العنوان أين نجد الأديب المسلم..؟
الكاتب الدكتور عباس محجوب
تاريخ النشر الثلاثاء 24-يناير-1978
مشاهدات 16
نشر في العدد 383
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 24-يناير-1978
أعجبت بما أثير في الصفحة الأدبية من (المجتمع) من قضايا وتساؤلات تتعلق بالأدب الإسلامي وما يواجهه من معوقات.
وأهمية هذه القضايا ترجع إلى أن الأدب في العالم المعاصر من أهـم الوسائل لبناء الأمم وغرس المبادئ والقيم المطلوبة، واقتلاع الأفكـار والعادات التي لا تريدها المجتمعات، أو تعمل للتحول منها إلى قيم جديدة أيًا كانت هذه القيم، والأدب يستغل اليوم لتغيير اتجاهات الأمم ومبادئ الشعوب، وإحلال ما يراد لها من فلسفات هدامة ومبادئ إلحادية، وكل ما يشكك الأمة في قيمها وأخلاقها، والأزمة الكبيرة التي يواجههـا الأدب الإسلامي جزء مما يواجهـه الإسلام بعامة، إذ أن أعداء الإسلام على كثرتهم، وتباين اتجاهاتهـم وأجناسهم يعتمدون على قدرة الكلمة، وقوتها في ميادين الأدب والصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية، ولعل إحساس الأديب المسلم بجسامـة المعركة التي عليه خوضها أمـــــــام تيارات ذات إمكانيات ضخمة، جعلته يرهب التجربة ويترك المجال لغيره.
إن مشكلات الأدب الإسلامـي- بجانب القضايا الأدبية المطروحـة والمتعلقة بالالتزام والمضمون والشكل البنائي والقدم والحداثة - تتمثل في جوانب أخرى أهمها مشكلة الأديب المسلم أين نجده؟ ما هي سمـاته وملامحه؟ ما مدى التزامه وبم يلتزم؟ وهل هناك حدود لهذا الالتزام؟
إننا لكي نجد أدبًا إسلاميًا لا بد من أن نهيئ أديبًا مسلمًا، إذ أنه إلى جانب موهبته لا بد من أن يكـون دارسًا للأدب في ظل منهج إسلامي يجعل لهذا الأدب عناية واهتمامًا.
ولا نستطيع أن نفصل الآن بين تخلف الأدب الإسلامي وما وجه إليه المسلمون في عصرنا من انبهار بالحضارة العربية ومظاهرها ومناهجها في الدراسة الأدبية، ثم الاستسلام للغزو الثقافي الذي أدى إلى محو الشخصية الإسلامية، وطمس معالمها، والإقلال من أهمية كل أمر يتعلـق بالثقافة والتراث، والإشادة بكل دعوة إلى الهدم باسم التطور والتجديد، ثم الإشادة بالفكر المستورد والتعصب له والعمل من أجله، والأمثلة كثيرة في واقعنا نذكر بعضها لتقريب الصورة، وتشخيص الداء.
إن مصر ظلت رائدة للثقافة والأدب فترة طويلة، ولا تزال، وخلال هـذه المدة سلطت الأضواء على الأدباء الذين لا يهتمون بالإسلام بل كثـير منهم يعتبره أداة التخلف والجمود في العالم العربي، وقد وجه هـؤلاء الأدباء حركة الأدب مـن الجامعات وخارجها ولم يقف أمام ذلك التيار المدعم إلا القليل من الأدباء، وفي عهد عبد الناصر كان اختيار المعيدين في الجامعات بعامة، وأقسام اللغة العربية بخاصة مـن الاشتراكيـين الملتزمين، وهم الذين يؤلفون اليوم، ويوجهون حركة الأدب، ويشرفـون على الرسائل العلمية، وتسعـى وراءهم الجامعات الناشئة في العالم العربي من غير اعتبار لانتماءاتهم وأفكارهم.
أما الأدباء الذين ظهروا في مجال الإعلام ودور النشر، فالأمر بالنسبة لهم معروف وواضح، وأذكر أنني كنت في انتظار الأستاذة التي أشرفت على رسالتي في موعدها الأسبوعي في شهر رمضان، وفوجئت بالساعي يحمل لسبعة من أساتذة القسم ومعيديه شرابًا لم يتحرج أحد من تناوله أمام أستاذتنا، وعدد من طلاب الدراسات العليا، بل إن كثيرًا من المناقشـات للرسائل العلمية يطالب المناقشـون فيها باتجاهات معينة في الدراسات الأدبية، وإذا اشتم رائحة الإسلام في طالب كان مثار نقد غير علمـي وسخرية واتهام بالتقليدية والجمود، وهذه الصورة تتكرر في العالم العربي على اختلاف، فمن أين يتخرج الأديب المسلم؟ بل إن الإسلامي قد يعطل ويعاكس، وقد حدثني اشتراكي عن حضوره لاجتماع للشيوعيين فـي السودان قبل أعوام، ناقشوا فيه مع مسئولين في الجامعة، والدولة ظاهرة تفوق الطلاب الإسلاميين وأخذهم- حسب اللوائح- كمعيدين في الجامعة، ثم وضع خطة لإدخال أكبر عدد من الشيوعيين، وتهيئتهم لأخذهم كمعيدين وأساتذة في الجامعة مستقبلًا، بل إن الجامعة الإسلامية في السودان تعج بعدد من الأساتذة الشيوعيين الذيـن أدخلوا قبل سنوات، وقد نجحوا في تكوين جبهة اشتراكية كبيرة تحارب الإسلام داخل حصن من حصونه.
ونضيف إلى مـا سبـق بعض المعوقات التي تواجه الأدب الإسلامي منها:
1- إن أغلب الأدباء الذين شهروا في العالم العربي- غير الذين صنعوا في داخله- قد وردهم الغرب إلينا، كما تورد السلع فإذا مجد الغرب كاتبًا عظمناه، وأقرب مثال لذلك الروائي السوداني الطيب صالح، ومع أنه موهوب في كتابة الرواية إلا أن شهرته جاءت من الخارج، ولو كان في السودان لما علم به أحد حتـى اليوم كبقية الأدباء المغمورين، من أمثال العباسي وعبد الله الطيب وغيرهما، وإن كان عبد الله قد فرض نفسـه على بعض البلاد.
2- أغلب الجامعات الإسلامية التي بها كليات للغة العربية تدرس الأدب بمعزل عن ربطـه بالإسلام والعقيدة، كما تقلل هذه الجامعات من دور الأدب وأهميته للعالم المسلم والداعية، مما يجعل خريجيها والدعاة يفتقدون قوة الإقناع وجمال الكلمة وروعة الأسلوب وصحة اللغة، بل إنهم يدرسون اللغة العربية بالمواد والطريقة المتخلفة التي لم تتغير قرابة قرن، وحتى المواد التي تطـورت أساليب تدريسها واختلفت مادتها لا زالت تلقی بصورتها التي لا يرجـى وراءها ثمرة، ويكفي أن أأأغلب طلاب هذه الكليات دخلوها مرغمين لأكثر من سبب.
3- أغلب المجلات الثقافية والأدبية في العالم العربي بعيدة عن الإسلام ولا منفذ للشباب إلا منها، بل إن الدول الإسلامية الغنية تنشئ المجـلات الثقافية والأدبية وتصرف بسخاء عليها، ولكنها لا تلتزم بإسلامية هـذه المجلات، فتتركها لذوي الاتجاهات الفكرية المتباينة ما دامت تؤدي مهمتها الدعائية للدولة.
4- دراسة الأدب العربي في المدارس والجامعات محصورة في دراسـة الأدباء والشعراء ذوي النزعـات الشاذة والميول الغريبة، كما أنهـا تبرز شعر وأدب العصبية والقومية والأدب الذاتي والشعوري.
5- الإسلاميون أنفسهم يشاركون في وزر غياب الأديب المسلم فأغلبهم يقلل من قيمة الأدب ودوره في نشر الدعوة، وإرساء المثل وتوجيه الأمة وتغيير سلوكها واتجاهاتها المنحرفة، وإذا اهتموا فبالشعر وحـده، ويهربون من كتابة القصة الهادفـة والمسرحية الموجهة والرواية الجيدة، ويتركون هذه المجالات الحيوية المؤثرة لمن يفسدون الشباب ويهدرون القـيم، ويتملقون للحكام ويزينون الباطـل ويكتمون الحق، ويبدلون الجلود والوجوه كما تبدل الملابس، ولعل بعضهـم متأثر بشهيد الإسلام سيد قطب الذي لو استمر في اتجاهه الأول، لكان ناقد مصر والعالم الغربي الأول وأديبهـا الفذ، وروعة كتابات سيد جاءتـه من أنه كان أديبًا مؤمنًا عمق الأدب نظرته للقرآن ففهم القـرآن وفسره بذوق الأديب وإيمان المسلم، وجـاء بالظلال وقبله بالمشاهد والتصويـر وكلها مسميات من قاموسه الأدبي.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
هل تتوفر الاستقامة الفكرية لشخص.. لا تزال كتبه تحمل الاعوجاج الفكري؟ طه حسين أَلف كتبا تهاجم القرآن والإسلام.. ولا تزال موجودة!
نشر في العدد 177
28
الثلاثاء 27-نوفمبر-1973