العنوان أحاث السودان والأخطار الاستراتيجية
الكاتب محمد الراشد
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997
مشاهدات 12
نشر في العدد 1238
نشر في الصفحة 15
الثلاثاء 11-فبراير-1997
قد يكون في خطاب جون قرنق الزعيم العسكري للنصرانية المعارضة في جنوب السودان، والصادق المهدي الذي يتزعم بدوره جوقة المعارضة السياسية ما يحفز بعض الساسة العرب والغربيين للمراهنة والإقدام بثقة لدخول مخاطر الوحل السوداني في الجنوب والشرق، ولكن ثمة أخطار إستراتيجية بارزة في أحداث السودان المتصاعدة والتي مضى عليها ما يقارب الشهر، ولست بصدد تحديد الموقف من طبيعة النظام الحاكم في السودان، فالنظام السوداني له وعليه وهو لا يختلف عن أي نظام يسعى لتدعيم موقفه، إلا أن ما يهمنا هو الخطر العام الذي يحيط بالأمة الإسلامية في تلك البقعة من القارة الإفريقية، ونتأمل كثيرًا من أن يتخطى السياسيون غلبة صورة الخلاف من اجل تفادي مخاطر الموقف العام.
إن طبول الحرب مهما علت فإنها لن تعمي أحدًا عن إدراك تلك المخاطر، وإن استمرار اشتعال الحرب في جنوب السودان وشرقه الحدودي مع إريتريا وإثيوبيا ليمثل خطرًا واضحًا مما يساند في تنصير الإستراتيجية المحيطية الإسرائيل، والتي دأبت على تنفيذها في مراحل عديدة من نشوئها، بدءًا من أواخر الخمسينيات عندما شكلت حلفًا سريًّا بعلم الولايات المتحدة مع تركيا وإثيوبيا وإيران لتطويق الدول العربية المحيطة بها، وتتابع إسرائيل نجاحاتها في هذه السياسة حاليا بتطوير اتفاقها مع إريتريا، وإثيوبيا، وأوغندا لتطويق السودان بسبب سياساته المعارضة لاتفاقيات التطبيع، وتطويق مصر كدولة عربية مركزية في الصراع غير المأمون في المستقبل، فالسيطرة على منابع النيل، وتوقيع اتفاقيات تبادل معلومات ودعم لوجستي ودفاع إستراتيجيتها، وتدريب مع إثيوبيا وإريتريا ودولة جنوب السودان المأمول إنشاؤها بعد اقتطاع الجنوب السوداني، كل ذلك سيسهل مهمة إسرائيل في خلق صراعات سياسية مع الدول العربية والدول الإفريقية المحيطة بها، أما الدول العربية المطلة على البحر الأحمر فستواجه : تطويقا إستراتيجيا أيضًا عندما تنصب إسرائيل أجهزتها الرادارية، وتصبح مدى أسلحتها الإستراتيجية في مدى المدن العربية القريبة منها، وأن سياسة التجاوز ز العدوانية العدوانية التي اتبعتها إريتريا في جزر حنيش مثالًا شاهدًا على ذلك، مما يدخل منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي في صراع على النفوذ والهيمنة والسيطرة الأجنبية، وقد يفكر بعض الساسة العرب والغربيين في التساهل لدعم المعارضة السودانية بشتاتها النصراني والسياسي لإيجاد دولة أو وضع سياسي وعسكري لإسقاط النظام السوداني أو تركيعه لقبول شروط تلك المعارضة وخصوصا فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية وإرساء نظام ديمقراطي مبنِي على التعددية السياسية وإعطاء الجنوب الاستقلال الذاتي، لكن هل ينبغي من أجل ذلك شن حرب عسكرية، وإيجاد دوامة من عدم الاستقرار.
ونتساءل في عجب أليس هناك مخاطر في الاستماع لأفكار المعارضة في عزل الجنوب والشرق الحدودي للسودان، ولاشك أن الدول النصرانية المحيطة بالسودان تدخلت على أقل تقدير بدعم لوجستي بالدعم المادي والتدريبي لقوات جون قرنق الصليبي والمهدي ومعارضته السياسية، مما يشكل خرقا في سياسة دعم غزو خارجي لسيادة دولة معترف بها دوليًّا، وحقيقة أخرى أن الشعب السوداني قد ازداد ارتصاصه حول نظامه لإدراكه خطورة ذلك الغزو الإفريقي، ومن المهم بمكان من جانب آخر أن محاولة إسقاط النظام السوداني تصطدم بمعادلات صعبة من أهمها أن النظام السوداني يرتكز على قوميتين صلبتين على أرض الواقع؛ الأولى قوة الجيش السوداني الذي لا يزال على ولائه للنظام، والثانية أن هذا النظام مدعوم من جبهة شعبية عريضة تحت يدها ما لا يقل عن مليون مقاتل، وأنه يصعب المراهنة على معارضي النظام (قرنق، والمهدي) في إسقاط النظام أو ربما على أقل تقدير اشتعال حرب أهلية في السودان تطالب بمستحقاتها من دول الجوار إذا ما تطورت مستقبلًا، ولقد شهدت المنطقة العربية ثمة صراع بين قوى السلطة وتيارات شعبية في حروب أهلية مدمرة في الجزائر، والصومال، ولبنان والعراق، فلم تفلح قوى المعارضة في الاستئثار بالسلطة، بل عكست آثارها على الدول العربية جميعا، وقد تقوم دولة في الجنوب أو ينشا وضع سياسي وعسكري جديد في جنوب السودان، فإن ثمَّة حرب دائمة ومستمرة على تلك الجبهات ستجر دول المنطقة إلى صراع هي في غنًى عنه لو حسم الأمر في بدايته واتبع الحل السياسي، والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: هل تملك المعارضة الشرعية في تغيير النظام إن حجة المعارضة في أن تطبيق الشريعة أثار دولًا إفريقية مجاورة، إنما هو حجة باطلة، لأن تطبيق الشريعة يمثل رأي الأغلبية المسلمة في السودان، فلماذا تفرض أقلية نصرانية رأيها على الأغلبية المسلمة في السودان أليس ذلك يتعارض ومبادئ الديمقراطية، ومسألة أخرى أخطات فيها المعارضة وهي التوسل بالقوة لتغيير النظام، فالمعارضة تأخذ على البشير ونظامه أنهم أخذوا السلطة بالقوة، فهل الاستعانة بالدعم المادي واللوجستي والعسكري والميداني والتدريبي، وهو نوع من التوسل بالقوة يصبح شرعيًّا للمعارضة لقد وقعت المعارضة في نفس الخطأ وهي أنها لجات للقوة لتغيير النظام، وبذلك أعطت للنظام المبرر لمواجهتها والتخوف منها مستقبلا، مما وضع المهدي والسياسيين معه في سجل الخونة لبلدهم والمراهنة على سياسيين يعتبرون في نظر الشارع السوداني قد أسقطوا لاستعانتهم بالأجنبي النصراني الذي قتل أبناءهم وحارب جيشهم، وحاصر مدنهم التي تمدهم بضروريات الحياة من الماء والكهرباء، فيبدو أن موقف المعارضة أصبح صعبًا في الداخل ولا يلقى قبولًا شعبيًّا.
وربما يخضع البعض لمبررات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من أن السودان دولة إرهابية بحجة أنها تأوي أفرادًا إرهابيين يعدون على أصابع اليد، فقد يكون النظام قد وقع في أخطاء سياسية وقانونية، إلا أن ذلك لا يبرر سياسة الحصار للشعب السوداني بسبب ثلاثة أو أربعة إرهابيين، وهل تذكر الولايات المتحدة مثلًا أنها استقبلت جيري أدمز زعيم الإرهاب للشين فين، في حين تعتبره بريطانيا زعيم الإرهابيين.
إن الحقيقة القائمة هي أن النظام السوداني محارب حاليًا بسبب أنه يتبنى سياسات إسلامية وعلى رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية ، وهذه قضية داخلية لا يجب إدخالها تحت منبر أخطاء النظام السوداني أو معارضة السودان لاتفاقيات التطبيع، فهناك دولًا عربية معارضة لهذه الاتفاقيات أيضا، وإذا ما صح نقله عن وكالات الأنباء من أن المخطط في أحداث السودان مازال مستمرًا وهو اقتطاع جنوب السودان ووضع النظام السوداني أمام الأمر الواقع عن طريق تنسيق بين الولايات المتحدة وبريطانيا ودول إفريقية مثل أوغندا، وإريتريا، وإثيوبيا، مما يساند في تشكيل حاجز إستراتيجي لهذه الدول الإفريقية من تجاوزات الشمال المسلم، ومكسبًا إستراتيجيا مهما لإسرائيل ولهذا فإن حرب الاستنزاف قادمة لا محالة للسودان، مما ينذر بوضع المنطقة العربية في البحر الأحمر في حالة المستقبل المجهول، ولهذا فإن المبادرة العربية السريعة والعاجلة لتطويق الأحداث باتت مهمة من أجل إيجاد حل سياسي منصف، وإلا فإن الأمر قد يخرج من نطاق السيطرة لتصبح بيد التدخلات الأجنبية والتي لا يمكن ضبطها مستقبلًا وهي مكلفة في نتائجها على المنطقة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلدراســـــات فـي التطبيـــــع مع الكيـــــان الصهيونـــــي
نشر في العدد 2176
43
الأربعاء 01-فبراير-2023