العنوان أخطاء الغرب الفادحة في البوسنة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995
مشاهدات 37
نشر في العدد 1152
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 06-يونيو-1995
دخلت الحرب الدائرة في البوسنة والهرسك مرحلة جديدة بداية الأسبوع الماضي، جعلت الدول الغربية - لا سيما فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة - تعتمد أحداث البوسنة ضمن أولويات اهتمامها، ليس من ناحية تصاعد جرائم الصرب ضد المسلمين في أنحاء البوسنة، خاصة في توزلا وجيب بيهاتش، وإنما لقيام الصرب باحتجاز أكثر من مائة جندي تابعين لقوات الحماية الدولية يتبعون فرنسا وبريطانيا، واستخدامهم كدروع بشرية ورهائن يهددون بها حلف الأطلسي والغرب إذا أقدم على أية ضربات جوية عسكرية جديدة لمواقع الصرب، وكانت جريمة الصرب الأخيرة هذه هي الجزاء غير المتوقع الذي تلقاه الغرب المتواطئ مع جرائم الصرب ضد المسلمين من البداية، أما رد الفعل الغربي فقد كشف عن السياسة الغربية المقيتة التي يتعامل بها الغرب مع قضايا المسلمين ودمائهم، فالاحتجاجات التي صدرت من الغرب لقيام الصرب بقتل أكثر من مائة مسلم في توزلا لم تعادل الاحتجاجات التي صدرت أو الاجتماعات التي عقدت لاحتجاز بعض قوات الأمم المتحدة في البوسنة كرهائن.
فحينما قتل الصرب جنديين فرنسيين في أبريل الماضي أقامت فرنسا الدنيا ولم تقعدها، ودعت مجلس الأمن للانعقاد، وهدد رئيس الوزراء الفرنسي بسحب قوات بلاده من البوسنة ما لم يتم وقف إطلاق النار واتخاذ الإجراءات التي تكفل سلامة قوات حفظ السلام.
وفيما كان رئيس الوزراء الفرنسي يحتج كان وزير الخارجية الأمريكي يحتج أيضًا، لكن ليس على قيام الصرب بقتل عشرات المسلمين، ولكن لأن الصرب رفضوا السماح للسفير الأمريكي في البوسنة أن يغادر سراييفو عن طريق الجو، مما اضطره لاستخدام الطرق الجبلية الوعرة لمغادرة البلاد.
ثم جاءت مسرحية الضربات الجوية ليس للرد على جرائم الصرب ضد المسلمين، وإنما لتعدي الصرب على القوات الدولية، ثم ظهر فصل جديد من المسرحية تمثل في احتجاز الصرب لعدد من قوات الأمم المتحدة ودخول روسيا كطرف مباشر ليساوم مع الغرب على دماء المسلمين وبلادهم، فيما تكتفي الدول الإسلامية كعادتها بالمشاهدة، وتحولت قضية البوسنة في يوم وليلة من قضية عصابات صربية مجرمة ترتكب جرائم بشعة منذ أكثر من ثلاث سنوات ضد شعب مسلم تحت سمع الغرب وبصره، بل ورعايته ودعمه للصرب، إلى قضية رهائن تابعين لفرنسا وبريطانيا يجب تحريرهم ولو أدى ذلك إلى بيع قضية البوسنة بكاملها إلى الصرب.
والأمر هنا أصبح واضحًا أنه لا يتعلق فقط بالكيل بمكيالين إزاء قضية واضحة، بل يتعلق أساسًا بقيمة الشعوب المسلمة مقابل أفراد معدودين ينتمون للدول الغربية، فالمذابح الجماعية، وحروب التطهير العرقي، وانتهاك أعراض المسلمات والحصار والتجويع والإبادة المنظمة لشعب البوسنة المسلم لم تحرك الغرب من قبل بالشكل الذي بدأ يتحرك به في الأسبوع الماضي، حينما مس الأمر أفرادًا معدودين من قواته التي ترعى حرب الإبادة القائمة للمسلمين في البوسنة، وأصبح واضحًا أن وجود القوات الدولية في البوسنة ليس لحماية شعب أعزل منع عنه السلاح ليدافع عن نفسه - بقرارات دولية - وإنما هذه القوات موجودة لحماية مصالح الدول الغربية، وألا يكون هناك حل لهذه القضية يمس مطامعها ومصالحها وأهدافها في البلقان، وإن إذلال الصرب لضباط القوات الدولية على شاشات التلفزة العالمية ليس سوى جزء من الصفقة وفصل من المسرحية الكبرى، مسرحية إنهاء الوجود الإسلامي في قلب أوروبا.
لكن السحر سوف ينقلب في النهاية على الساحر، وإن انتصارات المسلمين الأخيرة في البوسنة سوف تؤدي إلى تغيير كثير من المعادلات والحسابات الغربية، وإذا كانت الحكومات الإسلامية لم تقدم لمسلمي البوسنة ما ينبغي أن يُقدم حتى الآن، فإن الأمل باقٍ في الشعوب المسلمة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل