; أوقفوا مفاوضات الاستسلام | مجلة المجتمع

العنوان أوقفوا مفاوضات الاستسلام

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-مارس-1994

مشاهدات 14

نشر في العدد 1091

نشر في الصفحة 5

الثلاثاء 08-مارس-1994

   جاء الموقف الدولي المخزي من جريمة الصهاينة ضد المسلمين المصلين الساجدين في الحرم الإبراهيمي في الأسبوع الماضي ليؤكد على حقائق كثيرة طالما ذكرناها على صفحات «المجتمع».

      فقد ظل مجلس الأمن يواصل فشله المتوالي في مجرد اتخاذ قرار يدين المذبحة، رغم أن قراراته لا تطبق على اليهود من قريب أو بعيد، وأكد فشله هذا أنه ألعوبة في أيدي اليهود وأعوانهم، وأن دماء المسلمين في أي بقعة كانت هي هدف أساسي للقائمين على أمر هذا المجلس من الدول العظمى. 

     أما الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا فقد جاءت بياناتها كلها في صالح المجرمين، وكأنها إدانة للضحايا العزل الذين ضربوا من ظهورهم وهم ساجدون، حتى أن كل الزعماء الغربيين تحاشوا وصف ما حدث بالمذبحة أو المجزرة، وإنما اكتفوا بأوصاف أخرى داروا وراءها أحقادهم وضغائنهم ضد المسلمين.

     أما إسحاق رابين زعيم العصابات الصهيونية وصاحب المجازر الدموية ضد أبناء الشعب الفلسطيني طوال الخمسين عامًا الماضية- فقد ظهر متجاهلًا ما حدث للساجدين في الحرم الإبراهيمي، وما يقوم به جنوده من قتل يومي للفلسطينيين قائلًا: «سوف نعمل كل ما هو ضروري لإحراز تقدم في المسيرة السلمية، وإن مثل هذا العمل الذي قام به معتوه لن يؤثر على التفاهم بيننا وبين الفلسطينيين». 

     وقد جاء تصريحه هذا في الوقت الذي ظهر فيه يهودا باراك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي على شاشات التلفزيون العالمية وهو يمشي متبخترًا مثل قباضيات الصرب المجرمين في شوارع الخليل الخالية إلا من جنوده والمستوطنين، وقال مفتخرًا بجرائمه: 

«إن الوضع هادئ، وإن معظم الذين سقطوا في التظاهرات سقطوا برصاص الجنود» ولا ندري ما هو الفارق هنا بين جرائم جنود رابين وجرائم مستوطني رابين الذي أصر على وصفهم بأنهم معتوهون، وإذا كان هذا الوصف ينطبق على جولدشتاين قائد المجزرة فإنه دون شك ينطبق أيضًا على رابين وجنوده الذين قتلوا ويقتلون كل يوم من الفلسطينيين أضعاف من قتلهم جولدشتاين. 

إن الموقف الدولي المخزي من المجزرة لم يكن مستغربًا، وحرص أمريكا على سمعة إسرائيل وعرقلتها لاتخاذ مجلس الأمن- مجرد قرار يدين فيه المذبحة هو إدانة لدورها، ويعتبر مشاركة في هذه المذبحة ودليل قوي أمام هؤلاء الذين يثقون فيها، ويبيعون بلادهم بثمن بخس استرضاء لها أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى. 

       أما الموقف الأكثر خزيًا وعارًا فهو موقف ياسر عرفات ورفاقه الذي برز من خلال تصريحاتهم الضعيفة والمترددة تجاه إدانة المذبحة بقوة، وإعلان عودتهم إلى الصواب، وعدم الاستمرار في لعبة الاستسلام القذرة التي يخوضونها، لقد كان هذا الموقف أكبر من كل الخزي والعار الذي لحق بهم طوال تاريخهم الحافر بالمخازي وعلامات الاستفهام، ويكفي أن أطفال فلسطين وشبابها ورجالها وشيوخها ونساءها خرجوا عشية المذبحة غير عابئين برصاص اليهود، وهم يهتفون بسقوط ياسر عرفات، وسقوط مفاوضات الاستسلام. 

      كذلك جاء الموقف العربي الذي اكتفى بتعليق المفاوضات هزيلًا أيضًا يحمل في طياته النية لاستئنافها بعد فترة وجيزة، ولا ندري أي سلام هذا الذي لا زال يبحث عنه الواهمون وسط ركام هائل من جرائم الصهاينة وأحقادهم الطويلة؟ ولا ندري أبعاد هذه الثقافات والنداءات الغربية التي سبقت دفن الشهداء ومداواة الجرحى وهي تؤكد «أنها عملية موجهة ضد السلام»، و«أن معارضي السلام سوف يستغلونها لمعارضة اتفاق أوسلو».

      وتناشد الأطراف المفاوضة أن تستمر في مسيرة السلام، أي سلام هذا الذي يبحثون عنه أهل السراب وشهدائنا وجرحانا يسقطون كل يوم على أيدي الجنود الصهاينة وأيدي المستوطنين؟ إننا لا زلنا نطالب هؤلاء الواهمين ألا يواصلوا طريق الخيانة والاستسلام لليهود، وأن يحفظوا شيئًا من ماء وجوههم إذا كان لا زال عندهم بقية، فلا سلام مع اليهود المغتصبين أعداء الإسلام وأعداء السلام، وإنما هو طريق واحد هو طريق الجهاد، طريق العزة التي سادت به هذه الأمة على مر العصور، أما الذين يسعون لاسترضاء اليهود والنصارى فإنهم خاسرون مصداقًا لقوله -تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (سورة البقرة: 120).

ليس هناك أبلغ من هذا العجوز الفلسطيني الذي وقف بعد المذبحة يصف لإحدى الصحفيات الداء والدواء قائلًا: «منذ أن دخل اليهود بلادنا ونحن لا نرى من ورائهم إلا المصائب، ومنذ أن خلقهم الله هم غضب على العالم كله، وأخيرًا يقولون السلام والمفاوضات أي سلام هذا؟ فكلهم دجالون، اليهود دجالون، والذين قبلوا المفاوضات معهم دجالون، ولا يوجد حل إلا من عند الله، ولا يوجد أمل إلا في هؤلاء الشباب المجاهدين، فهم يسلكون طريق العزة، وليس طريق الاستسلام» إنها بلاغة مجرب، وإنه طريق العزة، ولا عزة إلا بالجهاد، والله أكبر ولو كره المجرمون. 

الرابط المختصر :