; أبو بكر الصديق وإدارة الأزمات (۳) اختيار الخليفة | مجلة المجتمع

العنوان أبو بكر الصديق وإدارة الأزمات (۳) اختيار الخليفة

الكاتب عبد السلام الهراس

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

مشاهدات 17

نشر في العدد 1317

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

كانت أول أزمة واجهها أبوبكر هي أزمة موت الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عرضنا لها في الحلقة السابقة أما الأزمة الثانية فكانت اختيار الخليفة من المعلوم لدى الجميع أن الأنصار - رضوان الله عليهم . ما أن سمعوا بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى بادروا بالاجتماع في سقيفة بني ساعدة، ليتداولوا في أمر خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رأيهم أن يولوا سعد بن عبادة أمر المسلمين، بعدما أسمعهم كلامه الموجب لولاية الأنصار دون غيرهم، لكنهم مع ذلك كما يقول الطبري: ترادوا الكلام بينهم فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده، فقالت طائفة منهم فإنا نقول: منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدًا، فقال سعد: هذا أول الوهن.

وقد بلغ عمر خبر الأنصار فأسرع إلى أبي بكر يحثه أن يخرج إليه من دار رسول الله له فأخبره بما يجري في السقيفة، حيث يريد الأنصار أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة، وأحسنهم مقالة من يقول: منا أمير ومن قريش أمير، فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن الجراح فتماشوا ثلاثتهم حتى دخلوا على القوم وهم يتداولون في أمر الخلافة وقد حاول عمر - رضي الله عنه - أن يتكلم، غير أن أبا بكر بادر إلى الكلام وخاطب الأنصار، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره البداية (٢٤٧/٣).

وقد ساعده على بلوغ هدفه من إطفاء الفتنة وإقرار الشرعية لقريش وجود خلاف خفي في صف الأنصار، فهناك بعض الأوس قالوا لبعضهم وفيهم أسيد بن حضير أحد النقباء: والله لئن وليها الخزرج عليكم مرة ما زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة. ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبًا أبدًا، فقوموا فبايعوا أبا بكر (الطبري: ۲۰۹).

كما أن أبا عبيدة أمين هذه الأمة عندما رأى بعض القوم مصممًا على الدفاع عن أحقية الأنصار في الإمارة دون قريش خاطبهم بقوله: «يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغير».

وهنا قام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال: «يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا إلا رضا ربنا وطاعة نبينا، والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضًا، فإن الله ولي المنة علينا بذلك، ألا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم من قريش، وقومه أحق به وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدًا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم».

فلما رأى أبو بكر - رضي الله عنه - أن عناصر مهمة من الأنصار اقتنعت بخطابه، ومالت إلى رأيه بادر إلى الفعل إثر كلمة بشير - رضي الله عنه - فقال للحاضرين - وكلهم من الأنصار - هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا، قالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله في الصلاة، والصلاة أفضل دين الإسلام، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك...... فكان أول المبايعين بشير - رضي الله عنه - قبل عمر - رضي الله عنه - وقبل غيره من الأنصار والمهاجرين، وفي ذلك قال حسن كما لا يخفى، وأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر حتى كادوا يطؤون سعد بن عبادة ... وقد اشتد عمر - رضي الله عنه - على سعد - رضي الله عنه - وتبادلا كلامًا متوترًا .... فالتفت أبو بكر - رضي الله عنه - إلى عمر وقال له: مهلاً يا عمر الرفق ههنا أبلغ.

إن تدخل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- كان يتسم:

۱ - بالظرف الملائم قبل أن تتأزم الأمور.

2-  بالمنطق السليم والقاصد.

3- بالرفق والاتزان.              4- بالتجرد من المصالح الذاتية.

وكان لشخصيته ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأثر الكبير، بالإضافة إلى تعقل وبعد نظر بعض الأنصار الذين رأوا أن إسناد الخلافة إلى الأنصار ليس لها ضمانة قوية تجعلها مقبولة لدى المسلمين بعامة وقريش بخاصة، كما أنه من المحتمل أن تستبد بها الأوس فلا تجعل فيها نصيبًا للخزرج مما قد يعيدها فتنة جذعة كما كانت في الجاهلية.

إن توفيق الله كان ملازمًا لما قام به أبو بكر - رضي الله عنه - إذ نجح في إرساء مبدأ مهم من مبادئ نظام الحكم في المجتمع الإسلامي في وقت وجيز وبأسلوب حكيم، وبحسم فاصل وواضح وبذلك أطفأ بوادر فتنة كان من الممكن أن يكون لها أوخم العواقب، كما سد منافذ أي طموح آخر أو رأي مخالف، واتحد المسلمون واتجهوا معتصمين بحبل الله جميعًا لتجهيز رسول اللهصلى الله عليه وسلم. 

ومن أهم ما يلاحظ هنا أن أمر خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمن المجتمع الإسلامي بإقامة نظام يضمن الاستمرارية للمجتمع واستقراره سبق ما يتصل بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه.. يقول ابن كثير: فقد اشتغل الناس ببيعة الصديق بقية يوم الإثنين وبعض يوم الثلاثاء، فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله الله مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - (البداية ٢٦٠/٣).

الأزمة الثالثة: مدفن الرسول صلى الله عليه وسلم:

هذه أزمة عابرة لم تلفت الأنظار، ولكنها في الواقع حدثت دون حدة أو جدل متشعب فقد اختلف المسلمون في دفنه، فقال قائل: ندفنه في مسجده، وقال قائل بل ندفنه مع أصحابه في البقيع ، وربما أشار بعضهم بدفنه بمكة، المهم أن الاختلاف وقع في مكان دفنه وكذلك في كيفية الدفن، فحسم أبو بكر الاختلاف الأول بإيراده نص الحديث الذي يتصل بهذا الموضوع فقال: سمعت رسول الله يقول: «ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض، فرفع فراش رسول الله له الذي توفي عليه فحفر له تحته» (ابن هشام ٢٦٣/٤ وبهامشه الروض الآنف)، وقد روي هذا الحديث بروايات وصيغ أخرى. (انظر البداية ٢٦٦/٣)، والطبقات الكبری، (٢٤٢/٢ – ٢٤٤).

الأزمة الرابعة: إنفاذ جيش أسامة:

قال محمد بن إسحاق: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية وصار المسلمون كالغنم في الليلة الشاتية لفقد نبيهم، حتى جمعهم الله على أبي بكر - رضي الله عنه-

قال ابن هشام حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله الله هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد عامل مكة، فتوارى، فقام سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله ، وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به وظهر عتاب بن (أسيد ابن هشام٢٤٤/٤، البداية (٢٧٤/٣).

كما نجم النفاق بالمدينة وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وثبتت ثقيف بالطائف على الإسلام لم يفروا ولم يرتدوا، كما ظهر الأدعياء والمتنبئون الذين أعلن بعضهم ذلك في حياة رسول الله ، في هذه الظروف الدقيقة والخطيرة كان جيش أسامة ما يزال بعد الخندق ينتظر الأوامر الجديدة، وربما كان أسامة نفسه يود لو يعود بهذا الجيش لحماية الدولة الفتية، فقد أرسل أسامة عمر بن الخطاب يستأذنه في الرجوع بالجيش إلى المدينة، معللاً ذلك بأن معه وجوه الناس، ولا يأمن على خليفة رسول الله وعلى المسلمين أن يتخطفهم المشركون المتمردون والمرتدون، وكان هذا الاتجاه هو رأي جل الشخصيات المحيطة بأبي بكر، فكان رده قويًا وصريحًا وحاسمًا: «لو خطفتني الكلابوالذئاب لم أرد قضاء قضی به رسول الله» . 

وكان أبو هريرة يقول: «والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله الله وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا: يا أبا بكر رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة، فقال: والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله ما رددت جيشًا وجهه رسول الله، ولا حللت لواء عقده رسول الله، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام»(البداية: ٣٦٨/٣).

ثم رأى بعض الأنصار أمام إصرار أبي بكر على إنفاذ جيش أسامة، الذي أرسله الرسول قبيل وفاته أن يلتمس منه تغيير القائد أسامة، فقالوا لعمر: قل لأبي بكر فيؤمر علينا رجلاً أقدم سنًا من أسامة، فلما بلغه ذلك وثب أبو بكر وكان جالسًا فأخذ بلحية عمر فقال: ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه؟! أو قال: أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!

وهكذا استطاع هذا الجيش أن يمنع تلك القبائل المشرئبة للثورة والتمرد أن تنجز ما كان يجول في خاطرها وتهمس به فيما بينها .

الأزمة الخامسة:

محاربة المرتدين ومانعي الزكاة:

«في حياة رسول الله الله ظهر بعض المتنبئين مثل الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، فلما توفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب ونجم النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة، والتف على طليحة الأسدي بنو أسد وطيئ وبشر كثير أيضًا، وادعى النبوة أيضًا كما ادعاها مسيلمة الكذاب وعظم الخطب واشتدت الحال.. وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق». (البداية (٣١١/٦).

يقول محمد بن إسحاق: «ارتدت العرب عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا أهل المسجدين مكة والمدينة وارتدت أسد وغطفان وعليهم طليحة ابن خويلد الأسدي الكاهن وارتدت كندة ومن يليها وعليهم الأشعث بن قيس الكندي، وارتدت مذحج ومن يليها وعليهم الأسود العنسي الكاهن وارتدت ربيعة مع المعرور بن النعمان بن المنذر وكانت حنيفة مقيمة على أمرها مع مسيلمة بن حبيب الكذاب وارتدت سليم مع الفجاءة واسمه أنس بن عبد يليل، وارتدت بنو تميم مع سجاح الكاهنة». (البداية٣١٦/٦).

ولكل متمرد قواده الكبار وجيشه العرمرم، وقد كان هناك قبائل كثيرة تتربص منتظرة لمن تكون الغلبة، وكانت أميل إلى التمرد، وكان أهم جيش عند الخلافة الوليدة قد بعثه أبو بكر بقيادة أسامة ابن زید - رضي الله عنه - المنازلة الروم.. في هذه الظروف الصعبة والدقيقة لم يجد بعض الصحابة بدءا من اللجوء إلى مسالمة مانعي الزكاة، ماداموا يقرون بالصلاة وباقي الأركان الإسلامية.

يقول ابن كثير: «وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، وقد روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجة عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: «علام تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: له أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا ما قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقاً - وفي رواية عقالاً - كانوا يؤدونه إلى رسول الله الله لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق» (البداية: ٣١١/٦).

هنا يتجلى فقه أبي بكر والتزامه لروح الإسلام وحسن الموافقة والإتباع إذ كان في سعة من أمره ويتألف بعض القبائل ويداري بعضها الآخر، ويلين لهؤلاء ويشتد على أولئك، ولكنه أدرك بثاقب فكره ونفاذ بصيرته أن الموقف يقتضي الحزم والحسم والعزم والمواجهة بالسلاح، وأن لديه من القوة رغم قلة عددها وكونها وسط البحار الزاخرة من القبائل ما يضمن له النصر.

فهذه القوى يتوافر فيها الإيمان الصادق والانضباط المحكم، والتنظيم الدقيق والالتحام الكبير والحماسة الملتهبة الحريصة على الجنة والثقة الكاملة في ربها وفي رسولها صلى الله عليه وسلم، والانقياد لخليفتها .. لذلك ما أن أصر أبو بكر على رأيه حتى تبدى للصحابة ومن أبرزهم عمر بن الخطاب أن الحق في جانب الخليفة، وأن حجته واضحة وقوية. 

كما أنه لم يقل رأيه واستكان إلى سدة حكمه، بل لجأ إلى التدبير والتنظير والاستعداد، ومن أهم ذلك جعل الحرس على أثقاب المدينة، والزم أهل المدينة بحضور المسجد، وقال: «إن الأرض كافرة وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون ليلاً يأتون أم نهارًا، وأدناهم منكم على ما يريد، وقد كان القوم يؤملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم فاستعدوا وأعدوا ....».

وكذلك كان، وبدأت المعارك بين الأعراب وبين المسلمين بقيادة أبي بكر، وقد حقق الجيش الإسلامي انتصارات على المتمردين والمرتدين، حتى وصل أبو بكر في مطاردة المغيرين بقيادة حبال بن طليحة حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح وذل بها المشركون وعز بها المسلمون. (البداية ٣١٢/٦ - ٣١٣). 

وقد أصر الصديق على أن يقود الجيوش بنفسه بعد معركة ذي القصة، غير أن الصحابة - رضوان الله عليهم - ومنهم علي - كرم الله وجهه - ألحوا عليه في أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيرهم ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية لأحد عشر أميرًا. (البداية ٣١٤/٦ - ٣١٥).

ومن هنا انطلقت طلائع النور وجيوش التوحيد لإخماد الفتن ولردع المتنبئين وإنزال العقاب بالمرتدين المعتدين الذين قتلوا المسلمين ظلمًا وعدوانًا، ممن كانوا يساكنونهم ولا حول لهم ولا قوة، وتدشين الفتوحات الإسلامية التي اكتسحت الشام والعراق وغيرهما.

ولو أن الصديق - رضي الله عنه - فرط فيالحبل أو العناق لانهارت الدولة الإسلامية الوليدة ولانتهى الإسلام في مهده، لأن من أنكر الزكاة وهي من أركان الإسلام وقواعده الخمس أوشك به غدًا أن يطلب التخلي عن الحج والصيام والصلاة، وعن التشريعات الاجتماعية وغيرها، وتصبح حتى الركيزة الأولى وهي الشهادتان معرضة للإنكار والتحوير والتغيير حسب أهواء تلك القبيلة أو هذه ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ﴾ (سورة: المؤمنون آية: ۷۱)

وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم صواب موقف أبي بكر، بل وضرورته لما فيه من إنقاذ المسلمين، وحماية للدعوة الإسلامية من الانهيار قال عبد الله بن مسعود : لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا كدنا نهلك فيه، لولا أن الله من علينا بأبي بكر، أجمعنا على الا نقاتل على ابنة مخاض وابنة ليون ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، فعزم الله لأبي بكر على قتالهم، فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية الكامل ( لابن الأثير٢٢٦/٢ - ٢٢٧).

وعن أبي رجاء العطاردي قال: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل ويقول: أنا فداء لك، لولا أنت هلكنا، فقلت من المقبل ومن المقبل؟ قال: ذاك عمر يُقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة، إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين. (صفة الصفوة ٢٥٠/١).

إن سر عظمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حرصه الشديد على الاتباع، وتوخي التزامه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نصًا وروحًا وقد أكرمه الله بالتفقه في الدين والواقع وحسن الفهم، والتحلي بالحكمة والتبصر، والتحكم في أهوائه ونفسه وإرغامها على متابعة الحق حيث كان، والحكمة حيث وجدت، لذلك كان يلين في محل اللين، ويشتد في محل الشدة، ويغضي عند اقتضاء الإغضاء، ويرد حيث يكون الصواب هو الرد.. وقد أحاط نفسه بعقول كبرى، ونفوس عظمي، ينتظم الجميع إيمان صادق ومحبة متبادلة خالصة وتجرد من الأهواء والنزوات رضي الله عنهم جميعًا.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 28

26

الثلاثاء 22-سبتمبر-1970

نشر في العدد 49

61

الثلاثاء 02-مارس-1971