العنوان أزمة أخلاق
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-أكتوبر-1976
مشاهدات 14
نشر في العدد 321
نشر في الصفحة 31
الثلاثاء 19-أكتوبر-1976
يروى أن خطيبًا قام في قومه يدعوهم إلى البذل والإنفاق في سبيل الله، فأجاد القول وألهب المستمعين حماسة وتضحية.
وكان ابنه يصغي لأبيه وهو يفسر قول الله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ﴾. (آل عمران: 92)
وكأنه يسمعها لأول مرة، وكأن الآية تتنزل عليه من السماء، فملكت قلبه، وامتزجت بدمائه التي تنساب في كل عضو من أعضائه.
ووجد الغلام أن أحب الأشياء إلى نفسه طعام أسرته، فتصدق به لأول سائل يقرع بابهم، وعاد خطيبنا إلى بيته جائعًا منهكًا لشدة ما بذله من طاقات حرارية وهو يزأر ويقفز على المنبر، فما إن استوى جالسًا حتى طلب الطعام، فلم يجده، وأخبره زوجه بالذي حصل.. فاستشاط غضبًا، والتفت إلى ابنه بكل حنق وشدة ليقول له:
«يا أبله نحن نخطب على طعام الناس وليس على طعامنا» وهذه آفة الآفات التي تفتك بعقول الناس وأفعالهم.
يرى أحدنا القذى في عين أخيه، ويغفل عن الجذع في عينيه.
نطالب الآخرين بالاستقامة، ونحن نتيه في سبل معوجة لا نعرف أولها من آخرها.
نشكو من الانحلال وفساد الأخلاق ونحن غارقون في الأوحال.
فالعالم اليوم يعاني أزمة خلقية خانقة، أزمة تتلمس ظواهرها في انتشار دور البغاء، وتقليد الرجال للنساء وبالعكس، وازدیاد عصابات اللصوص وقطاع الطرق، حيث لا يأمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه.
ووصلت الأزمة إلى الصحافة ووسائل الإعلام، فصار أكثرها يدعو إلى الإباحية والتهتك والصور العارية إلى أحاديث الجنس والإجرام والخروج على كل مألوف، والتمرد على كل القيم.
وبين عامة المسلمين تفشت الرشوة، وضاعت الحقوق، وضج الباطل وانتفش، وكثر الغش وساد الكذب، وتمكنت مخالب الدس والنميمة والغيبة من رقاب الناس، فمنا الذين يقولون ما لا يفعلون، ومن بيننا الذين يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلًا، ومن أبناء جلدتنا الذي صدق في وصف قومه:
كلام النبيين الهداة كلامنا
وأفعال أهل الجاهلية نفعل
واهتزت الثقة بيننا، فأنت تسمع حديثًا من رجل فيه العلم والوعي لكنك لا تتفاعل معه، لأنك وأنت تسمع كلامه، تتصور وأنت الأخرى من شخصيته، التي تنز لؤمًا وتفوح بروائح الدس والكذب والوقيعة، وهي روائح تفسد الذوق وتزكم الأنوف.
إنها أزمة عقيدة أصلًا، والأخلاق جزء من إفرازات العقيدة ومعطياتها.
أزمة رجولة وشجاعة وجرأة، ولا تعيش هذه المثل إلا في ظلال العقيدة الوارفة.
حقًا إن الشجرة التي فسد جذرها، لا ينفعها طول الأغصان ولا اخضرار الأوراق، ومستقبلنا -على ما نحن عليه- كمستقبل الثمار النضرة إذا بقيت بعد أوانها.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا، ولن نستطيع تغيير هذا الواقع المؤلم إلا عندما تحدث تغييرًا جذريًا في نفوسنا، ولا نطالب غيرنا بحاجة إلا بعد أن نلتزم شخصيًا بها.
لن نستطيع تغيير هذا الواقع، إلا عندما نتأسى بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي جاء وصفها في القرآن الكريم بقوله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾. (القلم: ٤)
ومما قاله المفسرون في هذه الآية: على خلق، على دين عظيم كما قال ابن عباس ومجاهد.
وقال قتاده: هو ما كان يأتمر به من أمر الله، وينتهي عنه مما نهى الله عنه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضى الله عنها- في تفسير هذه الآية: إن خلقه كان القرآن:
فالقرآن العظيم بما فيه من آيات وعبر، وما حواه من دروس وشرائع تمثل في أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وسئلت عائشة -رضى الله عنها- عن خلقه -عليه السلام-، فقرأت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المؤمنون: 1) إلى عشرة آيات، وقالت: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾. (القلم: ٤)
ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- منه الحظ الأوفر، وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه وبذل المعروف، وكف الأذى.
وفي سورة القلم بعد الحديث عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي هي نموذج للأخلاق الإسلامية، يعرض القرآن الكريم نتفًا من أخلاق المشركين الذميمة:
﴿وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلِّۢ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ﴾ (القلم: ١٠ - ١٦)
من أخلاق رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-:
حفظ الله رسوله قبل النبوة، فعاش حياته صادقًا أمينًا، لم يسجد لصنم، ولم يعرف لسانه السباب والشتم، ولم يشارك قومه في عبثهم ولهوهم.
وجاءت النبوة فصعدت هذا الخلق الكريم ضمن إطار العقيدة الشاملة، وصار صلى الله عليه وسلم قرآنًا يسير على هذه الأرض، وصدق فيه قوله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾.(القلم: ٤)
﴿مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ﴾. (الفتح: ٢٩)
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. (التوبة: 128)
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. (آل عمران: ١٥٩)
﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾. (التكوير: ١٩)
ومن الأحاديث النبوية:
«بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». (رواه أحمد والبزار والبغوي)
قال أنس: «كان رسول الله أحسن الناس خلقًا». (رواه الشيخان)
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: «ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منتصرًا من مظلمة ظلمها، ما لم تكن حرمة من محارم الله، وما ضرب بیده شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما ضرب خادمًا ولا امرأة». (رواه الشيخان)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه». (رواه مسلم)
وخلقه الذين فطر عليه -صلى الله عليه وسلم-، كان واحدًا في بيته وبين أهله وإذا خرج لأصحابه:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». (رواه مسلم)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن الأقرع بن حابس أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدًا منهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنه من لا يرحم لا يُرحم». (رواه مسلم).
وكان رحيمًا سمحًا جوادًا مع خدمه:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرجت حتى أمر على الصبيان، وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أنيس اذهب حيث أمرتك» قال: قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعته: «لم فعلت كذا وكذا؟» أو لشيء تركته: «هلا فعلت كذا وكذا؟». (رواه مسلم)
وإذا كان بعض الناس ينتفخ كبرياء إذا أوتي وظيفة كبيرة في الدنيا، فرسول الله -صلي الله عليه وسلم- زاد عفوًا وسماحةً بعد أن أصبح رئيس دولة في المدينة، ودانت له الجزيرة: عن أنس -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد غليظ الحاشية، فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد، احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك «1»، فإنك لا تحمل لـي من مالك ولا من مال أبيك، فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال:
«المال مال الله، وأنا عبده».
ثم قال: «ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي»، قال: لا، قال: ولم؟ قال: «لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة» «۱». (رواه الشيخان)
ودخل عليه رجل، فأصابته من هيبته رعدة، فقال: «هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد».
وجاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقاضاه دينًا عليه، فجبذ ثوبه عن منكبه، وأخذ بمجامع ثيابه، وأغلظ له، ثم قال:
إنكم يا بني عبد المطلب مطل، فانتهزه عمر، وشدد له في القول، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يبتسم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا، وهو، كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي»، ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث».
- وأمر عمر يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعًا لما روعه.
فكان سبب إسلامه وذلك أنه كان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد، إلا اثنتين لم أخبرهما:
- يسبق حلمه جهله.
- ولا تزيده شدة الجهل إلا حلمًا، فاختبرته بهذا فوجدته كما وصف.
وهو حديث طويل وسنده الصحيح كما قال السيوطي.
خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم»، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فيوسف نبي الله ابن خليل الله»، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». (رواه مسلم)
وخيار: خلاف الأشرار، وهو كل ما يدل على حسن الخلق.
ولقد أقر الإسلام كثيرًا من عادات الجاهليين الطيبة: كالشجاعة وإغاثة الملهوف، والكرم والنخوة والمروءة.. وما أقرها الإسلام إلا لأنها من الأخلاق الطيبة.
وكان الجاهليون من مشركي مكة، يعتبرون الكذب من أخس الأخلاق وأقبحها.
وعندما سأل هرقل أبا سفيان -وهو مشرك- عن رسول الله، قال هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟ قال: لا، وقال أبو سفيان: والله لولا الحياء من أن يؤثر علي كذب لكذبت عليه. (رواه الشيخان)
اعترف بصدق رسول الله وهو من ألد أعدائه، لأن الكذب عار كبير لا يليق بمثل أبي سفيان أن يلجأ إليه.
ومن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنة حاتم الطائي، ثم كساها وحملها وأعطاها نفقة، لأن أباها اعتاد مكارم الأخلاق، وكانت هذه المعاملة الطيبة سببًا في إسلام أخيها «عدي بن حاتم الطائي».
وأول من أسلم أبو بكر، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وكلهم قد عرفوا بحسن الأخلاق ورجاحة العقل، بل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصر دعوته خلال مرحلتها السرية الأولى على أصحاب الأخلاق الطيبة، لأنهم رصيد لدعوات الخير.
الضوابط الأخلاقية:
رأينا المستوى الرفيع التي بلغته أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكل مسلم يشرفه أن يتأسى برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحث الإسلام على حسن الأخلاق، قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾. (الفرقان: ٦٣)
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. (البقرة: ٤٤)
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾. (فصلت: 34: 41)
وعن أبي ذر ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». (رواه الترمذي) وقال حديث حسن.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون». (رواه الترمذي)
ثم وضع الإسلام قواعد من تخطاها فقد وضع قدميه في الفسق، وسار في طريق يخرجه من الملة الإسلامية إن قطع شوطًا فيه.
ومن هذه القواعد:
1- تحريم الكذب، واعتبره الإسلام من الكبائر.
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾. (النحل: ١٠٥)
وقال صلى الله عليه وسلم:
«عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا». (رواه البخاري ومسلم)
2- وحرم الإسلام التجسس والغيبة والسخرية والظن واللمز والتنابز بالألقاب:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾. (الحجرات:11 - 12)
3- وحرم الإسلام الحسد والظلم واحتقار المسلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره، ولا يخذله،
التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». (رواه مسلم)
وقال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾. (إبراهيم: ٤٢)
4- وحرم الإسلام الكبر والغرور، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾. (غافر: ٦٠)
﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾. (غافر: ٣٥)
5- وحرم الإسلام السباب واللعان، لأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده:
«سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». (رواه الشيخان)
«لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة». (رواه مسلم)
6- وحرم الإسلام قذف أعراض الناس:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. (النور: ٤)
هذه هي بعض الضوابط الأخلاقية التي دعا إليها الإسلام، فالذين تأسوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحسنت عقيدتهم، واستقامت أخلاقهم، والتزموا بالضوابط الأخلاقية التي أشرنا إليها، أهل لحمل عبء الدعوة إلى الله والصدع بها.
أما الذين يفترون الكذب، ويعيشون على الغيبة وأكل لحوم المسلمين، وفطروا على سوء الظن، وإن تكلموا ففي الهمز واللمز والسخرية، ويمضون أوقاتهم في تصيد عورات المسلمين، وإن كانوا أصحاب جاه ظلموا، وعاملوا غيرهم بالكبرياء والسباب والشتم، هؤلاء ليسوا حملة دعوة، وبينهم وبينها مسافات شاسعة، ونقلات طويلة المدى، وإن نكبت بهم الدعوة فيهدمون ولا يبنون.
فليتجه الدعاة أولًا إلى التربية الشاملة، وليربوا أناسًا خلقهم القرآن.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل