العنوان أهمية العمل بالنوافل.. للدعاة وغيرهم...
الكاتب سلمان سعید
تاريخ النشر الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
مشاهدات 17
نشر في العدد 366
نشر في الصفحة 35
الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
أهمية العمل بالنوافل.. للدعاة وغيرهم...
أخي المسلم:
اعلم من البداية أني أتحدث في هذا المقال مع المسلم الداعية إلى الله سبحانه الذي شغلته الدعوة إلى الإسلام وملأت عليه جوانب حياته قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه همه الأكبر هي الدعوة؛ فهو حامل لها، يمشي بها بين الناس لينقذهم من ظلمات الكفر والجهل والضلال، وليسيروا خلفه فارين جميعا إلى الله تعالى يعبدون الله ولا يشركون به أحدًا غيره ويستعينون به، ويجتهدون ما في وسعهم وطاقتهم ويتحملون المشقات الثقال لبلوغ مرضاة الله والفوز بنعيمه والنجاة من عذابه.
إن أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، ونصح الأمة، والمجاهدة في ذلك حتى الموت مهمة ثقيلة تلزم الداعية إلى الله أن يتزود باستمرار، ولكن أي زاد هذا؟ أهو زاد الطعام والشراب أو نحو ذلك؟ لا ليس هذا هو الزاد الذي نقصده، وإنما هو زاد التقوى. قال تعالى:
﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 197).
والآن تعال معي لنرى وتنظر مكانة النوافل في الشريعة الإسلامية وضرورتها للمسلمين وخاصة الدعاة في هذا العصر المليء بالتيارات الفاسدة التي أفسدت فطرة الناس، ومالت بهم عن الحق، وجعلتهم يعيشون واقعا مظلما، كظلمات البحر اللجي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة:257).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع.
مثال: وأنا أصور المسلم الداعية الذي صحّت عقيدته وعمل بما فرضهالله عليه من الأوامر فامتثل والنواهي فاجتنب، ثم ما اكتفى بذلك بل دخل ميدان النوافل الفسيح مسارعًا لفعل الخيرات مجتهدًا ما في وسعه وطاقته متحملاً المشقات الثقال، للحصول على أكبر نصيب في هذا الميدان الفسيح.
أصوره -المسلم الداعية– بالقلعة التي تحتوي على كنز عظيم في غرفة محاطة بالجنود الأقوياء ولها سور متين وقد حاصر العدو هذه القلعة من جميع جوانبها.
فأما الكنز فهو الإيمان الصحيح المرتبط بالله سبحانه وتعالى، وأما الغرفة فهو القلب، وأما الجنود الأقوياء فهم الفرائض- وتشمل الأوامر والنواهي-، وأما السور المتين فهو ميدان النوافل الفسيح، وأما العدو الذي حاصر القلعة من جميع جوانبها فهو: النفس والهوى والشيطان والدنيا والكفار والمنافقون والعصاة. فالعدو جهده مركّز على اختراق السور -ميدان النوافل الفسيح- بأي وسيلة والقضاء عليه حتى يتمكن بعد ذلك من هدم الباقي وإخراج صاحبه من دائرة الإيمان.
لأن ميدان النوافل يصل المسلم بربه صلة الدوام، وهو السبب الذي يكون الله سبحانه وتعالى سمع العبد الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشيبها؛ فالعبد بالعدل يسمع وبالعدل يبطش وبالعدل يمشي وبالعدل قامت السماوات والأرض ومن فيهن، والدليل على ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه مسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال: فجمعوا له حليًّا من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليّ، وما ذاك- أي البعض بحاملي على أن أحيف- أي أجور- عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة فغنها سُحت- أي حرام - وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا- أي العدل- قامت السموات والأرض.
فإذا اتصف الداعية المسلم بصفة العدل كان منارة للناس يضيء لهم الطريق.
فالعدو همه إخراج الكنز من القلب وتركه فارغًا خاويًا لا إيمان فيه: فيعيش صاحبه في الظلمات ليس بخارج منها والله لا يهدي القوم الظالمين.
فعليك أخي الداعية بالبحث عن نوافل الصلاة، ونوافل الصيام، والحرص على الذكر والإنفاق في سبيل الله والمجاهدة في ذلك ما استطعت، والله سبحانه وتعالى يقول ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران:133) قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات «إذا كان الفعل مندوبًا بالجزء كان واجبًا بالكل وإذا كان مكروهًا بالجزء كان ممنوعًا بالكل».
ومعنى هذا أن لا نترك كل المندوب -النفل- وإن تركنا بعضه فلا حرج وإنما فاتنا أجر على تركنا إياه، وأن لا نفعل كل المكروه وإن فعلنا بعضه فلا حرج وإنما فاتنا أجر على فعلنا إياه، وعلينا أن نستغفر الله كثيرا على تقصيرنا بالنفل لتركنا إياه، وعلى تقصيرنا بالمكروه لفعلنا إياه.
وفقني الله وإياكم للعمل بالنوافل لنحمي أنفسنا من هذا العدو الغائر في هذا العصر المليء بالتيارات الفاسدة والله المستعان.
بقلم: سلمان سعيد
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل