الإيجابي لصالح المرأة على أرض الواقع وبشكل شامل في العملية الانتخابية خاصة، كما يصعب تحقيق توازن العملية السياسية برمتها، ذلك عندما يبدأ العمل من منطلق التوازن النوعي الذي يركز على النسب المئوية للسيدات داخل البرلمان، حيث يصعب أن يقابل ذلك توازن نوعي في الناخبين، كما لا يضمن انتخاب المرأة للمرشحة الأنثى على الذكر، أو انتخاب الرجل لها إذا لم تكن على درجة مصداقية وكفاءة واحترام يؤهلها لخوض العملية الانتخابية.

فهل يمكن للدولة حصر أعداد الناخبين من الذكور والإناث، ثم ضبط عملية الانتخاب؛ بحيث يتساوى أو يفوق عدد المنتخبات على عدد المنتخبين في الدوائر الانتخابية، أو أن نفرض على الرجال أو النساء انتخاب النساء دون الرجال، أو أن تمنع الرجال من انتخاب الرجال لصالح النساء، أو أن نخص النساء بمناقشة قضايا المرأة داخل البرلمان أعتقد أنها أمور يمكن أن تتناولها الدراما العربية الكوميدية ويتقبلها الجمهور بالفكاهة والسخرية.

سلب حقوق المرأة

وكيف يمكن للمواطن الاقتناع بجدوى نظام الكوتا كأحد التدابير المتخذة من أجل الإصلاح السياسي، وما زالت المرأة المصرية يسلب حقها القانوني في مواصلة عملها كمذيعة في المحطات التلفزيونية الحكومية إذا ارتدت الحجاب أو منعت من تعيينها في وظيفة مذيعة لارتدائها للحجاب؟ وكيف تثبت الحكومة حسن نواياها تجاه المرأة بعد أن زورت إرادة الجماهير في الانتخابات الماضية، ومنعت المرأة من أخذ حقها في النجاح الذي حققته بعناء وبإرادة جماهيرية واعية؟

منع المرشحات

وكيف يصدق المواطن المصري نوايا الدولة في الدعم السياسي للمرأة في الوقت الذي تمنع المرشحات اللاتي ينتمين الأفكار إسلامية معتدلة وراقية من ممارسة حقهن في الترشيح، وفي الانتخاب، ويمارس ضدهن العنف ويعتقل أزواجهن وأولادهن ويوضع شرط للإفراج عنهم تنازل المرأة عن حقها في الترشيح؟ إن هذه الظواهر التي نقلتها الصحافة المصرية المعارضة والمستقلة، ونقلتها شاشات الفضائيات العربية والأجنبية، وسجلتها قاعات المحاكم، لا يمكن أن تضع لنا مؤشرات لنجاح التجربة على النطاق القومي، إلا أن تنقلها وسائل الإعلام الحكومية كوسيلة من وسائل تطوير الأداء الحكومي في إحداث التنمية المزعومة.

حرج حكومي

إن سعي الحكومة لتقنين أسلوب جديد يتعدى على حقوق دستورية للمواطن في أكثر من مادة، ولا يتفق مع الواقع الفعلي للتنمية في الجوانب المختلفة للمرأة، الذي تؤكده المواقف المعلنة والمشاهدة، والإحصاءات العادلة، سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من حرج الحكومة أمام المواطنين الواعين وغير الواعين، وهو ما سيتم تناوله في الصحافة المعارضة والمستقلة بشكل مباشر وصريح بعد خوض التجربة القيصرية، وميلاد برلمانيات مبتسرات لا تستطيع دولتهن رؤيتهن إلا في حضانات البرلمان.

فالدعوة لقبول قانون من عدمه يجب أن يستند إلى ثوابت وقيم ومواد دستورية وقوانين دولية وواقع فعلي لقضايا ذات أولوية حقيقية، أما أن يخالف القانون كل ذلك ويصبح دعوة لاعتباره فقط آلية لفترة زمنية معينة، فيمثل عبئا أكبر على الدولة لتحقيق التوازن التنموي المنشود.

تشويه الإسلام

وفي هذا الجو الجدلي حول مفهوم الكوتا ودستورية تطبيقه، لم يسلم الإسلام ولا المسلمون من تشويه موقفهم تجاه التوجهات الدولية لتنمية المرأة، فتناولته الصحافة من حيث النظرة التاريخية له ووجهات النظر الفقهية للمشاركة السياسية للمرأة محاولة منها لتوضيح تناقضات الفقه الإسلامي حول القضية، ومغالاته في أحيان أخرى وعدم قدرته على مواكبة التطورات الدولية الحديثة، وذهبت التقارير الصحفية لوضع المسلمين في أربع فرق:

 الفريق الأول: الذي يدعو إلى تأييد ممارسة المرأة كافة الحقوق السياسية، وبعضهم استثنى حق المرأة في رئاسة الجمهورية.

 والفريق الثاني: الذي انتهج رأي جمهور الفقهاء القدامى فيما يجيزه الشرع للمرأة من ممارسة الولاية الخاصة ومنعها من الاشتغال بمناصب الولاية العامة.

 وفريق ثالث: يرى أن استثناء النساء من الحق السياسي ضرب من الاستبداد ولا سيما أن الكثيرات منهن يساوين الرجال في قواهن العقلية وفي مقاماتهن الاجتماعية.

الفريق الرابع: يعارض حقوق المرأة السياسية مستدلا ببعض الروايات مثل: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، و«المرأة ناقصة العقل»، وهي نفس الشبهات التي واجهها الإسلام والمسلمون طوال العقود الماضية.

حرية مزعومة

كما تعرض الإسلام والمسلمون لكثير من الانتقادات حول تدني حقوق المرأة في الإسلام، والتمييز ضدها أمام المطالب المزعومة للحرية والمساواة على النطاق الدولي والمنبثقة من الاتفاقات الدولية وعلى رأسها اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، وطالب أصحابها أن تعلو على القوانين والتشريعات المحلية التي تعوق تنفيذها، وقد جاء حديث المغالين في حقوق المرأة حول وضع المرأة في الإسلام، ومنها نصيبها في الميراث وتحدثوا عن حالة الميراث التي يعطي فيها التشريع الإسلامي للذكر مثل حظ الأنثيين ولم يتحدثوا عن الحالات التي يفوق فيها نصيب المرأة نصيب الرجل والحالات التي يتساويان فيها، ربما كان ذلك جهلا فقهيا منهم، ولكنه على أية حال كان ومازال يناقش في وسائل الإعلام وفي المؤتمرات الحقوقية للمرأة كنوع من التمييز ضد المرأة في الشريعة الإسلامية، وهو ما أثر بالفعل على صورة الإسلام لدى الغرب والجاهلين به، وأرى أن من ينادي بتطبيق الكوتا في إطار اتفاقية «السيداو» يناقض المساواة المطلوب تحقيقها حتى لو تم وضع تعريفات جديدة مصطنعة للمساواة، وتحويلها إلى تكافؤ النتائج بدلا من تكافؤ الفرص!

تناقض واضح

فقد تناقضوا مع أنفسهم من البداية عندما طالبوا بالمساواة الكلية بين غير المتماثلين، وتناقضوا مع أنفسهم عندما اعترضوا على الشريعة الإسلامية في وضع حصص للميراث تختلف باختلاف الحالات ثم طالبوا بوضع حصص للمرأة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مبادرات للإصلاح

وفي ظل كل المعوقات السياسية في المجتمع المصري خاصة والإسلامي عامة والجدال السياسي حول المشاركة السياسية للمرأة نجد من يتقدم بدافع الإصلاح بمبادرات تحت شعار دستوري: الإسلام هو الحل؛ ليحمي المجتمع وقيمه وثوابته الدينية من المؤثرات الخارجية الهدامة، ومن دعاوى الإصلاح الزائفة، ويتقدم ببرامج متزنة وواقعية وشاملة لقطاعاته دون تمييز ويتحدى الشبهات فيضع المرأة في مكانها الصحيح الذي كرمها به الإسلام على مر العصور، وأعطى لها الحقوق السياسية التي ما زالت المجتمعات والمنظمات الدولية تنادي بها دون هدى أو كتاب منير، وتؤكد هذه الرؤية المتزنة على حق المرأة كمواطنة مثل الرجل في الانتخاب وتولي عضوية المجالس النيابية وتولي الوظائف العامة وغيرها من الأمور التي تستطيع فيها المرأة نفع المجتمع وتحقيق التنمية في المجالات المختلفة دون إخلال برسالتها كأم وزوجة وربة بيت وفي إطار الحفاظ على كرامتها وعزتها ومكانتها الراقية في الإسلام، كما تتوقع هذه الرؤية الإصلاحية أيضا أن تسعى المرأة لكي تحقق أهدافا إستراتيجية للدولة من خلال مشاركتها السياسية كطرح المشكلات المجتمعية الحيوية والواقعية والحرجة، وبحث المعوقات أمام سبل حلها، والتأكيد على القيم الأصيلة والمحافظة عليها، وتحقيق المبادئ الأساسية الدستورية والقانونية، والسعي لتحقيق التنمية الشاملة المتزنة في إطار التطور العلمي والتكنولوجي الحديث، والمشاركة في وضع أولويات التنمية المجتمعية برفع المشكلات والقضايا الواقعية بناء على إحصاءات ودراسات غير موجهة لمصالح خارجية وتنمية الوعي الجماهيري بها، ومثل هذه الأمانة التي تتحملها المرأة يجب أن تتوازى مع ما يجب أن تتحمله الدولة من أمانة تجاه مواطنيها لرفع درجة الثقة الجماهيرية لسياساتها، ولضمان المشاركة المجتمعية لخطط الدولة التنموية ..

الرابط المختصر :