; أزمة مرور أم أزمة قرار؟ | مجلة المجتمع

العنوان أزمة مرور أم أزمة قرار؟

الكاتب عبدالله الصالح

تاريخ النشر الثلاثاء 21-يوليو-1981

مشاهدات 28

نشر في العدد 537

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 21-يوليو-1981

  • مدينة الكويت صغيرة ولكن أزمة المرور تزداد فيها يومًا بعد يوم.
  • زيادة عدد الطرق آخر ما يلجأ إليه مهندسو المرور لحل الأزمة!

·         خبير مروري يقول: الجسور حل سابق لأوانه ولن يؤدي دوره في حل الأزمة!

·         الحكومة تشكل لجنة استشارية للمرور وإدارة المرور تطالب بميزانية مستقلة.

·         التخطيط العمراني أهم سبب في أزمة المرور.

·         الحكومة تعترف بخطأ إنشاء مجمع الوزارات وتصر على مشروع الصوابر.

·         السبب الرئيسي لأزمة المرور هو تزايد عدد المركبات وسيارات الملكية الخاصة.

·         فشلت الحكومة في إلزام الشركات بعدم البيع بالأقساط ولم تفرض قيودًا على الاستيراد.

·         النقل الجماعي المنظم وتوسيع شبكة المواصلات والتنظيم العمراني تحل الأزمة ولكنها تحتاج إلى قرار حكومي

مع أن مدينة الكويت مقارنة بالعواصم العربية والعالمية تعتبر مدينة صغيرة إلا أن أزمة المرور أصبحت همًّا على كل من يدخل المدينة ساكنًا أَم موظفًا أَم متجولًا في الأسواق، ومع أن إجراءات إدارة المرور تطورت بشكل ملحوظ إلا أن الأزمة تزداد يومًا بعد يوم، فهل أزمة المرور مستعصية إلى هذا الحد أَم أن المسألة في حقيقتها هي أزمة قرار؟!

معالجة الأزمة

ولكي تكون الإجابة على هذا السؤال موضوعية لابد من دراسة الأساليب والطرق التي اتبعت حتى الآن لحل الأزمة لنرى إن كانت قد ساهمت بشكل أساسي في حل الأزمة أم بشكل ثانوي.

أول الوسائل التي اتبعت وصرفت عليها الدولة الكثير هو شق الطرق وهندستها، وقد قطعت الكويت في هذا المجال شوطًا تحسد عليه بالمقارنة بدول الخليج ودول العالم الثالث عمومًا.

ولكن تحسين الطرق وتوسعتها لم يسهم في حل الأزمة إلا بشكل ثانوي مؤقت، إذ مازالت الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم.

ومما يتصل بتحسين الطرق وهندستها إلغاء الدوارات والتقاطعات وإبدالها بإشارات المرور الضوئية وتقليص عدد الفتحات الجانبية في الشوارع الرئيسية، وبالنسبة للإشارات الضوئية تطمح الكويت على قول السيد موسى الصراف رئيس قسم دراسات المرور بالبلدية إلى استخدام الحاسب الإلكتروني في تشغيلها مركزيًا في غضون ثلاث سنوات، وآخر صيحات الطرق في الكويت الجسور التي تم افتتاح عدد منها ولا يزال بعضها قيد الإنشاء، وبالرغم من تصريح أحد المسؤولين في إدارة المرور أن الجسور قد حلت 70% من المشكلة، وبالرغم من أن الجسور قد سهلت عملية المرور إلا أنها لم تحل المشكلة وخاصة بالنسبة لمدينة الكويت بالذات. فالجسور والطرق السريعة جعلت السيارات تتدفق بسرعة أكثر باتجاه الكويت وخاصة في ساعات الدوام الأولى وفي ساعات الخروج من الدوام.

حل سابق لأوانه

ولأن الجسور قد أخذت حجمًا دعائيًا كبيرًا وعول عليها كثيرًا في حل أزمة المرور ولأنها كلفت ميزانية الدولة عشرات الملايين نورد هنا رأي خبير في هندسة المرور الذي استعانت به إدارة المرور فعلًا وهو الدكتور خير سعيد جدعان الأستاذ بجامعة الكويت.

يقول الدكتور جدعان: «الجسور في الكويت حل سابق لأوانه ولن يؤدي دوره المطلوب في حل أزمة المرور» ويضيف في معرض إجابته على سؤال آخر: آخر ما يلجأ إليه مهندسو المرور هو إنشاء طرق جديدة لأنها حل مؤقت ومحدد!

لجنة استشارية

ولكن ماذا تفعل الحكومة إذن؟ يبدو أن الحكومة أدركت أن أزمة المرور أشد ما تكون في مدينة الكويت وفي المراكز التجارية بالضواحي كحولي والنقرة والسالمية ولأن تنظيم المناطق التجارية تشرف عليه عدة جهات حكومية فقد تم أخيرًا تشكيل لجنة استشارية لبحث مشاكل المرور بطلب من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح تتألف من مندوبين من وزارات التخطيط والأشغال العامة والداخلية وبلدية الكويت.

ويطالب مدير إدارة المرور العميد فؤاد مساعد الصالح بإنشاء مجلس أعلى للمرور لكنه لا يرى مانعًا أن تبقى إدارة المرور تابعة للداخلية لكن بشرط أن تكون لها ميزانية مستقلة.

ولكن هل اللجنة الاستشارية أو المجلس الأعلى -فيما إذا أقر- سيعملان على حل أزمة المرور جذريًا؟

ذلك مشكوك فيه؛ لأن أزمة المرور كما سنرى بعد قليل ليست ناتجة عن سوء الإدارة بشكل أساسي وإنما بسبب التزايد المستمر في عدد السيارات والمركبات من جهة، وبسبب سوء التنظيم العمراني من جهة أخرى.

ويبدو أن السيد فؤاد الصالح يدرك أهمية التنظيم العمراني في حل أزمة المرور حيث طالب في حديث له مع "كونا" بضرورة أخذ رأي إدارة المرور بشكل أكبر في بناء الأسواق التجارية والمجمعات السكنية، وهو بهذا المطلب يشير إلى أن أزمة المرور -كما قلنا في أحد أهم جوانبها- تتعلق بالتنظيم العمراني وهو أمر يتعلق بقرار حكومي.

لماذا الوزارات والصوابر؟

مجمع الوزارات مثلًا وكما يعترف بعض المسؤولين كان الأولى ألا يتم إنشاؤه في وسط المدينة؛ لأن ذلك سيربك حركة المرور ويزيدها تعقيدًا، وإذا كان قد تم اتخاذ قرار إنشاء مجمع الوزارات في غفلة من هاجس المرور؟ فعلى سبيل المثال مجمع الصوابر السكني أصرت الحكومة على تنفيذه بالرغم من سوء الموقع أولًا وعدم اقتناع المواطنين بنظام المجمعات والشقق، ثانيًا: إن ما قاله أحد المراقبين من أن الحكومة تتخذ أحيانًا قرارات عشوائية فتصر على تنفيذها أو أن بطانة السوء لا ترد لها اقتراحًا فتعمد إلى تحسين القبيح وتأييده!

وربما كانت هناك أسباب لا يعلمها إلا قليل من المسؤولين ومهما يكن السبب فهو يشير إلى ما قلناه من أن أزمة المرور إنما هي أحد أهم جوانبها تتعلق بالقرار الحكومي، ومما يؤكد هذه المقولة قصة مواقف السيارات التي وإن اعتبرت مظهرًا مدنيًا ووسيلة تنظيمية إلا أنها استغلت لصالح كبار العقاريين والرأسماليين بينما كان الأولى، وهذا ما انتبهت إليه البلدية أخيرًا، أن يتم بناء هذه المواقف من قبل البلدية وتتلقى من جراء ذلك رسومًا رمزية! ولكن سياسة «التنفيع» التي سلكتها الحكومة والتي جاءت غالبًا في صالح طبقات أو عائلات معينة ظلت هي السياسة الغالبة!

حقيقة الأزمة

وإضافة إلى تخبط السياسة العمرانية وفقدان التخطيط العمراني الذي تقع مسؤوليته على الحكومة، فإن حقيقة أزمة المرور مسؤولة عنها الحكومة أيضًا، وحقيقة الأزمة كما يقول الخبراء وكما توضح إحصاءات المرور تكمن في هذا السيل الجرار من السيارات الخاصة التي تزداد يومًا بعد يوم، فطبقًا لآخر إحصائية متوافرة عن عدد المركبات في الكويت تبلغ عدد السيارات الخاصة حوالي 40 ألف سيارة من أصل حوالي ٥٥ ألف مركبة ما بين سيارة خاصة وسيارة نقل خاص ونقل عام وباصات خاصة وعامة ودراجات نارية!

وتقول الإحصائية: إن نسبة زيادة عدد السيارات سنويًا تبلغ حوالي 15% وهذا المعدل يعتبر عاليًا جدًا حتى بالقياس إلى الدول المتقدمة جدًا!

وتضيف الإحصائية: إن الفرد في الكويت يشغل حوالي ستة أمتار مربعة من الطريق!

وتتضح الأزمة أكثر إذا علمنا أن الدائري الأول تمر منه حوالي ٢٠ ألف سيارة ما بين السابعة حتى الثامنة صباحًا وأن هذا المعدل سيرتفع إلى 33 ألف سيارة عام ١٩٨٥.

ومن هنا يتضح أن أهم أسباب أزمة المرور هو الزيادة المستمرة في عدد السيارات والملكية الخاصة للسيارات.

حلول سقطت

وللتغلب على هذه المشكلة اقترحت عدة حلول بعضها فشل وبعضها لم يجرب بعد، ومن الحلول الجذرية التي لا تزال مطروحة ما يلي:

الحد من استيراد السيارات وإلزام الشركات بذلك.

● الحد من الإقبال على شراء السيارات الخاصة وذلك بواسطة:

- زيادة رسوم التسجيل والترخيص.

- زيادة أسعار المحروقات.

- زيادة الضرائب على السيارات.

- وضع القيود على البيع بالأقساط.

 -النقل الجماعي ومنع السيارات الخاصة من دخول المدينة.

وبالنسبة للحل الأول وهو الحد من استيراد السيارات فهو حل حاسم ومهم ولكن الحكومة لم تتخذ أية خطوة بهذا الشأن وذلك بسبب أن الدولة تؤمن بالنظام الاقتصادي الحُر من جهة وبسبب قوة نفوذ الشركات ووكالات السيارات من جهة أخرى.

أما الحل الثاني فقد جربته الحكومة وفشل، فقد فشلت محاولة زيادة أسعار المحروقات كما فشلت سياسة إلزام الشركات بعدم البيع بالتقسيط، وهذه الإجراءات على أية حال -وكما قال مدير إدارة المرور السابق العميد يوسف السعد- عوامل ثانوية في حل أزمة المرور.

النقل الجماعي

والنقل الجماعي بالباصات والقطارات والتراموايات يعتبر من أنجح الحلول المقترحة والمجربة، وتشير الإحصائيات إلى أن تعميم استخدام الباصات في الكويت سيخفض حجم المشكلة إلى السدس! ذلك أن الفرد يشغل حاليًا حوالي ستة أمتار من الطريق العام، أما الفرد الراكب في الباص فيشغل ثلاثة أرباع المتر فقط، ولكي ينجح النقل الجماعي في حل أزمة المرور لابد أن تتوافر فيه جملة من الشروط:

● أن يكون منظمًا ودقيقًا جدًا بحيث لا يعطل الناس عن أشغالهم، ففي لندن مثلًا حركة الباصات والقطارات مبرمجة بحيث يستطيع كل راكب أن يعرف مواعيد الرحلات بدقة متناهية، كما يستطيع الوصول إلى المكان الذي يريده ضمن وقت محدد.

● أن يتم هندسة الطرق بحيث تسهل تنقل وسائط النقل العام.

أن يتم تغطية مختلف المناطق وأن تكون الباصات مكيفة نظرًا لجو الكويت الحار، ومن الجدير بالذكر أنه توجد بعض المدن الأوروبية التي يمنع فيها دخول السيارات الخاصة وخاصة في المراكز التجارية.

وفي وضع مدينة الكويت فإن بعض الإجراءات يمكن أن تكون مساعدة على حل أزمة المرور كمنع دخول السيارات الخاصة الكبيرة من دخول مركز المدينة واقتصار ذلك على السيارات الصغيرة كخطوة أولى، أو منع السيارات التي تقل أقل من أربعة ركاب مع تشديد الرقابة والمخالفة السيارات التي تقف في الأماكن الممنوعة.

وثمة إجراء مناسب جدًا للكويت وهو ترتيب ساعات الدوام الرسمي لموظفي الحكومة والشركات بحيث يؤدي إلى تخفيض عدد السيارات المتدفقة إلى المدينة في ساعة معينة، ونتائج تخفيض عدد السيارات يلمسها كل مواطن في تخفيف حدة المرور في كل صيف، إذ بمجرد إغلاق المدارس أبوابها يسهل السير وتخف الأزمة طوال عطلة المدارس، وفي هذا المجال يجب إلزام المدارس بنقل الطلاب لأنه بدون ذلك سيضطر أولياء أمور الطلبة إلى توصيل أبنائهم مما يعقد أزمة المرور كما يحدث سنويًّا عند افتتاح المدارس.

اقتراحات أخرى

وثمة اقتراحات أخرى تَرِد على ألسنة بعض المسؤولين أو المواطنين وهي عدم التوسع في منح رُخص القيادة وخاصة للوافدين، صحيح أن إعادة تنظيم قواعد منح رخص القيادة قد تسهم في حل الأزمة، ولكن يجب أن يتم ذلك من منطلقات موضوعية لا عاطفية ولا عنصرية، وفي حالة وضع قيود على منح رخص القيادة أو تراخيص السيارات يجب في المقابل توفير البديل المريح نفسيًّا واقتصاديًّا وهو شبكة مواصلات متكاملة ومنظمة تنظيمًا دقيقًا، والذي يجب ألا يغيب عن البال أن أزمة المرور كأي أزمة حضارية لا يمكن التغلب عليها ما لم يكن العلاج شاملًا متكاملًا، فأزمة المرور لها أسباب متعددة يجب معالجتها جميعًا.

ومن هنا فإن الحلول التي طرحت حتى الآن إما حلول جزئية أو غير مدروسة، وهذا ما جعل مدير إدارة المرور السابق يقول إن حل أزمة المرور ينتظر قرارًا من الحكومة، وهذا صحيح تمامًا فأصل الأزمة يتعلق بالتنظيم العمراني، وهو قرار حكومي، والعلاج يكمن في الحد من استيراد السيارات والملكية الخاصة للسيارات وتعميم النقل الجماعي وهو قرار حكومي كذلك.

وعلى هذا النحو فالأزمة الحقيقية ليست أزمة مرور بقدر ما هي أزمة قرار حكومي.. وما لم يتخذ القرار فإن الندوات والدراسات والاقتراحات بشأن أزمة المرور لا تزيد عن كونها لغوًا لا طائل من ورائه؛ فهل تتخذ الحكومة القرار السليم وتريح الناس من هَم المرور؟!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل