; هل انتهت المؤامرة على الفلسطينيين بوقف إطلاق النار في المخيمات؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل انتهت المؤامرة على الفلسطينيين بوقف إطلاق النار في المخيمات؟

الكاتب جمال الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 25-يونيو-1985

مشاهدات 11

نشر في العدد 722

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 25-يونيو-1985

• الصمود المذهل لسكان المخيمات أجبر سوريا على وقف إطلاق النار.

• مذابح المخيمات الأخرى وبقية المسلمين في لبنان قادمة على الطريق.

• ماذا نتوقع من مؤتمر القمة العربي القادم غير مزيد من التنازلات وصولًا للصلح مع اليهود؟!

أعلن في دمشق مؤخرًا عن اتفاق لإنهاء حرب المخيمات وقعته كل من سوريا وحركة «أمل» وجبهة الإنفاذ الوطني الفلسطيني والجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية بعد حرب استمرت طوال شهر رمضان المبارك واليوم الأول من أيام عيد الفطر المبارك.

وقد بدأت مليشيات «أمل» هجومها على مخيمي صبرا وشاتيلا مدعومة من سوريا بزعم تصفية رجال عرفات في المخيمين خلال أيام معدودة وربما ساعات، ولكنها واجهت مقاومة لم تكن في حسبانها، وعند ذلك استنجدت باللواء السادس اللبناني معظمه من الشيعة بخدعة أنه يمثل السلطة الشرعية وأنه جاء لفض الاشتباك بين المتقاتلين، ومن خلال دخول بعض وحدات الجيش إلى المخيمين تسللت مليشيات حركة أمل والتحمت مع قوات اللواء السادس في ارتكاب أقذر المجازر التي واجهتها المخيمات الفلسطينية بعد المجازر التي قامت بها القوات الصهيونية بقيادة شارون والقوات الكتائبية بقيادة إيلي حبيقة عام 1982 بعد انسحاب قوات الثورة الفلسطينية من بيروت.

ولكن خدعة «أمل» واللواء السادس لم تفلح في القضاء على المقاومة الفلسطينية إذ سرعان ما أعاد سكان المخيمات تنظيم أنفسهم وقاموا بهجوم مضاد فطهروا مخيماتهم من المهاجمين وطاردوهم خارج المخيمات وربطوا مخيمي صبرا وشاتيلا بمخيم برج البراجنة بحزام دفاعي فأصبحت المخيمات الثلاثة جبهة واحدة متصلة بأنفاق في باطن الأرض كانت قد أعدت لمواجهة هجوم محتمل من هذا النوع.

ومرت الأيام المعدودة التي تعهدت فيها «أمل» بقيادة نبيه برِّي بتصفية المخيمات الفلسطينية، هذا التعهد الذي قدمه برِّي لكل من سوريا وإسرائيل أملًا في الحصول على كانتون شيعي يكون هو زعيمه، وفي نفس الوقت كانت قيادة جبهة الإنقاذ الفلسطينية تنتظر من حليفها «برِّي» بكفالة سوريا وتعهدها أن تطهر المخيمات من رجال عرفات لتقيم عليها القيادات التي وضعت نفسها تحت إمرة دمشق سلطانها الموهوم على أنقاض منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكن الأيام المعدودة مضت والمخيمات لم تسقط والتحم رجال عرفات -الذين قيل إنهم ثلاثة آلاف- داخل المخيمات مع رجال المعارضة التابعين لجبهة الإنقاذ وقاتلوا معًا بكفاءة عالية وبطولة خارقة قلبت الموازين والحسابات.

وبينما كانت مليشيات «أمل» في جنوب لبنان تقوم بوضع الحواجز لمنع المقاتلين الفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين من مهاجمة القوات الإسرائيلية المنسحبة والمهزومة والمليشيات الكتائبية المرتبكة والمذعورة كانت «إسرائيل» تتباطأ في الانسحاب النهائي انتظارًا لتصفية الفلسطينيين ومن بعدهم المجاهدين المسلمين، وكانت دمشق تقوم بتغطية إعلامية مكثفة تستهدف تصوير الأمر وكأنه عملية تطهير تقوم به «القوى الوطنية التي هزمت إسرائيل والمتمثلة في حركة «أمل»» لبعض العناصر المتسللة من الاستسلاميين من زمرة عرفات «الذين افتعلوا الهجوم على القوى الوطنية لتغطية مساعي الاستسلام القائمة».

ولكن المقاتلين الفلسطينيين من رجال المعارضة داخل المخيمات أدركوا قبل قادتهم أن العملية هي مؤامرة كبرى تستهدف تصفية الفلسطينيين وانتزاع البندقية من أيديهم تنفيذًا لاتفاق «مورفي» الذي لا يقل خطرًا عن اتفاق «كامب ديفيد».

وهكذا توحدت البندقية الفلسطينية داخل المخيمات واستطاعت أن تصد كافة الهجمات فأسقط في يد القيادات الفلسطينية التي سبق لها أن هاجمت مخيمي نهر البارد والبداوي في طرابلس بدعم من دمشق فبدأت تتململ إذ اكتشفت أنها «ستخرج من المولد بلا حمص» لا سيما وأن عناصر من «الجبهة الديمقراطية» التي يقودها نايف حواتمه والتي ترابط في جبال الشوف المطلة على المخيمات والمتواجدة ضمن الكانتون الدرزي المزمع قيامه بدأت تقصف تجمعات أمل واللواء السادس كما قصفت الأحياء السكنية في بيروت الجنوبية التي يقطنها الشيعة، واستطاع نايف حواتمه أن يخرج من دمشق ليتجه إلى موسكو ويطلب التدخل.

أما وليد جنبلاط الذي يقود الحزب الاشتراكي ومعظمه من الدروز والذي ساند نبيه برِّي في تصفية قوات «المرابطون» في غرب بيروت السنية وبسط الهيمنة عليها فإنه تخوف من امتداد نفوذ «أمل» بعد تصفية الفلسطينيين بحيث تسلبه بعض الامتيازات والمكاسب التي حصل عليها والتي هو موعود بها، ولذلك لم يشارك وليد جنبلاط في الهجوم على المخيمات وسمح للفلسطينيين المتواجدين في منطقة نفوذه بقصف تجمعات «أمل» بين الحين والآخر كما استقبل العائلات الفلسطينية التي تمكنت من الخروج من جحيم الموت، وربما كانت مساعدة السنَّة في دحر قوات الكتائبيين في جنوب لبنان من العوامل الضاغطة عليه لمصلحة الفلسطينيين، ولقد حدثت بعض الاشتباكات بين مليشيات الحزب الاشتراكي ومليشيات «أمل» في غرب بيروت ولكن سرعان ما توقف إطلاق النار وعاد «التحالف الإستراتيجي» بينهما بضغط من سوريا.

وأما قوات «المرابطون» في غرب بيروت وهم من السنة فقد قاموا بعدة عمليات ناجحة ومربكة لمليشيات «أمل» واللواء السادس أوقعت فيهم الكثير من الخسائر باعتبار المعركة مع الفلسطينيين هي في نفس الوقت معركة مع المسلمين السنَّة.

ولقد قامت القوات السوريَّة ومليشيات حركة «أمل» بتطويق كافة المخيمات الفلسطينية في الجنوب والبقاع وطرابلس ومنعت أي نجدات أو مساعدات تصل منهم إلى المخيمات المستهدفة بالهجوم والتصفية.

ولقد وجه الشيخ حسن خالد مفتِي لبنان عدة نداءات لإيقاف هذه الحرب وأما بعض قادة السنَّة في الحكومة اللبنانية فقد كان موقفهم غاية في التخاذل إذ اكتفى البعض منهم بالصمت وصرح البعض الآخر تصريحات مبهمة تحتمل أكثر من معنى وأعلن البعض الآخر ربما بضغط من سوريا أن ما يجري في لبنان مسألة داخلية.

وأما مجلس الجامعة العربية الذي طالب عرفات بانعقاده لبحث موضوع المخيمات فقد كان متباطئًا متخاذلًا رغم القرارات التي صدرت عنه وطالبت بإيقاف الحرب، وبينما لبنان لم تحضر الاجتماع باعتبار ما يجري في المخيمات «أمرًا داخليًّا» فقد حضرت سوريا أخيرًا ولكن مندوبها انسحب عندما أذن لعرفات بإلقاء بيانه ثم كان رد فعل نبيه برِّي مزيدًا من الهجمات على المخيمات.

وحين طالب الحسن الثاني بضغط من عرفات بعقد مؤتمر قمة عربي «لبحث القضية الفلسطينية ككل» في نهاية شهر يونيو «حزيران» فإنه من المتوقع أن تكون حرب المخيمات قد انتهت بالطريقة التي تريدها سوريا وهي تجريد الفلسطينيين من سلاحهم وشل فاعليتهم في لبنان وبالتالي تكون قمة فاس الثانية امتدادًا لقمة فاس الأولى التي أعقبت خروج الفلسطينيين من بيروت وكانت خطوة متقدمة في طريق الاعتراف العربي الشامل بالكيان اليهودي الغاصب لفلسطين وإسدال الستار نهائيًّا على القضية الفلسطينية.

ولقد ثار «القذافي» -كما يثور أحيانًا!!- لما يجري في المخيمات وانتقد الموقف السوري وهاجم نبيه برِّي بشدة وطالب الفلسطينيين بأن يأتوا بمخيماتهم إلى ليبيا ... وهذا الطلب لا يقل غرابة عن مطالبته الفلسطينيين بأن «ينتحروا» في بيروت أثناء الهجوم اليهودي الشرس عليها عام 1982.

نعود إلى أرض المعركة في المخيمات ... فبعد عجز مليشيات حركة أمل وقوات اللواء السادس من اقتحام المخيمات تدخل اللواء الثامن وهو من الكتائبيين وشارك في الهجوم على المخيمات وبعد أحد عشر يومًا من القتال المستمر أعلن عن سقوط مخيم صبرا بعد تدمير الغالبية العظمى من مبانيه الهشة رغم وجود بعض المقاومة فيه بين الحين والآخر، وأعلن عرفات أن القوات الخاصة السورية تشارك في الهجوم على المخيمات وهي تلبس الأقنعة، وسقطت بعض أجزاء من مخيم شاتيلا «حي الداعوق» ولكن المدافعين عن المخيم ظلوا صامدين في معظم أجزاء المخيم المهدم وقاموا بهجمات مضادة استردوا فيها بعض المواقع.

وأخيرًا تمكنت مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين -قيل إن عددهم خمسون مقاتلًا- من اقتحام الحصار المضروب حول المخيمات ودخول مخيم شاتيلا بأسلحتهم فتحسن الوضع القتالي داخل المخيمات وقاموا بهجمات مضادة استردوا فيها بعض المواقع من القوات المهاجمة.

وقبل الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار بيوم واحد كان هناك أعنف هجوم شامل على مخيم شاتيلا منذ بداية المعارك ولكن الفلسطينيين صدوا الهجوم الذي كان المحاولة الأخيرة لاحتلال المخيم وقد تكبد فيه المهاجمون خسائر كبيرة.

إزاء هذا الصمود البطولي المذهل لسكان المخيمات التي تريد سوريا أن تسويها بالأرض بالتعاون مع عصابات نبيه برِّي وبعض ألوية الجيش اللبناني والقوات الخاصة السوريَّة مثلما جرى لمخيم تل الزعتر بالتعاون مع الكتائبيين بعد 55 يومًا من القتال، إزاء هذا الصمود البطولي ونظرًا لاعتبارات أخرى جمعت سوريا أزلامها وطلبت منهم التوقيع على ما سمي «اتفاق دمشق» لإيقاف إطلاق النار وإخراج الجرحى من المخيمات ودفن القتلى وتزويدهم بالمواد الغذائية وسحب مليشيات أمل وقوات اللواء السادس والثامن من المخيمات وحولها تمهيدًا لدخول قوات الأمن الداخلي اللبنانية التي سيكون من مهامها تجريد سكان المخيمات من أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وحفظ الأمن داخل المخيمات.

وبذلك تحقق سوريا بالسلم ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، فإذا تم سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة أصبح سكان المخيمات عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم وبالتالي يسهل سحب أسلحتهم الخفيفة أو ذبحهم أو نقلهم إلى البقاع أو تركيعهم وإلغاء دورهم الوطني فلسطينيًّا ولبنانيًّا.

وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى بقية المخيمات الفلسطينية في لبنان لسحب أسلحتها أو انتظار المذبحة، ثم يتكرر الأمر بالنسبة للمسلمين السنّة في لبنان ومن يساندهم ممن يرفض مبدأ دول الطوائف في لبنان والمنطقة بأسرها، وممن يصر على استمرار الجهاد لتحرير فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني.

هذه هي الصورة التي تجري على أرض الواقع في لبنان بلا رتوش، وإن الانفجار الهائل الذي وقع في ميناء طرابلس فذهب ضحيته أكثر من 255 بين قتيل وجريح من أبنائها السنَّة المتحالفين مع أبناء فلسطين شاهد حي على ذلك ولقد أشار ياسر عرفات إلى المخابرات السورية كمدبر لهذا الانفجار.

وهناك في مخيمات الجنوب اللبناني وفي صيدا تجري الاستعدادات على قدم وساق لمواجهة المصير الذي لاقاه أبناء بيروت ومخيماتها.

ولما كانت الأطراف الموقعة على اتفاق دمشق تمثل في مجملها طرفًا واحدًا بينما الطرف المعتدِى عليه وهو أبناء المخيمات لم يحضر هذا الاتفاق ولم يوقع عليه مهما قيل عن بعض رموز جبهة الإنقاذ الفلسطينية التي هي أعجز من أن تنقذ نفسها من التبعية المطلقة لنظام دمشق فإن احتمال تجدد القتال وارد وإن كان أبناء المخيمات قدموا حتى الآن فوق ما يطيقون ويحتملون.

والآن وبعد أن أصبح في حكم المؤكد انعقاد مؤتمر القمة العربي لبحث قضية المخيمات -بعد أن ذبحت المخيمات- ولبحث القضية الفلسطينية برمتها، فنحن لا نتوقع من مؤتمر القمة القادم أكثر مما حصلت عليه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في المؤتمرات السابقة، نحن لا نتوقع إعلان الحرب على «إسرائيل» لا نتوقع فتح حدود الدول العربية المحيطة بفلسطين ليمارس فيها الشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي تدريباته العسكرية وهجماته الفدائية على الكيان اليهودي في فلسطين، بل لا نتوقع أن تصدر القرارات بمعاملة الفلسطينيين في ديار العرب معاملة المواطنين إلى حين عودتهم إلى ديارهم، إن الذي نتوقعه من مؤتمر القمة العربي القادم صدور مزيد من القرارات التي تتضمن المزيد من التنازلات لصالح الاعتراف بالكيان اليهود في فلسطين على حساب قضية تحرير فلسطين.

وما دامت شعوب العرب والمسلمين غائبة عن ساحة الجهاد في فلسطين إلا قلَّة من أبناء لبنان وأبناء فلسطين يراد لها أن تُخلِي الساحة بعد أن أثبتت وجودها فإن المطلوب أن تتحرك الجماهير خطوات إلى الأمام كلما تحركت الأنظمة خطوة واحدة إلى الخلف، وإلا ... فانتظروا الطوفان!!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الطَريق إلى خيَبر

نشر في العدد 3

41

الثلاثاء 31-مارس-1970

واإسلاماه

نشر في العدد 236

24

الثلاثاء 11-فبراير-1975