العنوان نقاط- نهاية رئيس
الكاتب أحمد عز الدين
تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1998
مشاهدات 16
نشر في العدد 1301
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 26-مايو-1998
استقال الرئيس الإندونيسي سوهارتو بعد ساعات من «الطلب» الذي وجهته إليه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية لتنظيم عملية انتقال ديمقراطي للسلطة، لكن شرعية النظام كانت قد انتهت قبل ذلك بأشهر يوم ضاع الاستقرار والنماء اللذين بنى عليهما سوهارتو شرعية حكمه لمدة ٣٢ سنة.
انتهت شرعيته يوم أن أصبحت مهمة الشرطة في إندونيسيا إطلاق النار على المتظاهرين حتى يتسنى للرئيس أن يستريح على كرسي الحكم، انتهت وقت أن انطلقت الأفواه المكممة لتنطق بالمحظور الذي لم يكن مسموحًا من قبل النطق به: «يكفيك يا سوهارتو ما قضيت من السنوات في الحكم.. وعليك أن ترحل»، حتى أقرب الناس إلى سوهارتو قالوها، وحتى الذي جاء به سوهارتو إلى رئاسة البرلمان قالها.
انتهى حكم سوهارتو يوم أن بدأ يلغي القرارات التي تتخذها حكومته، ويعد بانتخابات مبكرة وفق قواعد سياسية جديدة! وبأنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسة جديدة.
الآن يا سوهارتو؟!
إن الذين خرجوا إلى الشوارع كانوا يعرفون جيدًا إنك مكره لا بطل، ولو كنت تنوي الإصلاح لفعلته من قبل.
إتنان وثلاثون عامًا في الحكم... كنت تقول للشعب: «اتركوا لي السياسة ومشاكلها وتعقيداتها وكواليسها، إن حبي لكم دفعني إلى أن أتحمل عنكم كل الصعاب.. وما عليكم- يا أعزائي- إلا أن تأكلوا وتشربوا وتعملوا وتناموا» وقام نظامك بالضرب على وتر التنمية والتقدم الاقتصاديين، وتراقصت أمام أعين الكادحين صور الثراء المنتظر والجنة الموعودة وفجأة.. وقعت الصاعقة.
وتبخرت أحلام الثراء وتطايرت الروبيات من أيدي الفقراء، وتدنى سعرها حتى أصبحت توزن بالرطل بعد أول هزة اقتصادية، وتذكر أبناء إندونيسيا بعد فوات الأوان المبدأ الاستغلالي الذي يقول: «إن الغني يزداد عنى.. أما الفقير فإن عليه أن يزداد فقرًا» فالثروة لم تكن من نصيب أبناء الشعب ولكن من نصيب المضاربين الغربيين وأبناء الرئيس وأقاربه وحاشيته، ومن قربهم إليه من ذوي الأصول الصينية.
وحين وقعت الأزمة كان على الفقراء وحدهم أن يدفعوا الثمن، ضياعًا للمدخرات المحدودة، وغلاء في الأسعار، وطردًا من الوظائف.
قد يكون سوهارتو يدفع ثمن رفضه الاستجابة لأوامر صندوق النقد الدولي الخاصة بحل المشكلة الاقتصادية، ولأنه تنبه قبل سنوات للخطر التنصيري- الذي كان هو نفسه قد فتح له الأبواب- وبدأ بتقليم أظافر حلفاء التنصير الذين كانوا قد ارتقوا المناصب العليا في الجيش والحكومة.. ولأنه لجأ للحيلة المعهودة: إعطاء الإسلاميين متنفسًا للحركة والعمل ليوازن الموقف وتستمر اللعبة السياسية، وأصبحت هناك جماعات إسلامية يعد المنتمون إليها بالملايين.. وختم مسيرته معهم بتعيين واحد منهم هو يوسف حبيبي نائبًا للرئيس في وقت بلغ الحنق فيه على سياسات الرئيس أقصاه، ممهدًا له بذلك الطريق للجلوس على كرسي الرئاسة.. فهل يبكي الناس على سوهارتو؟ أم يبكون مما وقع منه؟
أما بشار الدين يوسف حبيبي، الرئيس الجديد (٦١ سنة) فأمامه الفرصة ليثبت إن كان قادرًا على الحكم لا لمجرد كونه نائبًا للرئيس دفعت به استقالة سوهارتو إلى كرسي السلطة «قريبًا مما حدث مع السادات من قبل» ولكن باعتباره رجلًا صاحب فكر والتزام، عمل لمدة عشرين عامًا لتطوير الصناعات الاستراتيجية، ودفع إندونيسيا على طريق التقدم الصناعي، والدستور على الأقل يعطيه هذه الفرصة حتى عام ٢٠٠٣م.
فهل يصمد؟... وهل ينجح؟.