العنوان الاتجاه الإسلامي والحياة النيابية القادمة
الكاتب د. عبد الله فهد النفيسي
تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
مشاهدات 18
نشر في العدد 502
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
هناك ملاحظة مركزية حول الحياة النيابية السابقة وهي غياب الاتجاه الإسلامي الكتلوي المنظم عنها.
الاتحاد الوطني لطلبة الكويت دليل طيب على مقدرة نجاح الاتجاه الإسلامي في العمل النقابي.
التجربة النيابية السابقة في الكويت والتي امتدت ما بين 1962 - 1976 كانت تجربة ثرية ومفيدة ومحرزه مهما قيل فيها. لقد تمكنت من خلالها معظم فئات المجتمع الكويتي من التعبير عن مكنوناتها، وفي هذا برأيي مكسب كبير للكويت حكومة وشعبًا.
ولقد صدرت من مجالس الأمة السابقة عدة قوانين صارت الآن جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية واستهدفت أساسًا حماية الإنسان في هذا البلد من الاستغلال والاستضعاف والضياع. ولقد قدر لبعض هذه القوانين أن يرى النور مثل قانون التأمينات الاجتماعية الشبيه لقانون الأعطيات أيام عمر بن الخطاب، ومن هذه القوانين ما تقف بوجهه حتى الآن بعض العراقيل والتي نتمنى على المسؤولين أن يذللوها مثل قانون المحكمة الإدارية الشبيه بنظام ديوان المظالم في الدولة الإسلامية خلاصة التجربة السابقة تقول إن الكويت استفاد وأفاد على كافة المستويات رغم مثالب التجربة. غير أن هناك ملاحظة مركزية حول الحياة النيابية السابقة وهي غياب الاتجاه الإسلامي الكتلوي المنظم عنها وربما يعود هذا لعوامل كثيرة ليس هنا المجال المناسب لذكرها ولا الوقت الملائم لتعدادها.
والشارع الكويتي خلال السنوات الخمس الأخيرة قد بدأ يشهد انعطافة مباركة نحو الله ودين الله وحزب الله.
وأعتقد بأن هناك دلائل كثيرة على إمكانية نجاح الاتجاه الإسلامي نقابيًا وخير مثال على ذلك الاتحاد الوطني لطلبة الكويت.
لقد كان نجاح الاتجاه الإسلامي في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت دليلًا طيبًا على مقدرته النقابية رغم أننا لا ننزه تلك التجربة من الأخطاء والكمال لله وحده.
وفي تصوري أن خوض المعركة الانتخابية لمجلس الأمة القادم ستدفع الاتجاه الإسلامي لمواقع أكثر فعالية ورشدًا ونضجًا وجدوى في طريق العمل الإسلامي.
فهي أولًا ستزج ببعض العناصر الإسلامية في رحم تجربة سياسية فريدة تكسب من يقدم خبرة سياسية عملية وهي خبرة يحتاجها الاتجاه الإسلامي منذ فترة طويلة وهي ثانياً ستفتح أمام الاتجاه الإسلامي قنوات جديدة للحصول على المعلومات الدقيقة ومن مصادرها الأوليه وذلك سيبعد الاتجاه الإسلامي عن التعميمات التي كانت تحول دون الرؤية الدقيقة والصحيحة للأمور.
وهي ثالثًا ستكسر طوق الانكفاء على الذات ومخاطبة جمهور أوسع. وهي رابعًا وأخيرًا ستمكن ممثلي الاتجاه الإسلامي من التعامل المباشر مع المسؤولين وباقي نواب الشعب على أساس من المحبة والتقدير والثقة والاحترام المتبادل مما سيجب التصور الخاطئ الذي تشيعه بعض الأوساط حول «تخلف وضيق الأفق لدى الإسلاميين» نسأل الله أن يوفق الاتجاه الإسلامي في هذا السبيل لما فيه الخير لهذا البلد الطيب ولأهل هذا البلد الطيبين.
الاختفاء وراء الأسماء المستعارة
بات الاسم المستعار وسيلة للهرب والاختفاء من مغبات الحوار الذي يعقب طرح الرأي.
أكبر وأخطر عيب في المجلات الملتزمة هو كثرة الأسماء المستعارة وقلة الأسماء الصريحة. ذلك أن الفكرة أو الرأي عندما يطرحه «شبح» يختلف تمامًا في مؤداه وتأثيره منه إذا طرحه اسم «لبني آدم حي يرزق بيننا» طبعًا نحن نعرف أن هناك بعض الظروف التي تحول دون إعلان بعض الأسماء، لكن يبدو أن الأمر خرج عن هذا الإطار وبات الاسم المستعار وسيله للهرب والاختفاء من مغبات الحوار الذي يعقب طرح الرأي في العادة وقائمة «المغبات» كثيرة في عالمنا الثالث للأسف، إن مصداقية الرأي في معظمها مستمدة من مصداقية الشخص الذي يطرحه. ألا يلاحظ القارئ أن رسل الله كانوا دائمًا يجاهرون في دعوتهم ويتحملون من جراء ذلك الكثير من العواقب؟ كانوا يواجهون الناس ويقفون بينهم ويجادلونهم:
1- ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ (هود: 91).
2- ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام: 74).
3- ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 80).
4- ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ (الشعراء: 167).
5- ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا﴾ (هود: 62).
6- ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ (المائدة: 25). والأمثلة في القرآن كثيرة والمهم الاعتبار.
فبما رحمة من الله لنت لهم
سئمنا موقف بعض خطباء المساجد الذين لا هم لهم في كل يوم جمعة إلا تقريع الناس.
يجب أن نضع دعوتنا في إطار المحبة للناس والرحمة بهم.
مهم جدًا ونحن ندعو الناس إلى الله ونذكرهم بكتابه ورسوله ودينه أن نضع كل ذلك في إطار من المحبة لهم والرحمة بهم. وأهم بكثير أن نؤكد بأن الربح لهم والخسارة عليهم وبأن الرزق على الله والأجر عند الله وأن حب الله هو الذي يحركنا ويدفعنا وحب الخير لعباد الله -وهو من حب الله- هو الذي نستهدف تحقيقه على الأرض. وليس عبثًا أن تتكرر الآية: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء: 164) في القرآن ونجدها في سورة الشعراء تتكرر خمس مرات. نقول ذلك بعد أن سئمنا موقف بعض خطباء المساجد الذين لا هم لهم في كل يوم جمعة إلا تقريع الناس وأحيانًا بألفاظ فظة غليظة تنفر ولا تقرب وتعسر ولا تيسر وكأن الناس الذين جاءوا للصلاة من كل فج هم سبب البلاوي كلها.
ونعتقد أن هذا الأسلوب في معالجة المواضيع في خطب الجمع وهذا الأسلوب في دعوة الناس إلى الله أسلوب خاطئ، لا بل إنه خطير النتائج وبالإمكان توظيفه ضد مصالح الدعوة إلى الله إذ إن كثيرًا من الناس يخرجون من هذه التجربة وفي نفوسهم جروح وفي داخلهم إحباط. فالرحمة الرحمة بالناس والرفق الرفق بهم واللين اللين في المعاملة والتلطف فيها ولنذكر قول الله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. (آل عمران: 159).
مرزوق طاح
بعض الناس -وهذه الأيام يتكاثر هذا البعض- يتابعون الحرب العراقية الإيرانية وكأنها شأن للتسلية. ويعتقدون أن الانحياز لطرف من الأطراف على حساب الآخر أمر ضروري ولازم وطبيعي بحيث قادهم هذا الموقف إلى «استراتيجية؟»: مرزوق طاح... مرزوق طاح!! فكل الذي يعرفونه عن سير وتطور هذه القضية الخطيرة هو أن هذا الطرف أسقط للطرف الآخر عدة طائرات وقتل عددًا من الجنود ودمر عدة مؤسسات... إلخ. ونسي هذا البعض أن وقود هذه الحرب هي دماء الأبرياء من المسلمين ونسي، هذا البعض، أن هذه المؤسسات التي دمرت -في أي طرف كانت- كانت توفر للمسلمين كثيرًا من الخدمات الضرورية في حياتهم اليومية. وأن هذه الدماء وهذه النيران كانت أولى بأن تهرق وتوجه لصدور الصهاينة في فلسطين المحتلة والقدس السليب. يجب أن ننادي بأعلى أصواتنا وبكل الوسائل المتاحة لنا بضرورة وقف هذه الحرب لا بالتفرج عليها. ويجب أن تنادي كل الأطراف بالتوقف عن «كب الزيت» فوق النار كما يفعل البعض بتشفي.
العلم الشرعي والعلم السياسي
كون بعض الأقلام الإسلامية تفهم في العلم الشرعي لا يعني أنها تفهم في كل شيء وخاصة في السياسة والتحليل السياسي.
نفهم طبعًا لماذا يجب أن نتعاطف مع إخواننا الأفغان، ونفهم بأن واجبنا الديني تجاههم هو التأييد المادي والمعنوي حتى ينكفئ عن أرضهم العدو الشيوعي. ونفهم طبعًا لماذا يجب أن نتعاطف مع إخواننا في فلسطين المحتلة، ونفهم بأن واجبنا الديني تجاههم هو التأييد المادي والمعنوي حتى تتحقق عودتهم إلى بلادهم بإذن الله. ونفهم وجوب التعاطف والتأييد لكل الشعوب الإسلامية المقهورة. نفهم كل ذلك. لكن الذي لا نستسيغه ولا نقبله هو هذا «الخبط والخلط» الذي يقع فيه بعض الأقلام الإسلامية في عملية عشوائية «للتحليل السياسي». وكون بعض هذه الأقلام تفهم في العلم الشرعي، فهذا لا يعني أنها تفهم في كل شيء وكل شأن وخاصة في السياسة والتحليل السياسي. إن ما يكتبه البعض في الصفحات الدينية في الصحافة الكويتية حول بعض الشؤون السياسية بات أمرًا يدعو للتندر ونتمنى على هذه الأقلام أن تكتب في المواضيع التي تتقنها وهي المواضيع الشرعية البحتة وكفاية فضايح.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل