العنوان أضواء على كلمة التوحيد
الكاتب سليمان سعيد
تاريخ النشر الثلاثاء 19-يوليو-1977
مشاهدات 18
نشر في العدد 359
نشر في الصفحة 33
الثلاثاء 19-يوليو-1977
بينما أنا أفكر في حال هذه الأمة، وما وصلت إليه من سوء في التصور العقيدي والتعبد التقليدي، والانحراف الخلقي الذي تعيشه الأمة، وتمارسه في واقعها العملي مع أن الغالبية العظمى من هذه الأمة تقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فهم يقرون هذا الإقرار القولي أن الله سبحانه وتعالى هو المعبود الذي لا معبود سواه، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الطريق الذي يتلقى منه العباد كيفية هذه العبادة وصورتها، وهذا هو مدلول الشهادتين -بينما أنا على هذا الحال من التفكير- استوقفني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي روي عن طارق المحاربي أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل خلفه يرميه بالحجارة، وقد أدمي عقبيه، ويقول لا تطيعوه، فإنه كذاب.
فالذي يرد في الذهن بعد سماع هذا الحديث أن الذي يقول لا إله إلا الله، أفلح، أي فاز ونجا، وأصاب الخير، ودخل الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح: «ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة»
فما مدلول هذا القول؟
أنقل للقارئ مقتطفات من كتاب «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» ص 87 - 98 توضيحًا وبيانًا لهذا المعنى:
وأحسن ما قيل في معناه - أي حديث «ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» - ما قاله شيخ الإسلام وغيره إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مفيدة، وقالها خالصًا من قلبه، مستعينًا بها قلبه غير شك فيها بصدق ويقين.. لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحًا. فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، وهذه حقيقة التوحيد ثم قال: لكن هذه الأحاديث جاءت مقيدة بالقيود الثقال، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ومن لا يعرف ذلك، يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت، فيحال بينه وبينها، وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليدًا أو إعادة، ولم يخلط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور أمثال هؤلاء، كما في الحديث: «سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته» وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم أقرب الناس من قوله تعالى ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ (الزخرف: 22) وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام، لم يكن في هذه الحالة. مصرًا على ذنب أصلًا، فإن كمال إخلاصه هو يقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله وكراهية لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم من النار، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان، وهذه التوبة، وهذا الإخلاص، وهذه المحبة، وهذا اليقين، لا يتركون له ذنبًا إلا يمحى، كما يمحى الليل والنهار.
وهذا بخلاف من رجحت سيئاته على حسناته، ومات مصرًا على ذلك، فإنه يستوجب النار، وإن قال: لا إله إلا الله، وخلص بها من الشرك الأكبر، لكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعد ذلك بسيئات، رجحت على حسنة توحيده، فإنه في حال قولها كان مخلصًا، لكنه أتى بذنوب، أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نار الذنوب، حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن. فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته، ولا يكون مصرًا على سيئة، فإن مات على ذلك دخل الجنة، وإنما يخاف على المخلص أن يكتب بسيئات راجحة يضعف إيمانه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين، ويلعب ذلك قول لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص في القلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي، أو النائم، أو من يحسن صوته بآية من القرآن. من غير ذوق طعم ولا حلاوة، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين.
قلت:
وصدق الحسن البصري رحمه الله تعالى إذ يقول: ليس إيمانًا بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال. فمن قال خيرًا، وعمل خيرًا قبل منه، ومن قال سرًا وعمل سرًا لم يقبل منه. وقال وهب. ابن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح، ويدل على ذلك أن الله رتب دخول الجنة على الإيمان والأعمال الصالحة، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث الصحيحين، عن أبي أيوب أن رجلًا قال يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم».
والقول الحق، أن لكل قول فعًلا، والوقول لصالح فعله صالح، قال تعالي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2 - 3)، فالله في هذه الآيات أثبت أن للقول فعلًا، فإذا قال العبد المؤمن القول الصالح ولم يفعل الفعل الصالح وقع مقت الله عليه حتى يستغفر ويتوب توبة نصوحًا، والله عز وجل هنا ينادي أهل الإيمان الذين قالوا لا إله إلا الله ولهم أعمال صالحة أيضًا، ولكنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، فلما نزل الجهاد كرهه الناس من المؤمنين، فنزلت هذه الآية كما هو ثابت.
فكيف بمن عاش بعيدًا عن العمل كلية تائهًا عابثًا غافلًا ماجنًا يعيش واقعَا عمليَا ليس من الإسلام في شيء، وكيف بمن قال لا إله إلا الله، وجرى في بعض الأعمال كالصلاة مثلًا مجرى العادة. ولا ينتهي عن فعل الحرام من أكل الربا، وإضاعة الأوقات، فيما يجلب غضب الرب، ويشغل عن الغاية التي من أجلها خلق؟ وكيف بمن حافظ على الصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم رضي بحكم الطاغوت. وعبر عن الرضى بالسكوت، وترك الجهاد والدعوة لرب العباد ونشر دينه في البلاد، هذا كله -من عبث وفعل للحرام وإضاعة الأوقات، والرضى بحكم الطاغوت، وترك الجهاد، والدعوة لا يتفق وقولك لا إله إلا الله بل مناقضًا له تمامًا.
أيها القارئ الكريم، إني أوصيك ونفسي بتقوى الله تعالى، والاحتماء عما يدور بفعل ما ينفع، فإن الاحتماء عن الضار يستلزم استعمال النافع، والحذر كل الحذر من القول بلا عمل، وهذا فعل مذموم ينبغي الإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه، حتى لا نخدع أنفسنا بأنا من أهل الإيمان والتوحيد، ونحن على خلافته، فيأتينا الموت بغتة فيوجه إلينا سؤال القبر فنفتن في تلك اللحظة والعياذ بالله، ونقول «سمعنا الناس يقولون شيئًا فقلناه» ثم سيصدق فينا قول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. (المؤمنون 99 - 100)، والحذر أيضًا أن يصيبنا هذا التوبيخ والإنكار والمقت من الله تعالى بسبب قولنا الخير وعدم فعله.
والخلاصة:
- أن قول لا إله إلا الله يستوجب العمل بمقتضاها، والإخلاص فيه لله تعالى.
- ثبات العبد على قول الخير وفعله، والإخلاص واليقين فيه لله تعالى حتى يأتيه الموت، وهو على ذلك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم جميعًا والله المستعان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل