; الإسلاميون والمعركة الانتخابية | مجلة المجتمع

العنوان الإسلاميون والمعركة الانتخابية

الكاتب د. عبد الله فهد النفيسي

تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

مشاهدات 17

نشر في العدد 509

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 30-ديسمبر-1980

ستعيش البلاد خلال الأسابيع القادمة فترة حافلة بالنشاط الانتخابي الذي سيؤدي بدوره -بإذن الله- إلى مجلس تتمثل فيه كافة قطاعات الشعب الكويتي. ومن طبيعة النشاط الانتخابي الخوض في القضايا العامة: نقاشًا وتحليلا. ومن أهم وأبرز متطلبات النجاح في النقاش والتحليل ومحاولات الاستقطاب والاستدعاء السياسي هو حسن الطرح للقضايا وحسن الصلة بالناس وتحريك قوة المؤازرين في المكان المناسب، وكذلك الوقت المناسب. لذلك يتوجب على الفئة الناشطة في الانتخابات أن تدقق كثيرًا في كيفيات طرح نفسها على الناخب، وتخير الوسائل الملائمة لتراكيبه النفسية والعقلية والتعليمية والاجتماعية وعدم زج الناس في قالب واحد من التعامل، ذلك أن الناس، وهذه حقيقة موضوعية محفورة في صدر الزمان -يختلفون فيما بينهم من حيث التماسك النفسي والعقلي والتعليمي والاجتماعي، والإسلاميون وأنصار الدعوة الإسلامية مطالبون في كل الأوقات والفترات وبالأخص في هذه الفترة أن يعوا متطلبات نجاحهم، ويحسنوا التفاعل معها، خاصة وأن الساحة المحلية باتت لسبب أو لآخر- مكتنزة بالمرشحين لانتخابات مجلس الأمة، وأصبح المرشح في الكويت هذه الأيام تمامًا مثل الزعتر البري المنتشر في كل مكان. في فترة هذه خصائصها يتوجب على الإسلاميين أن يعوا عدة أمور:

1- لا تزال الفطرة الإسلامية كامنة في نفوس الناس رغم ضغوط الجاهلية الحديثة وفتنها ومؤثراتها. وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن الناس -في عمومهم- اليوم، وإن كانوا قد خرجوا عن دائرة التكاليف الإسلامية وأخلاقها وآدابها، إلا أنهم -ولله الحمد- لا زالوا يؤمنون بالله وسائر أصول الإسلام. وهذا يعني أنهم من الممكن أن يستجيبوا للإسلام، وينصاعوا لتعاليمه إذا ما تم تحرير فطرتهم من أغلال الجاهلية الحديثة وضغوطها ومؤثراتها.

إن السر في إعراض الناس عن الله وعدم التزامهم بتكاليفه وتعاليمه إنما يكمن في مدى ما يحيط بفطرتهم من ركام الجاهلية ومتاعها، فكلما ازداد هذا الركام حول الفطرة كلما ازداد الناس بُعدًا عن دين الله، وكلما خف هذا الركام، وتلاشى، كلما اقترب الناس من الله. فموقف الناس اليوم -في عمومهم- من الإسلام والحركة الإسلامية في حقيقته ليس موقفًا عقائديًّا ينبع من كرههم للإسلام وتكاليفه وتعاليمه وعدم قبولهم به عقيدة ونظام حياة، إطلاقًا، إنما هو في طبيعته موقف نابع من الواقع الجاهلي ومدعوم بفتنه وضغوطه ومؤثراته. ألا تلاحظ أخي القارئ تلك الشفافية التي تميز أغلظ الناس عندما يكون مثلا معتمرًا يسجد لله في مكة السر يكمن في أنه هناك قد جمد عن طواعية كل ضغوط وفتن ومؤثرات الجاهلية الحديثة. وهذا الأمر ينفي بلا شك ذلك التصور الخاطئ الذي يشيعه البعض في ساحة العمل الإسلامي والذي يحاول أن يثبت أن الناس -في عمومهم- ضد الإسلام.

2- على الإسلاميين أن يعوا أن معركتهم في هذه الحياة ليست معركة انتخابية خاضعة للمد والجزر السياسيين، وأن معركتهم الأساسية شاملة وبعيدة المدى تتجاوز هذا الحادث والناجز بين الناس وأنها -أي المعركة- قد تستغرق كل التاريخ البشري المغمور في عمر الغيب. وأن نشاطهم الانتخابي ما هو إلا وسيلة -مجرد وسيلة- لفتح منابر جديدة لدعوة الله في هذا البلد ومحاولة جادة وعملية لاختراق العقل العام فيه وتأسيس علاقات جيدة ومتينة مع كل قوى وفئات هذا المجتمع الكويتي الصغير. وأن الغرض من كل ذلك أكل العنب لا قتل الناطور. وعليه إذن ينبغي أن توضع هذه المعركة الانتخابية في سياقها التاريخي الصحيح وعدم الركون والاطمئنان لها مهما كانت نتائجها إيجابية وعدم السقوط في هاوية الإحباط مهما كانت نتائجها سلبية.

3- على الإسلاميين أن يعوا أنهم ليسوا القوة الشعبية الوحيدة التي تتحرك في هذا البلد. ثمة قوى شعبية أخرى قد تتفق، وقد لا تتفق معهم كقوة إسلامية. وثمة تيارات واتجاهات وأفكار وآراء مبثوثة في أوساط الناس وهي حصيلة قرون من الغزو الفكري والحضاري الغربي والشرقي الذي شمل المنطقة العربية جميعها، فليس من المتوقع -بل- ليس من المعقول أن تتخلى هذه القوى عن أفكارها وآرائها غير الإسلامية والمغروسة عبر القرون في أرض المنطقة خلال أشهر قليلة أو سنوات قليلة، دع عنك في أسابيع قليلة. لذا ينبغي على الإسلاميين التحصن بالصبر والمثابرة وإفساح الصدور للنقاش والحوار والحجة في إطار من المحبة للناس ومصلحة الناس.

4- على الإسلاميين أن يعوا أن هذا المجتمع -كأي مجتمع آخر- له قضاياه العامة، وأن عليهم -شاءوا أم أبوا- أن يقنعوا الناس بأن موقفهم من تلك القضايا تستهدف مصلحة الناس -جميع الناس- وأن هدفهم النهائي في الأمر كله هو تحقيق العدل بين الناس امتثالا لقول الله تعالى في سورة الحديد: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ﴾ (الحديد: 25).

فإذن على الإسلاميين أن يعوا أنه كيفما يكون موقفهم من قضايا الناس كان موقف الناس منهم، فإن تجاهلوا قضايا الناس تجاهلهم الناس، وإن نظروا في قضايا الناس نظر الناس إليهم.

5- على الإسلاميين في هذا البلد أن يعوا أيضًا أنهم الفئة الإسلامية الوحيدة في العالم العربي التي تتاح لها فرصة المشاركة في انتخابات عامة في وقت تعيش فيه معظم الشعوب العربية حالة محزنة من الاستلاب التام، وفي وقت صارت فيه الدعوة إلى الإسلام «تهمة» تبرر ما يتبعها من مجازر ومذابح وهتك أعراض واغتصاب أموال وإذابة للجثث في أحواض الأحماض المركزة. فعلى الإسلاميين أن يثمنوا ذلك، ويحمدوا الله على ذلك، ويفعلوا كل ما يمكن فعله -في حدود الشرع- للمحافظة على ذلك.

6- على الإسلاميين أن يعوا وعيًّا تامًّا الظروف السياسية والعسكرية التي تمر بها منطقة الخليج والجزيرة وانعكاسها اليومي على هوامش النشاط السياسي والدعوي في هذا البلد، ولذا فينبغي أن «نمد الرجل على قدر اللحاف» وإلا فإن موازين الأمن الاجتماعي ستشهد -لا قدر الله- رجة لا تحمد عقباها، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار تطلع العديد من القوى الخارجية واستعدادها لتأزيم العلاقات الداخلية ضمن المنطقة بل ورغبتها في ذلك.

7- وعلى الإسلاميين أن يدركوا أن النجاح في الدخول إلى مجلس الأمة لا يعني النجاح فيه، فتلك قضية أخرى تمامًا. ولذلك نقول قد ينجح الإسلاميون في الدخول إلى مجلس الأمة، لكنهم قد لا ينجحون في عملهم داخل مجلس الأمة ما لم يتحاوروا -من الآن- فيما بينهم حول الأولويات التي سيتبعونها في مجلس الأمة في حالة فوز بعض مرشحيهم. كما ينبغي أن يتحاوروا في طبيعة العلاقات السياسية التي سيسعون لتكريسها داخل مجلس الأمة وما هي القضايا الأساسية التي سيسعون لتحريكها فور وصولهم للمجلس وما هي القضايا الثانوية أو الفرعية التي تحتمل التأجيل، وهل نشاطهم داخل مجلس الأمة سيمتص النشاط داخل المجتمع الكويتي الأوسع. أسئلة كبيرة تحتاج لإجابات واضحة من الآن كيما تكون المسيرة النيابية الإسلامية واضحة. فهل فكّر الإسلاميون في ذلك؟ وهل وصلوا إلى الإجابات المطلوبة؟ نسأل الله أن يوفقهم في كل حال.

الرابط المختصر :