; أوبيك بين الاحتضار والحياة | مجلة المجتمع

العنوان أوبيك بين الاحتضار والحياة

الكاتب راشد السالم

تاريخ النشر الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

مشاهدات 20

نشر في العدد 737

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 15-أكتوبر-1985

* مؤتمر فيينا استساغ مبدأ حرية كل دولة في أن تفعل ما تشاء

 

* السوق النفطية تشهد ظروفًا مواتية لكنها مؤقتة تعود بعدها للركود

 

* حرب الأسعار وخفض الدولار يؤديان لنقص دخل أوبيك أكثر من النصف

 

تشهد أوبيك في ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين أزمة خطيرة قد لا تؤدي لحلها رسميًّا باعتبار أنها أصبحت في الآونة الأخيرة مجرد ناد نفطي، لكنها قد تعصف بكل مكتسباتها السابقة وتعيدها إلى التبعية الكاملة للدول الرأسمالية المستهلكة للنفط؛ فالاجتماع الاستثنائي الذي أنهى أعماله يوم ٤ أكتوبر الجاري في فيينا لم يأت بجديد، مع أنه كان من المقرر أن يتخذ قرارًا بشأن توزيع الحصص ونظام التسعير؛ لأن المؤتمر العادي الذي انعقد في «٢٥» يوليو الماضي كان قد أرجأ النظر في هاتين القضيتين إلى المؤتمر الاستثنائي، لكن المؤتمر الاستثنائي أرجأ النظر في هاتين القضيتين مرة أخرى إلى المؤتمر العادي في «۷» ديسمبر القادم.

 

وتتلخص الأزمة الجديدة والخطيرة بشكل جدي في الوقت الحاضر في أن وقائع مؤتمر فيينا بالرغم من الإبقاء على سقف الإنتاج كما هو ومطالبة الدول الأعضاء بالالتزام بالحصص والأسعار، إلا أن المؤتمر قد أقر بشكل غير رسمي سياستين ليستا في صالح أوبيك أو أي من الدول الأعضاء، لا في المدى القصير ولا في المدى الطويل.

 

فسياسة «كل يمضي في سبيله» قد ينجم عنها فوضى في إنتاج نفط أوبيك تؤدي إلى زيادة الإنتاج في وقت تشهد فيه سوق النفط فائضًا قدر له رئيس المؤتمر د. سويروتو لمدة عامين.

 

هذه السياسة تكرست بإصرار ست دول على زيادة إنتاجها هي: أكوادور والعراق وقطر والإمارات والغابون وإيران، وقد انسحب وزیر نفط أكوادور من المؤتمر لعدم الاستجابة لطلب زيادة حصة بلاده من ۱۸۳ إلى ۲۸۳ ألف برميل يوميًّا، فيما طالب العراق بزيادة حصته من ١.٢ إلى ١.٧ مليون برميل يوميًّا. ويصر العراق على هذه الزيادة خاصة بعد تشغيل خط أنابيب جديد يصل العراق بميناء ينبع في السعودية.

 

وكانت بعض الدول قد طبقت هذه الزيادة بالفعل بالرغم من إعلانها الالتزام بنظام أوبيك. وبالإضافة إلى هذه الدول أعلنت السعودية عن نيتها لزيادة إنتاجها بما يوازي حصتها المقررة البالغة 3.45 مليون برميل يوميًّا. وفي نهاية المؤتمر صرح يماني أن بلاده رفعت إنتاجها إلى «۳» مليون برميل يوميًّا.

 

ولما كان سوق النفط لهذا العام يشهد انخفاضًا في الطلب يقدر بحوالي ٢٫٣% وتقدر الأوساط النفطية المطلعة أن هذا المعدل سيبقى على حاله في العام القادم، فإن زيادة إنتاج أوبيك ستؤدي إلى زيادة الفائض في السوق، الأمر الذي سيفرض انخفاضًا في أسعار النفط، قال سويروتو ويماني: إنها قد تصل إلى ١٥- ١٨ دولارًا للبرميل.

 

والسياسة الأخرى التي ناقشها المؤتمر هي ربط أسعار النفط الخام بأسعار المشتقات في السوق الفورية. ومعنى ذلك في ضوء ركود سوق النفط انخفاض هذه الأسعار. وكانت النرويج وبريطانيا وهما من غير دول الأوبيك.. هي أول الدول التي طبقت هذه السياسة، وداخل الأوبيك فقد ناقش المؤتمر بإسهاب لجوء بعض الدول لهذه الطريقة المخالفة للقاعدة المتفق عليها. وقد بين د. سويروتو أن هذه الطريقة «انتهاك لقرارات أوبيك، لكن ليس كل القرارات سلبية». وقد صرح وزير البترول السعودي أن بلاده لا تريد إلغاء أسعار الإشارة المتفق عليها، لكن «ستبقى كعلامة استدلال فقط».

 

وكإقرار لهذه السياسة قال وزير النفط النيجيري د. ويست: «يجب أن تفعل السعودية ما هو في صالحها».

 

والسؤال: إذا كانت الأمور بهذا الوضوح فلماذا تلجأ دول أوبيك إلى زيادة إنتاجها؟ لا شك أن جميع دول أوبيك أصبحت منذ ثلاث سنوات تعاني من عجز في موازناتها وموازين مدفوعاتها حتى إن العجز في ميزان المدفوعات لبعض هذه الدول بلغ ۲۰ مليار دولار، كما أن دولًا كالعراق وإيران تفرض عليها ظروف الحرب زيادة مستمرة في الإنتاج. وبعض الدول كالأكوادور ونيجيريا تعاني من ظروف اقتصادية سيئة جدًّا تحتم على حكومتيهما زيادة مواردها المالية عن طريق زيادة إنتاج النفط.

 

هذه الظروف الموضوعية انضافت إليها ظروف وقتية لصالح زيادة الإنتاج هي: نقص الصادرات النفطية من الاتحاد السوفيتي إلى دول أوربا الغربية، ونقص صادرات النفط الإيراني بسبب قصف جزيرة خرج، بالإضافة إلى انخفاض الإنتاج في الحقول الأمريكية وبحر الشمال بسبب أعمال الصيانة ونقص الاحتياطي. ولا ننسى عاملًا آخر هو زيادة الطلب لأغراض التخزين الاحتياطي في أوربا الغربية.

 

ولكن مع التسليم بصحة هذه العوامل هل من الحكمة الاستجابة لها بزيادة الإنتاج في دول أوبيك؟

 

مسئول نفطي كبير رفض ذكر اسمه قال لإحدى صحف الكويت: إن أوبيك إذ تفعل ذلك، أي عندما تستجيب لهذه الظروف المواتية مؤقتًا، بغرض تحصيل مكاسب مؤقتة تكون «كمن يبيع السكين لأعدائه بسعر مرتفع»، وهذا القول في محله لأن المخزون الاحتياطي استخدم كسلاح فعال لخفض أسعار النفط منذ عام ۱۹۸۳.

 

وإذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن السوق النفطية تشهد انخفاضًا مطردًا في الطلب على النفط بسبب زيادة الإنتاج في الدول غير الأعضاء في أوبيك، وبسبب نجاح الدول المستهلكة في تطوير مصادر بديلة للنفط، فإن لجوء دول أوبيك لزيادة إنتاجها كل على حدة سيؤدي إلى نشوب حرب أسعار قد تصل بالسعر إلى أقل من ١٥ دولارًا للبرميل. وإذا أخذنا في الاعتبار حقيقة تآكل القيمة الشرائية للدولار بسبب ارتفاع معدلات التضخم في العالم الغربي من جهة، وقرار الدول الصناعية مؤخرًا بتخفيض قيمة الدولار بمعدل حوالي ٣٠% فإننا نصل للنتيجة المأساوية بالنسبة لدول أوبيك، وهي أن دخولها النفطية ستنخفض بما معدله ٥٠ إلى ٧٠% في الأعوام القادمة.

 

إذا وضعت منظمة أوبيك هذه الحقائق في اعتبارها، فإن الأمر يستدعي منها مزيدًا من الصبر والتضحية والشد على البطون قبل أن تتحول إلى دول تمارس «الشحدة» إن هي أصرت على فوضى الإنتاج والتسعير.

 

والأوبيك إن آثرت الشح وسياسة «كل يغني على ليلاه» تكون في حالة احتضار؛ لكنه احتضار قد لا يؤدي للوفاة، إنما يؤدي بشكل أكيد للتبعية للعالم الرأسمالي الذي ما فتئ يتربص بنا الدوائر. فلينظر كل عظم الخطب، وليتحمل كل نصيبه من المسئولية، والله الموفق والهادي لسواء السبيل.

الرابط المختصر :