العنوان أضواء ساطعة على الملحدين .. مزاعم أرنست هيغل.. وتزويره لتصاوير الأجنة
الكاتب قيس القرطاس
تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1971
مشاهدات 12
نشر في العدد 71
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 03-أغسطس-1971
أضواء ساطعة على الملحدين
مزاعم أرنست هيغل.. وتزويره لتصاوير الأجنة
بقلم: الأستاذ قيس القرطاس
· أرنست هيغل
· الرجل الذي قال:
أعطني هواء ومواد كيماوية ووقتًا وأنا أصنع إنسانًا، الرجل الذي زور في تصاوير الأجنة، ووضع شجرة مزعومة لنسب الإنسان.
أرنست هيغل عالم طبيعي ألماني ولد سنة ١٨٤٥، وهو أول من حاول رسم سلسلة شجرة الحيوانات التي توضح علاقة أنواعها بعضها ببعض؛ وإرجاعها إلى أصل واحد مشترك، لقد أرجع أصل الإنسان إلى حيوان قبل داروين؛ وتطرق في عرض نظرية التطور فأرجع أصل الإنسان إلى أصل قردي، واستقصى تسلسل نوع الإنسان إلى ست وعشرين حلقة من المخلوقات من حي لا بناء له كالمونيرا، إلى حي ذي حويصلة واحدة كالبروتستا إلى الأحياء الكثيرة التراكيب ويصفها مستعينًا ببقايا الأحياء في طبقات الأرض، ولكي يؤيد التدرج في التطور يعدل في بنية بعضها ويسد الفراغ بتخيل كائنات حية لم توجد، يقول الأستاذ يوسف كرم في صفحة (٤٠٠) من كتابه تاريخ الفلسفة الحديثة «ولو أن أحدًا من المؤمنين أراد أن يؤيد الدين بتزوير من هذا القبيل لما فرغ الملحدون من التهكم والسخط».
· نظرية الاستعادة:
اشتهر هيغل بنظرية الاستعادة، وخلاصتها أن الجنين يعيد تمثيل الأدوار التي مر بها نوعه أثناء تطوره، فالأدوار التي يمر بها الجنين في الرحم تمثل الأدوار التي مر عليها النوع البشري إلى أن وصل إلى مرحلته الحالية، ولما كانت أدوار الجنين تتكرر في السنة ستين مليون مرة على الأقل، فمن دواعي الاستغراب - بالنسبة لأنصار هذه النظرية - ألا تجد لها أنصارًا في كل مكان مع وجود هذا الدليل، وقد اضطر أنصار التطور إلى رد هذا الادعاء وتفنيده على مكانتهم وهيبتهم العلمية، يقول روبرت ليرمان إن نظرية الاستعادة تنص على أن كل فرد يمر أثناء نموه الجنيني؛ ابتداء من البيضة؛ على تاريخ تطوره من أسلافه، أي أنه يمر بنفس الأدوار التي يمر بها أسلافه عندما تطوروا إلى أشكال جديدة، وقد بولغ في ذلك أحيانًا إلى درجة سخيفة، فقد حاول البعض أن يبين أن كلًا منا فردًا فردًا بدأ كسمكة ثم أصبح حيوانًا برمائيًا فزاحفًا فثدييًا بدائيًا إلى أن وصل في نهاية المطاف إلى أن يكون آدميًا، ولو كان هذا صحيحًا بمعناه الحرفي لكان من المنتظر أن أي جنين بشري في طور مبكر ينزع من أمه ويوضع في المحيط يصبح سمكة تشق طريقها بين سائر الأسماك، ولكن جنين الإنسان وهو في طوره السمكي يحتوي على فتحات خيشومية غير كاملة ليس بها خياشيم ألبتة، كما أن له عضلات ناشئة دون أن يكون له عضلات فعالة، وله براعم تتكون منها الأطراف، إلا أنه بلا زعانف؛ فلم يكن أي منا يومًا من الأيام سمكة على الإطلاق.
ولما وجد هيغل نظريته قد فقدت ما يؤيدها أقدم على عمل خطير جدًا.
· تزوير تصاوير الأجنة:
لقد قدم هيغل تصاوير لأوضاع مختلفة للجنين، واستعادت نظريته شيئًا من مجدها المفقود، ولكن تصاوير الأجنة التي قدمها هيغل تم دراستها من قبل علماء كبار؛ أشهرهم الدكتور براس الذي اكتشف أمرًا لم يكن بالحسبان ولا يتفق مع الأمانة العلمية.
فقد اكتشف أن تحويرًا قد طرأ على هذه الصور، بل والأدهى من ذلك وأمرُّ أن بعض هذه الصور لم يكن لها وجود حقيقي، وانتظر الرأي العام العلمي أن يدافع هيغل عن نفسه، ولكنه اضطر إلى الاعتراف في مقالة نشرت بتاريخ ٢٤ ديسمبر ۱۹۰۸ بأنه اضطر إلى إكمال الرسم بنحو ٦% أو ٨%، وأن عمله لا يعتبر تزويرًا وإلا فإن كثيرًا من الصور في علم أبنية الحياة والتشريح والأجنة مزورة أيضًا، قال الدكتور توفيق الطويل معلقًا على تزوير هيغل (والعالم الذي تعوزه النزاهة يكون موضع استخفاف واحتقار في دوائر العلماء، قيل إن العالم الألماني هيغل قد زور مرة في صورة لجنين حيوان حتى تبدو قريبة الشبه بجنين إنسان؛ فیثبت بهذا نظريته في التطور أملًا في أن يذيع اسمه هناك).
· المادية المتطرفة:
ونشر هيغل كتابًا سماه ألغاز الكون، ذهب فيه إلى وحدة الخلق الآلي، وزعم أن خواص الكربون الكيماوية والطبيعية هي العلة الوحيدة للحركات، وأن الحياة تولدت بفعل ذاتي، وكان لا يعتقد بوجود روح منفصلة عن جسم الإنسان ولا يرى بقاءها بعد الموت، وكان لا يؤمن بوجود إله خالق منفصل عن هذا الكون، ونظرًا لآرائه المتطرفة فقد تخلى أنصار التطور عن تأييده، فقام أحدهم «ولا يخفى أنه قلما لقي من وافقه على النتائج التي استنتجها من مذهبه الأخير بل قلما لقي مرة من وافقه على المذهب نفسه، ولا ندري كيف كان اعتقاده حينما دنت ساعة الموت ولا كيف تكون آداب البشر إذا أنكروا خلود النفس».
· الأثير صنم يُعبد من دون الله
وإذا كان الكهنة يصنعون أصنامًا بأيديهم، فإن بعض الذين انضموا إلى المعسكر العلمي اختلقوا وسطًا وهميًا ليعللوا به ويجيبوا على المشكلات العلمية، ونجح ذلك الوسط الوهمي في الإجابة على كثير من المعضلات، فهل فتن هذا الوسط هيغل حتى يؤلهه من دون الله؟ أم أن الأمر مجرد تقوية للنزعة الإلحادية بأي طريق وأي سبيل؟. يقول هيغل: «إن نظرية الأثير إذا أخذت كقاعدة للإيمان يمكنها أن تعطينا شكلًا معقولًا للدين، وذلك إذا جعلنا بإزاء الكتلة الجامدة الثقيلة؛ أي المادة، ذلك الأثير الشامل المتحرك الذي هو الإله الخالق»، وأخيرًا استفاق المعسكر العلمي المزعوم من سباته وتبين أن إلهه وهم من الأوهام ولا حقيقة له ولا وجود.
· قمة الإلحاد:
ولم يكتف هيغل بذلك كله، بل طالب بتزويده بالهواء والمواد الكيماوية والوقت؛ وأن باستطاعته أن يخلق إنسانًا، وما طلبه هيغل كان متوفرًا فالهواء يوجد في كل مكان والمواد الكيماوية فوق أي رف من رفوف الأدوية، أما الوقت فقد عاش (٨٥) سنة. أفلم يكن يكفيه نصف عمره لإنجاز هذه المهمة الضخمة؟، إن هيغل يعلم علم اليقين أن آلاف العلماء لو عاشوا آلاف القرون لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، وأن الذباب إذا سلبهم شيئًا فلن يستطيعوا استنقاذه منه.
يقول كريسي موريسون: «قال هيغل: أعطني هواء ومواد كيماوية ووقتًا وأنا أصنع إنسانًا، ولكنه أغفل وحدات الوراثة وأغفل الحياة نفسها، لقد كان عليه- لو أستطاع- أن يجد وينظم الذرات غير المرئية ووحدات الوراثة ويمنحها الحياة، وحتى في هذه الحالة كانت النتيجة بنسبة ملايين إلى واحد أنه كان يأتي بوحش لا مثيل له، ولو أنه نجح في ذلك لقال إن الأمر لم يكن مجرد مصادفة ولكنه ثمرة عقله، حقًا إن الله يخلق معجزاته بأساليب تخفى على الأذهان». ومن الغريب أن يدعي الملحدون أن الكون المنظم العجيب قد جاء نتيجة المصادفة، ولكنهم إذا استطاعوا تحضير مادة كيماوية ميتة قالوا إن تحضير هذه المادة قد جاءت نتيجة لجهودهم المضنية، وليست نتيجة من نتائج المصادفة.
· أستاذ علم الحيوان:
ونتيجة لهذه الآراء المتطرفة، أمر البابا بتشديد الحملة عليه، وكان في ذلك الحين أستاذ علم الحيوان في جامعة جينا، وعلى إثر ذلك تقدم إلى مجلس الجامعة بطلب الموافقة على قبول استقالته، إلا أن رئيسها رفض طلبه بإجابة لا تخلو من السخرية، قال فيها: «أنا لا أجاريك في آرائك ولهذا أصر على بقائك فتأثيرك في جامعة صغيرة كجامعتنا ضئيل نسبيًا، أما في جامعة كبرى فتأثيرك أبلغ مدى وضررك أعم وأشمل، ثم إنني أعتقد بأن اندفاعك يخفّ كلما تقدمت بك السن»، ومما يروى عنه أنه بينما كان يلقي إحدى محاضراته الأولى عن نظرية داروين في النشوء والارتقاء؛ وأمام حشد حافل من علماء الطبيعة، تسلل الحاضرون تباعًا تاركيه يشرح نظريته لقاعة خلت من الناس.
· لقاء هيغل مع داروين:
ويصف هيغل نفسه هذا اللقاء: «ووقفت العربة أمام منزل داروین الريفي وقد برز داروين من خلال النباتات المعروشة حول الظليل؛ مقبلًا نحوي بقامته العملاقة ووجهه الجليل ومنكبيه العريضين؛ وكأنه أطلس يحمل على منكبيه عالم الفكر، كان داروين أمامي وكأنه أحد حكماء اليونان القدامى المجلين، لقد بدا وكأنه سقراط أو أرسطو وقد نفض عنه غبار الدهور وانصب أمامي بلحمه ودمه»، وإشارته إلى أطلس تبين لنا بوضوح أن العقلية اليونانية الأسطورية الخرافية لا زالت تسيطر على عقول الغربيين؛ حتى الذين يتشدقون بالعلمية والإلحادية، لأن أطلس إله خرافي كانوا يعتقدون أنه يحمل الكرة الأرضية على منكبيه.
· حياة الإنسان لغز من الألغاز
وعندما كبرت سنه مرضت زوجته، فأحبته امرأة، واستغرب هو من ذلك وحاول الابتعاد عنها وصرفها عنه، إلا أنها أجابته: «لا تدعُ نفسك رجلًا كبيرًا فإنما أنت إله صغير» ويئس منها وفكر مرة بالانتحار ثم بالهرب، ولكنه أفاق على رسالة من أختها بأنها ماتت بالسكتة القلبية.
وقبل وفاته كتب كلامًا يعتبر رجوعًا بعض الشيء عن كتابه ألغاز الكون، إلا أنه لم يكن رجوعًا كليًا، قال فيه: «لم تزل حياة الإنسان لغزًا وأحجية، ولكن ذلك لن يحول دون إقدامنا على تحدي المجهول غير هيابين».
المصادر:
· عباقرة العلم - جورج سلستي
· إعلام المقتطف - صروف ونمر
· على أطلال المذهب المادي- وجدي
· العلم يدعو للإيمان- موریسون
· الطريق الطويل إلى الإنسان - لیرمان
· تاريخ الفلسفة الحديثة - يوسف کرم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
أضواء ساطعة على الملحدين .. قصور عقلي أم استغلال للعلم في دعم أوهام الإلحاد؟
نشر في العدد 72
8
الثلاثاء 10-أغسطس-1971
مكتبة المجتمع.. الإسْلام يتحَدّى تأليف: الأستاذ وحيد الدين خان
نشر في العدد 75
15
الثلاثاء 31-أغسطس-1971