العنوان المجتمع الأسري (العدد 1238)
الكاتب نهاد الكيلاني
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997
مشاهدات 16
نشر في العدد 1238
نشر في الصفحة 60
الثلاثاء 11-فبراير-1997
أطفالنا الموهوبون ثروات كيف ننميها؟
كل فرد يملك القدرة على الإبداع، والبيئة هي التي تعطيه الفرصة أو تمنعه من إبراز موهبته
تحقيق: نهاد الكيلاني
يعد الطفل الموهوب مثل النبتة، يحتاج إلى من يحميه ويساعده على النمو الطبيعي، ويزيل من أمامه العقبات، ويفتح له الطريق كما يحتاج إلى من يفهمه، ويقدر تفوقه وموهبته.
وهذا يتطلب منا أن نعرف من هو الطفل الموهوب؟ وكيف ننمي مواهبه وما هي العوامل التي يمكن أن تعيق هذه الموهبة؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا التحقيق، فقد شهد العقد الأخير من القرن الحالي حركة واسعة تدعو إلى تنشيط الاهتمام بالموهوبين والمبدعين، وتركز على ضرورة توفير المناهج والمقررات والبرامج التربوية التي تلبي احتياجاتهم، وعلى صياغة البنى والهياكل المؤسسية القادرة على إدارة هذه الأنشطة والحفاظ على استمراريتها، ذلك من جهة، ثم يأتي العمل على تطويرها من جهة ثانية، وقد نجحت هذه الحركة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية في تحريك الاهتمام بالموهبة والإبداع في بلدان العالم المتقدم، وهي ما تزال تحرك هذا العالم المتيقظ لمستقبله، ومن هذا المنطلق نجد الكثير من القرارات التربوية والاجتماعية، وحتى السياسية الخاصة بالموهوبين والمبدعين تُبنى على أساس نظرة المجتمع إلى هذه الفئة من الناس.
وتقول د. صالحة عيسان -الأستاذة بكلية التربية والعلوم الإسلامية جامعة السلطان قابوس- أن كل فرد يملك القدرة على الإبداع، وأن لديه الاستعداد لممارسة هواية معينة، وهذا يتوقف على مجموعة من الظروف تتدخل فيها دوافعه واتجاهاته وقيمه الخاصة والفرص المتاحة لها في البيئة، فالأطفال جميعًا لديهم خيال إبداعي، أو إنتاجي بدرجة ما، والمهم العمل على تنمية مواهب الطفل بطريقة جيدة، حتى تنمو لديه الملكات الإبداعية الخاصة بصورة ارتقائية، ولهذا يعتقد العلماء أن الفترة الحاسمة التي يمكن أن يرتقي فيها الخيال الإبداعي لدى الأطفال هي ما بين سن سنتين وست سنوات.
ولذلك فإن تنمية هوايات الأطفال وقدراتهم الإبداعية مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، ولا يمكن أن يتم تطوير وتنمية هواياتهم وقدراتهم الإبداعية إلا إذا تضافرت جهود الجميع تلك الجهود المبنية على معرفة وإدراك وخبرة في كيفية التعامل مع الطفل ومساعدته على تطوير قدراته.
وينتقد د. علي سليمان -أستاذ الصحة النفسية بجامعة طنطا- عدم الاهتمام بالتفوق في المجتمعات العربية فيقول: ينصب الاهتمام في المجتمع العربي على تلقين الأطفال المعلومات بطريقة شبه جامدة، كما أن مشكلات الحياة اليومية غالبًا ما يتم تبسيطها وتسطيحها من خلال ما تقدمه برامج الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في حين نجد المجتمعات المتقدمة تقدر الموهبة العقلية وتحث على تنميتها، فمعظم الجامعات الغربية تضع برامج خاصة لرعاية الأطفال المتفوقين، وتعمل على إعداد مدرسين مؤهلين للتدريس لهم، ومعظم هذه البرامج يشجع على حب الاستطلاع والتعلم والرغبة في المعرفة.
وتؤكد د. صالحة عيسان أن الإبداع لا ينشأ من فراغ، بل إنه يعتمد على ركيزتين أساسيتين هما:
- الاستعداد الفطري الطبيعي، أو الشخصي.
- الصقل والمران المستمر لهذه الفطرة وتنميتها وتوجيهها الوجهة المناسبة.
ولا شك أن التربية الإبداعية قضية اجتماعية تهم المجتمع كله وتشغله وتقع مسؤولية تنميتها على جميع مؤسساته، ولا تختص بها مؤسسة واحدة فقط ولابد أن تتضافر الجهود لتنمية السمات الإبداعية والاهتمام بها منذ الطفولة المبكرة.
ولكن هل نستطيع أن نحول جميع أفراد المجتمع إلى مبدعين؟
بالطبع لا، ولكننا نستطيع أن ننمي التربية الإبداعية لدى أكبر عدد ممكن منهم بمستويات متباينة بشرط تكامل جهود جميع المؤسسات المجتمعية والمدرسية في ذلك.
وتؤكد الآن أوساط علمية عديدة أن أهم أسس التقدم الحضاري في هذه المرحلة تتمثل في نظم المعلومات من ناحية، والتفكير الإبداعي من ناحية أخرى.
سمات المبدع
وتشير البحوث والدراسات المختلفة أن أهم خصائص الأشخاص المبدعين وصفاتهم العامة إلى جانب نسبة الذكاء هي:
- النظرة للحياة نظرة مرنة، وليست نظرة جامدة أو مطلقة.
- النظرة للسلطة على أنها أمر تقليدي وليست أمرًا مطلقًا
- لا يميل المبدع إلى التفكير الذي ينظر إلى الأشياء بأنها سوداء أو بيضاء.
- يتميز بالشجاعة الأدبية والإقدام والرغبة في اقتحام الأشياء واستكشاف مجاهل الطبيعة.
- يمتاز المبدع بروح الفكاهة والمرح.
- الشخص المبدع أقل جمودًا أو تعقيدًا وأكثر ميلًا للمرونة والحرية الفكرية.
وجدير بالملاحظة أن السن الذي يصل فيه المبدع إلى قمة الإبداع يختلف باختلاف المجال الذي يظهر فيه الإبداع.
كيف نقتل الابتكار؟
يوضح الباحث تيسير صبحي أن هناك عدة عوامل قد تعوق الإبداع بعامة، وتقلل من درجة الاهتمام بالمهارات الإبداعية بصورة خاصة، وهي:
- التقويم المتوقع: فالأفراد الذين يركزون على كيفية تقويم إنتاجهم يكون مستوى إبداعهم أدنى من مستوى إبداع الأفراد الذين لا يعيرون هذه المسائل انتباهًا.
- المراقبة والإشراف: يكون إنتاج الأفراد الذين يشعرون أنهم موضع إشراف ومراقبة أقل إبداعًا وإتقانًا من إنتاج الأفراد الذين لا يشعرون بذلك.
- المكافأة: فالأشخاص الذين يقومون بأداء مهمات معينة لقاء مكافأة أو تعزيز، يكون مستوى إبداعهم أدنى من مستوى إبداع الأشخاص الذين يقومون بأداء هذه المهمات دون انتظار مكافأة أو تعزيز.
- المنافسة: فالأشخاص الذين يشعرون بتهديد مباشر في أعمالهم ومنافسة لهم من الآخرين هم أقل إبداعًا من الأشخاص الذين لا يعيرون المنافسة بالًا.
- الاختيار المقيد: فالأشخاص الذين يقومون بأداء مهمات محددة ومقيدة بشروط معينة، أقل إبداعًا من الأشخاص الذين تترك لهم حرية اختيار المهمات والقيام بها بالكيفية التي يرونها مناسبة.
- الدوافع الخارجية: فالأشخاص الذين يهتمون بالعوامل الخارجية التي تؤثر في أداء المهمات التي يقومون بها، هم أقل إبداعًا من أولئك الذين يهتمون بالعوامل الداخلية التي تؤثر في تلك المهمات.
كيف ننمي الموهبة؟
ينبه د. علي سليمان -الخبير التربوي- على أن أهم العوامل في تنشئة الطفل الموهوب مساعدته لكي يفهم أحاسيسه، ويعرف كيف يستفيد منها في مسار نموه، وإذا لم يستطع الطفل أن يحدد مشاعره، فسيكون من المستحيل عليه أن يقتنع بنفسه، كإنسان ذي قيمة وفائدة، ويجب ألا نصف الطفل بصفة الخطأ والصواب، لأن المشاعر في ذاتها تلقائية، كما أنها جزء من طبيعة الإنسان، ولكن طريقة التعبير عنها قد تأخذ صورة الصواب والخطأ، ولذلك يجب عليه أن يسيطر عليها ويضبطها ويهذبها عن طريق التوافق الاجتماعي كما يجب تعريفه بطريقة التعبير عن مشاعره ليمكنه تحمُّل عبارات الرفض والتأنيب المتوقعة مع ملاحظة أن عدم التشجيع وشعوره بالإحباط يؤديان إلى نقص إنتاجه، إذا ما قرنَّاه بالقدرة الحقيقية التي يمتلكها.
وإذا أردنا كآباء أن نساعد المدرسة في توصيل الطفل الموهوب إلى أهدافه، فلابد أن يكون ذلك منذ البداية، وذلك بأن نتواءم مع حاجات الأطفال ولا نربيهم بحيث يكونون صورًا منَّا، وهذا ما قد يقع فيه الكثير من الآباء والمربين.
وقد وجد العلماء أن آباء وأمهات الأطفال المبدعين لا يميلون إلى التسلط ويتيحون لأبنائهم وبناتهم حرية اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبًا، كما يتيحون لهم فرص اكتشاف البيئة من حولهم، هذا علاوة على توفير مجموعة من البرامج التربوية البيتية والأنشطة التي يخطهها الوالدان، مثل زيارة المكتبات العامة، وزيارة المعارض والمتاحف ومشاهدة البرامج العلمية والتربوية وحضور الندوات والمحاضرات وقراءة الكتب والقصص لأبنائهم وبناتهم وغير ذلك كثير من الأنشطة.
دور المعلم
يؤكد تيسير صبحي أن دور المعلم هام جدًّا في تنمية الإبداع عند الأطفال، وهناك أساليب وطرق كثيرة يستطيع المعلم الناجح الإفادة منها في التعامل مع طلبته منها:
- أن يقدم عددًا كبيرًا من الأنشطة التي تشجع التفكير الإبداعي.
- الابتعاد عن الأنشطة التي تعتمد الحفظ غيبًا.
- استخدام التقويم بهدف التشخيص لا يهدف إصدار حكم نهائي.
- إتاحة الفرص أمام الطلبة لاستغلال خبراتهم ومعارفهم بصورة مبدعة.
- تشجيع الطلبة على التعبير التلقائي.
- إحاطة الطلبة بجو يسوده القبول والجذب.
- تشجيع الطلبة على طرح أفكارهم الجديدة، ومساعدتهم في اختيارها بعيدًا عن أي محاولات لتسفيه أي أفكار مطروحة، أو التقليل من شأنها.
- تدريب الطلبة بهدف تنمية قدراتهم على التفكير الإبداعي وامتلاك عناصر الإبداع الأصالة والطلاقة والمرونة، هذا إضافة إلى تدريبهم على آليات توليد الأفكار
الجديدة وإصدار الحكم وإدراك العلاقات القائمة بين الأشياء.
- تدريب الطلبة على مهارات بحثية منها المبادرة الذاتية للاكتشاف والملاحظة والتصنيف، وطرح الأسئلة، وتنظيم المعلومات واستخدامها، والتسجيل، والترجمة، والاستدلال، واختبار الاستدلال.
وأخيرًا فإن تنمية مواهب الطفل تظل في حاجة إلى تضافر كل مؤسسات المجتمع حتى ننشئ طفلًا سويًّا بكل المقاييس.
لمسات في التربية من جدي «الشيخ علي الطنطاوي» (19)
الصدق مع الصغار
حدثتني والدتي أنها اشتكت -وهي صغيرة- ألمًا دائمًا في بطنها، فلما فحصها الطبيب وجد أنها تحتاج أن تصور صورة شعاعية لتقصي سبب المغص والألم، وكانت الصورة لا تتم إلا بعد أن يتناول المريض شربة من الملح الإنكليزي ذي الطعم البشع والرائحة الكريهة، فلما رأت أمي شكله وشمت رائحته استبشعته ورفضت تناوله حاولت جدتي إقناعها بأن طعمه ليس كرائحته ورغبتها في تذوقه، فلما تذوقت بعضًا منه ازدادت عزمًا وتصميمًا على ألا تشريه مهما حصل فغضبت جدتي وسعت إلى إجبارها على تناوله وهي رافضة متمنعة، فلما أعياها الترهيب لجأت إلى الترغيب فراحت تحاول إقناعها مؤكدة أن هذا الدواء لذيذ الطعم، وهي لا تزداد إلا عنادًا وتصميمًا.
سمع جدي الضجيج فجاء من غرفته مستطلعًا الأمر، فلما وقع على تفصيله طلب من جدتي أن تترك الأمر له، ثم التفت إلى والدتي فقال لها: «يا بنيتي، سأكون صادقًا معك، لذلك لن أقول لك إن هذا الدواء ذو طعم لذيذ، إنه كريه ولا يمكن شربه، بل إن طعمه لا يطاق، وقد احتجت يومًا لتناوله فلم أفعل لشدة كراهته وآثرت احتمال الألم على تجرع طعمه الكريه، ولكني آمل أن تكوني أشجع منِّي وأقوى وأمضى عزيمة فتفعلي ما لم أقدر أنا عليه، ويتم لك الشفاء بإذن الله قالت أمي: عندما صدقني والدي شربته جرعة واحدة وأنا سادة أنفي مغمضة عيني لشعوري بأنه مقدر لمعاناتي غير مستخف بآلامي.
لقد نشأنا -نحن الأحفاد- على الصدق والاستقامة والصراحة في علاقتنا بجدنا وأمهاتنا فعندما بلغنا السابعة وأمرنا بالصلاة لم يقل لنا جدي إن الصلاة عمل سهل ممتع، وعندما بدأنا بتغطية رؤوسنا -ولما نبلغ العاشرة- أخبرنا –صراحة- أن الحجاب قيد صعب، لقد كان يعترف بالجانب السلبي للأشياء دائمًا ويعمد بعد ذلك إلى التشجيع والتحفيز بأساليبه المبتكرة والعجيبة، أليس الحجاب قيدًا صعبًا للفتاة، وخاصة في مستهل شبابها وأول تفتحها؟ أدرك جدي ذلك فلم يسعَ إلى إيهام أي من بناته أو حفيداته بخلافه، بل بالغ في وصف صعوبة المسألة في الظاهر واتخذ كل أسباب التشجيع والترغيب «في الخفاء»، فعندما أرادت كبرى بناته أن تضع الحجاب أرسلها مع جدتي إلى السوق فاشترت لها بناء على طلبه أغلى وأجمل خمار، حتى لأظن جدي دفع ربع راتبه الشهري - وكان وقتئذ قاضيًا ثمنًا له، فكانت النتيجة أن خالتي شعرت بالفخر والزهو لما ذهبت إلى المدرسة والخمار الثمين النفيس فوق رأسها فتسابقت الفتيات إلى تقليدها وصار حجابها كسبًا لها بدل أن يكون عبئًا عليها.
ذلك كان منهج جدي دائمًا في التعامل مع التكاليف والواجبات الدينية منها والدنيوية، يدفع إليها ويرغب فيها ما استطاع، ولكنه لا يستعين على ذلك بإغفال صعوبتها أو بأن يزعم لها من المتعة والسهولة ما ليس فيها، انظروا إليه يحدث -في بعض كتبه- عن الطاعات والواجبات: كل المعالي ثقيلات على النفس: ترك التلميذ الرائي والإقبال على الدرس ثقيل، وترك العالم مجلس التسلية والاشتغال بالقراءة والإقراء ثقيل، وترك النائم فراشه والنهوض إلى صلاة الفجر ثقيل، وهجر الرجل زوجه وولده ومشيه إلى الجهاد ثقيل – ولا تنكروا وصف الدين بأنه ثقيل، فالله سماه بذلك في القرآن إنا سنلقي عليك قولًا ثقيلًا، لذلك: تجد الطالحين أكثر من الصالحين والغافلين السادرين في الغيِّ أكثر من الذاكرين السالكين في سبيل الرشاد.
وكبرت فتزوجت وصرت أمًّا ولم أنسَ هذا الدرس، فكنت مع أبنائي، أبحث عن الجانب السلبي في أي أمر فاعترف به -بصدق- غير مواربة ولا متهربة، ثم أعمد إلى الجانب الآخر الإيجابي فأغلبه واستعين على الإقناع به بالترغيب والتشجيع، وأي أمر مهما كان صعبًا. سلبيًّا يخلو من الإيجابية والخير؟
عابدة فضيل العظم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
يَومُ المسلمْ.. للناس في سير حياتهم اليومية مذاهبْ.. فكيف يسير يوم المسلم؟
نشر في العدد 229
61
الثلاثاء 10-ديسمبر-1974