; أضواء على الاقتصاد الإسلامي(1) | مجلة المجتمع

العنوان أضواء على الاقتصاد الإسلامي(1)

الكاتب عبدالله الصالح

تاريخ النشر الثلاثاء 23-يناير-1979

مشاهدات 23

نشر في العدد 429

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 23-يناير-1979

• لماذا يئس الناس من الرأسمالية والشيوعية؟

• ما هو الاقتصاد الإسلامي..؟

تحدثنا في العددين رقم (425) ورقم (427) من «المجتمع» الغراء عن ملامح كل من الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية بعامة، وعن الناحية الاقتصادية فيها بخاصة. وعرفنا من خلال ذلك أخطاء هذه المبادئ الوضعية لأنها قائمة على أسس وافتراضات وتفسيرات خاطئة؛ الأمر الذي جعل الإنسان والمجتمع يلقى في ظلالها أنواعًا من الظلم والقهر والعنت على الرغم من كل دعاويها لنصرته ورعايته وحمايته، ولقد صرحت بذلك البروفيسورة البريطانية «جوان روبنسون» أستاذة الاقتصاد بجامعة كامبرديج في حديث لها في الكويت نشرته القبس بتاريخ 1/ صفر/ 1399: «نحن نشعر جميعًا أن هناك خطأ ما في النظام الاقتصادي الغربي؛ فأقل ملاحظة يمكن أن نقولها عنه: إنه غير متوازن وغير مستقر، وفي الواقع هذا ملازم للرأسمالية التي تتحدث فقط عن التوازن والاستقرار في الكتب المدرسية بينما لا تترجم ذلك عمليًّا. ومنذ أن نشأت الرأسمالية والنظام الاقتصادي الغربي يعيش حالة عدم توازن والتضخم نتاج هذه الظاهرة» واستكمالًا لكلا المقالين السابقين نرى من الضروري أن نلقي بعض الأضواء على وجهة نظر الإسلام الاقتصادية.

الإسلام دين شامل

من البديهي أن نعرف أن الإسلام دين كامل شامل لجميع نواحي الحياة الإنسانية على هذه الأرض، وعنده حلول وافية عادلة واضحة لكل مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن الناحية العقائدية والروحية والخلقية.

ما هو الاقتصاد الإسلامي؟ 

إن الاقتصاد الإسلامي ذو شخصية متميزة مختلفة عن الاقتصاد الرأسمالي أو الشيوعي والاشتراكي كل الاختلاف من حيث القيم والأسس والتصور والطريق وغير ذلك.

وهو ليس مستقلًا عن الدين الإسلامي، وإنما هو مرتبط به ارتباط الجزء بالكل ارتباطًا وثيقًا قويًّا كل القوة. وهو أيضًا قانون متكامل مترابط يقوم على القيم التي يبثها الإسلام في أتباعه. وهذا الإطار الديني الذي يلف الاقتصاد الإسلامي يضمن له النجاح في التطبيق.

ما سبب المشكلة الاقتصادية في نظر الإسلام؟

خلق الله تعالى السموات والأرض وما فيهن وسخر كل هذا للإنسان تسخيرًا يؤمّن له حاجاته الأساسية ويحقق له الحياة الكريمة التي تليق بإنسانيته، فإن الله تعالى: 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم: 32-34).

نعم إن الإنسان ظلوم كفار؛ لأنه لم يطع الله تعالى فحرم أخاه من نعم الله تعالى الكثيرة باحتكارها لنفسه ظلمًا وعدوانًا. وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم يستفد مما سخّره الله تعالى له الاستفادة الكاملة؛ الأمر الذي أدى إلى حرمانه من كثير من نعم الله تعالى فكان بذلك جهولًا.

تستنتج من ذلك أن الإنسان نفسه سبب المشكلة الاقتصادية أوجدها بيديه لظلمه أو جهله. لذلك حارب الإسلام كلًا من الظلم والجهل حربًا لا هوادة فيها، وألّح على ذلك إلحاحًا عجيبًا؛ الأمر الذي يقضي على كل ما يسمى بالمشكلات الاقتصادية التي نراها اليوم.

ما صفات الاقتصاد الإسلامي؟

ليس الاقتصاد الإسلامي اقتصادًا نظريًّا أو خياليًّا غير قابل للتحقيق مثل الشيوعية وبخاصة في مرحلتها الأخيرة. وإنما هو اقتصاد واقعي قابل للتطبيق يهدف إلى مصلحة الإنسان أولًا وآخرًا. ووضع لذلك الأنظمة والقوانين التي تكفل ذلك.

وهو مع واقعيته هذه لم ينس أو يتجاوز الأسس الروحية والأخلاقية، فإنه إذ يحقق مصلحة الإنسان ورفاهيته لا يفعل ذلك ابتغاء ضمان مستوى الإنتاج كما هو الأمر في الرأسمالية وإنما ابتغاء احترام إنسانية هذا الإنسان وكرامته.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم يكتف بهذا، وإنما ربط ربطًا محكمًا بين الوسائل الاقتصادية والناحية الدينية؛ فالزكاة التي هي جزء هام من أجزاء الاقتصاد الإسلامي لا يدفعها المالك لنصابها على أنها ضريبة فقط مثل الضرائب في الرأسمالية ويحاول أن يتهرب منه وإنما يدفعها طائعًا عن إيمان وقناعة لأنها ركن من أركان الإسلام وعبادة يتقرب بها إلى الله تعالى.

كيف ينظر الإسلام إلى المال؟

المال عصب الحياة الاقتصادية، وهو الدم الذي يسير في عروقها وأي توقف له أو سوء استخدام سوف يؤدي إلى شلل أو أزمة اقتصادية.

ولا ينظر الإسلام إلى المال كغاية في حد ذاته، وإنما ينظر إليه وسيلة سخرها الله تعالى للبشر ليقضوا بها حاجاتهم أفرادًا ومجتمعات.

ونظرًا لأهمية المال التي ذكرنا فقد وقف منه موقفًا دقيقًا فنراه يمنع اكتنازه؛ إذ سلط عليه الزكاة كل عام، فإما أن تأكله الزكاة وتفنيه، وإما أن ينميه صاحبه في مشاريع مختلفة متنوعة يستفيد منها هو شخصيًّا كما يستفيد معه أيضًا المجتمع بفئاته عن طرق عدة، مثل العمال الذين يعملون وأصحاب المواد الخام والمستهلكين وغيرهم.

ونرى الإسلام أيضًا يحرم الربا تحريمًا قاطعًا بكافة صورته وأشكاله لما فيه من أضرار لم تعد خافية على أحد.

وبالإضافة إلى هذا كله، فإنه لم يترك الحركة الاقتصادية بلا رقابة تتحكم فيها الأهواء، بل إنه أمر الدولة أن تشرف على الحركة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي حتى تؤمن لها السير السليم الذي لا يتنافى مع الشرع الإسلامي ويحقق كفاية المسلمين وسعادتهم.

الإسلام وتوزيع الثروة

لقد وازن الإسلام موازنة دقيقة بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، فلم يمنع الفرد من أن يشبع ميوله الطبيعية، ولكن ضمن حدوده وحقوقه وبغير أن يسيء إلى كرامة المجتمع أو يهدد أمنه واستقراره.

ولقد أقام التوزيع على ركنين هامين هما العمل والحاجة معًا؛ وذلك لأن العمل وسيلة للتملك وأساس له. كما أن الحاجة كذلك وسيلة للتملك أيضًا؛ وذلك لأنها تعبر عن حق إنساني ثابت في الحياة الكريمة.

وهكذا لم يقف الإسلام عند سطح المجتمع وإنما تغلغل إلى أعماقه في شعابه الفكرية والروحية فإذا بالتكاليف تغدو عبادات يستريح المسلم عند القيام بها ويشعر بالسعادة والغبطة، بينما تكون الضرائب في الرأسمالية أو غيرها عبئًا ثقيلًا يحاول الإنسان وعلى كافة المستويات أن يتهرب منها أو يدفع النزر اليسير مما عليه وهنا تبدو عظمة الإسلام واقتصاده.

(وللمقال تتمة في العدد القادم بإذن الله تعالى).

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل