; أصول المخالطة | مجلة المجتمع

العنوان أصول المخالطة

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر السبت 18-أبريل-2009

مشاهدات 15

نشر في العدد 1848

نشر في الصفحة 56

السبت 18-أبريل-2009

تناولنا في العدد الماضي الصفة الثانية من صفات ملوك الآخرة وهي المخالطة، وفي هذا المقال نتناول أصول هذه المخالطة، ثم نعرج على الصفة الثالثة وهي التواضع.

والمخالطة أصل من أصول الدعوة، فلا يمكن أن يكون داعية إلى الله سبحانه وتعالى ما لم تكن فيه صفة أساسية ألا وهي المخالطة، إذ كيف يبلغ دعوة الله من غير مخالطة؟ وكيف يصل إلى الناس؟ وكيف يفهمهم؟ وكيف يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى؟ وكيف يعدل مسارهم؟ وكيف يصحح مفاهيمهم ما لم يختلط بهم؟ لذلك جاءت الأفضلية لمن يخالط الناس على الذي لا يخالطهم، وحتى تأتي المخالطة ثمارها لا بد من إتباع ثلاثة أصول:

أولًا: المعرفة: وهي قبل أن تخالط الناس يجب أن تعرف من تخالط، والمقصود بالمعرفة ها هنا معرفة نوع الجهل ومعرفة الشبهة، ومعرفة المناكر، وطباعهم وصفاتهم ومحاسنهم ومساوئهم وطريقة تفكيرهم ومن الذي يؤثر فيهم؛ لأنه لا يمكن أن ينجح الداعية مع الآخرين ما لم يحط بمعرفتهم ذلك بمعرفة المنطقة التي يعمل فيها، ويعرف الناس الذين سيحتك بهم.

ثانيًا: معرفة الطرق: طرق الدخول عليهم وكسبهم، وهذه الصفة لا بد للدعاة أن يتقنوها، ولا بد لمن يريد أن يخالط الناس أن يتعرف على فنون كسب الآخرين، ومنها اختيار الوقت المناسب وعدم التحقير، والبداية بالتيسير والتبشير لحديث الرسول ﷺ  «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» (١).

فيكون الرائد في دعوته لهم التيسير لا التعسير والتبشير لا التنفير، فالرسول ﷺ  كان يحب الفأل الحسن، وكان يكره التشاؤم بل جعل التشاؤم من صفات الفاشلين بل من صفات الكافرين، وجعل التشاؤم كفرًا وشركًا وقال ﷺ: «الطيرة شرك» (٢).

إذًا ، فالداعية من حكمته أن يعرف الوقت المناسب الذي يدعو فيه الناس، وليس كل وقت، وإنما يختار الوقت المناسب، حتى تقع الكلمة في موضعها، وعدم تحقير الناس عندما يدعوهم حتى لا يجعلهم يشعرون أنه أعلى منهم، وأنه أستاذ عليهم، وأنه يهينهم ويحتقرهم بل لا بد أن يوصل لهم رسالة «أنه يحبهم ويريد النجاة لهم، وأنه ما دعاه إلى أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر إلا محبته لهم»، والبداية بالتيسير لا التعسير حتى تأتي المخالطة بثمارها. 

ثالثًا: تحمل الأذى: تحمل أذاهم كما ذكرنا من قبل، فيجب على الداعية أن يتوقع أنهم يردوه أو لا يفهموه، أو يسيؤوا الظن به، أو يظنون أنه يريد دنياهم، ومن هنا كان الصبر على الأذى من عزم الأمور، ومن أعظم صفات الرجال، كما حدث للرسول ﷺ  والدعاة من بعده، ومع ذلك فإنهم يتحملون كل ذلك لأنهم قبلوا أن يكونوا عباد الرحمن، وهكذا كان يتحمل بلال وياسر وعمار -رضي الله عنهم- وأمه سمية -رضي الله عنها-، وأبو بكر الصديق وعمر وعثمان وبقية الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين- تحملوا الجراح، وتحملوا المقاطعة، وتحملوا الطرد، وتحملوا الفقر، وتحملوا الجوع، وتحملوا الاتهام، وتحملوا كل ذلك لأنهم عباد الرحمن، وحتى يستحقوا هذه الصفة كان لا بد أن يتحملوا هذه الأمور كلها في سبيله.

لأن من حقائق ودلائل المحبة، تحمل المحب كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33)

 دعا إلى الله بعد أن أصلح نفسه أولًا، وتعب في تربيتها حتى يكون قدوة للآخرين يشع الخير، ومنارة للآخرين، فلا يمكن أن يكون داعية حتى يصلح من نفسه ويربيها كما سيأتي في الصفات اللاحقة، ثم دعا إلى الله وعمل صالحًا وهذا من مكملات القدوة، ثم افتخر بانتمائه للإسلام، ولم يستحي من ذلك مهما تكلم المتكلمون، وشكك المشككون، وحارب المحاربون، وقال إنني من المسلمين حيث يفتخر بانتمائه لهذا الدين العظيم.

الهامش

  1. رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني، «ص ج ص ۸۰۸۷».
  2. رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني «ص ج ص ٣٩٦٠».
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

جلسة مع ابن القيم - المحبّة

نشر في العدد 273

13

الثلاثاء 04-نوفمبر-1975

كيف تكون محبوبًا؟ (1)

نشر في العدد 1256

12

الثلاثاء 01-يوليو-1997