; أيام الصبر.. لا تقتليني!! | مجلة المجتمع

العنوان أيام الصبر.. لا تقتليني!!

الكاتب نوال السباعي

تاريخ النشر السبت 08-ديسمبر-2001

مشاهدات 18

نشر في العدد 1480

نشر في الصفحة 45

السبت 08-ديسمبر-2001

يا غافل لك الله.... من كان يظن أن كل عشناه في إسبانيا منذ عشرين عامًا من القهر والأذى والغربة المضاعفة والكراهية للرفض اليومي المدروس الموجه من قبل وسائل الإعلام من كان يظن أن هذا كله لن يكون شيئًا يُذكر اذا ما قورن بما نلقاهاليوم بعد الحادي عشر من سبتمبر إياه؟! من كان يظن أن الأوضاع ستتطور إلى ما تعيشه الجاليات العربية والإسلامية يوم من خوف وجوع للأمن والطمأنينة وترقب للمستقبل الذي تخشاه كما تخشى بعبعاً يؤنن كل حين بالقدوم على دروب التوجس والشك والقلق. لقد انعكست أحداث أمريكا على كل عربي مسلم يعيش في الغرب . 

لقد كانت من أصعب اللحظات وأقساها على النفس البشرية السوية كيف يمكن للمرء أن يشمت بعدوه في نفس الوقت الذي يؤلمه ألم ذلك العدو؟ من أين لنا بنفوس جبارة تستطيع إعادة صياغة تلك المعادلة في هذه النفوس المعجونة بالمعاناة؟ أم أن عظمة تلك النفوس تمثلت في هذا التمزق الذي عشناه في هاتيك اللحظات الغريبة؟ 

لقد تحدث الشاعر الفلسطيني أحمد مطر: 

بألسنتنا فأخرجنا من مأزقنا ذاك حين قال : 

أعد عيني لكي أبكي على أرواح أطفالك 

أعد قدمي لكي أمشي إليك معزيًا فينا فحالي صار من حالك. 

أتعجب أنني أبكي ؟ نعم.. أبكي 

لأني لم أكن يومًا غليظ القلب فظًا مثل أمثالك

 

!.. نعم بكينا بكينا خوف الناس وعجزهم وقهرهم وخوفنا وعجزنا وقهرنا بكينا أن يضطر الواحد منا أن يرى مثل ذلك الموقف المهيب لتشفى في روحه جراح عميقة طالما صمم على الحفر فيها ذلك الآخر، بكينا ... ولكن ما بكى أحد علينا ؟ هل اهتم أحد بأحوالنا جاليات اليتم والعري والوحدة والغربة دون أوطان تسأل عنهم، ولا أصدقاء يحتمون بهم في ساعات الشدة؟ 

ومن سيبكينا هنا وقد تكفلت وسائل الإعلام الأجنبية بحض المجتمع على تصعيد رفضه وعنفه مع المهاجرين المسلمين، بل واعتبرتهم طابورًا خامسًا للإرهاب الإسلامي العالمي - كما تردد تسميته ليلًا ونهارًا دون كلل ولا ملل. وهكذا تضاعفت أعمال العنف ضد العرب والمسلمين وبدرجة مؤلمة، فتعرضوا ومازالوا للضرب والإهانات البالغة والاعتداء على الممتلكات كتحطيم السيارات والمحال التجارية خاصة في الأحياء المعروفة بتجمع المهاجرين ووجود مساجدهم ومدارسهم 

فساعة نسمع عن مقتل شابين تونسيين بسب نقاش يخص الأحداث جرى بينهما وبين مجموعة من الشباب في أحد المقاهي ثم نسمع بقيام مجموعة من حليقات الرؤوس» - من بنات أوى وليس حواء ! بالاعتداء على فتيات مسلمات في أحد المراكز التجارية وفي وضح النهار، وتحت سمع وبصر رجال الأمن الذين اختفوا من مسرح الحدث بقدرة قادر وثالثة يقوم فيها أحدهم بدفع امرأة مسلمة من ورائها حتى تقع على وجهها فيأخذها ويخنقها خنقًا شديدًا بحجابها وهو يردد: ارحلوا من حيث أتيتم عودوا بقوارب هجرتكم إلى بلادكم ،ورابعة، وخامسة، وسادسة كل أولادنا هنا حتى البنات صارت أسماؤهم ابن لادن» وكلنا متهمون بالإرهاب والخيانة نساء ورجالًا ومواليد، تحولت نظرات الازدراء إلى خوف شرس، وتطورت الكراهية إلى بغضاء حاقدة قد بدت أنيابها في نظرات القوم، حرب من النظرات واللفتات التي تدك النفوس بالأذى ليلًا ونهارًا وتترك النفس كليمة مهيضة، ولعمري أن يزدريك امرؤ بسبب جهله ورعونته أهون على النفس من أن يخافك الناس ويبغضوك مثل هذا البغض الجارح المتوحش 

إن ذهبت تشتري من السوق تأفف منك البائع، وإن اضطررت لأخذ تاكسي رفض السائق أن يقلك، وإن صعدت إلى الباص ارتفعت الهمهمات والتمتمات، وإن ارتكبت مخالفة سير كان الله في عونك، وإن ألقيت على جارتك تحية الصباح، ردت عليك هل أنت مع الإرهاب، وان أخذت طفلك إلى الحديقة رموك بنظر كالشرر وابتعدوا عن الطفل كمن يفر من الطاعون 

أما في المدارس فحدث ولا حرج في مطعم المدرسة لم يعد لك حق أن تعترض على تقديم لحم الخنزير إلى أبنائك، ولم يعد طفل يستطيع أن يقول إني صائم لأننا في رمضان المعلمة تكلف الأطفال بموضوع إنشاء عنوانه: اكتب عن ابن لادن ، والكبار : اكتب عن رأيك في الإرهاب الإسلامي ... وكان الله في عون من كان اسمهم «أسامة» أو «عبد الرحمن» أو «فاطمة» أو «سلام» 

وهذا الأخير اسم ابنة لي كانت قد دفعت من قبل ثمن غزو العراق للكويت غاليًا، حيث كان الجميع ينادونها «صدام» بدلًا من سلام فتأتي البيت باكية، وها هي اليوم تدفع ثمن ضرب برجي نيويورك غاليًا، إذ يقولون لها: يسمونك سلام وهم يريدون الحرب. أما عن نفسي فكنت قد ذهبت آخذ ابني من المدرسة عصرًا، ووقفت هناك على باب المدرسة أنتظر خروجه، فإذا بطفلة لا تتجاوز الخامسة من العمر وقفت مع أمها في الانتظار صارت تنظر إلي فظننتها تلاعبني، فأشرت لها بيدي محيية فإذا بالبنت تصيح كالمسعورة: لا تقتليني لا تقتليني لا تقتليني. لا أدري كيف يمكن أن أصف شعوري في تلك اللحظات كل الذي أدريه أنني أصبت بما يمكن لمواطنة من الدرجة العاشرة مثلي أن تصاب به وهي ترى المحرقة تعد من جديد وسرادق الفتنة ينصب من جديد وحقول الاعتقال الجماعي والتطهير العرقي والديني تفتح أبوابها مستعدة هذه المرة لابتلاع ملايين جديدة كانت قد ساهمت في حينه في بناء أوروبا ورفع صرح حضارتها، أوروبا الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان المنسية والمهدرة والمضروب بها عرض الحائط في أول تهديد تواجهه «أوربتنا هذه العتيقة التي رمت المسلمين أول مرة في البحر وأخرجتهم جملة وتفصيلًا من الأندلس، ثم أشعلت حربين عالميتين، وأحرقت من اعتبرتهم أعدامها من اليهود وغيرهم في أفران حقدها المجنون- وإن كان اليهود يبالغون بشكل لا يصدقه عاقل ولا عالم في أعداد ضحاياهم أوروبا هذه التي ذبح في حضنها وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع ثلاثمائة ألف مسلم في البوسنة والهرسك، أوروبا هذه هي التي تنفخ اليوم وسائل إعلامها في أبواق الحقد الخائف المتوحش استعدادًا لمذبحة جديدة لم ير التاريخ مثلها ،بعد لا يمكن وقفها ولا الحيلولة دونها إلا أن يأتي الله بأمر من عنده يحقن به دماء المسلمين ويحمي أعراضهم من خطر نراه قريبًا، ويطفئ نيران حرب يوقدها أعداؤه لمآرب ليس أولها ولا آخرها تشغيل مصانع الأسلحة وخفض سعر البترول ورفع قيمة الدولار. يحدث ذلك كله... بينما قومنا نيام أن الطوفان بعيد! 

الرابط المختصر :