; إلام ندعو وكيف؟ رفع الملام عن الأئمة الأعلام | مجلة المجتمع

العنوان إلام ندعو وكيف؟ رفع الملام عن الأئمة الأعلام

الكاتب محمد سلامة جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1972

مشاهدات 8

نشر في العدد 118

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 19-سبتمبر-1972

•رفع الملام، عن الأئمة الأعلام.. رسالة قيمة كتبها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بين فيها أسباب الخلاف، وحصرها في عشرة، وأورد فيها بعض مسائل أخلاقية شاذة تفرد بها بعض الأئمة الأعلام، ممن لا يرتقى الشك إلى فقههم وورعهم. والحق أنها رسالة على صغرها عز نظيرها، وودت لو قرأها كل مسلم، حتى يتسع صدره لخلاف من خالف من الأئمة القدامى والمعاصرين، ما دام قد تبين الإخلاص في نياتهم، والتجرد لله في جهادهم، ونفاذ البصيرة في اجتهادهم، فالخلاف حتم لازم لا مفر منه، وقدر جازم لا محيص عنه، غير أن المنصف من يقول: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب» والسعيد من يقول «إذا تعارض قولي والحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط «والمؤمن المستسلم لله من يقول «إذا صح الحديث فهو مذهبي» وإلا فليس إلا التحكم الجائر، واتباع الهوى المضل ﴿فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (سورة ص: 26). ولقد وقع الخلاف أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع أيام خلفائه الراشدين المهديين، واستمر وقوعه منذ تلك العصور إلى عصرنا وحتى تقوم الساعة، بذلك جرت سنة الله واقتضته حكمته، غير أن للاجتهاد شروطًا، وللخلاف حدودًا، والجدل بحثًا عن الحق قواعد وآدابًا، فمن اجتهد بغيـــر أهلية هلك، ومن خالف فيما لا يجوز الخلاف فيه ضل، ومن تجاوز الأدب في مناظرة العلماء فقد أساء، نسأل الله العصمة والرشاد، والهدى والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل. واعترف بأنني في أول أمري ما أنصفت الشيخ ابن تيمية ولا وفيته حقه من التقدير، فما كان عندي بالمنزلة التي هو عليها الآن في قلبي بعد أن هداني ربي والحمد لله، وكان ذلك لسبب واحد، هو أنني معجب بالإمام الغزالي محب له، معترف بإمامته وفضله وتقدمه، ولم يكن عقل ابن السابعة عشرة يستوعب الجمع بين حب الغزالي وحب من يخالفه، لذا وقف خلاف الشيخ الأمامي دون إنصافي له واعترافي بفضله، حتى وقعت على رسالة كتبها الشيخ بعد خروجه من سجنه الأول في مصر إلى أتباعه ومريديه في الشام يحذرهم فيها من الخوض في أعراض العلماء الذين  تسببوا في حبسه لدى السلطان، ومنعهم من الطعن فيهم والنيل منهم، وقال إنهم فعلوا ذلك معتقدين الحق فيما فعلوه، وحسبوا أنهم بذلك ينصرون السنة ويميتون البدعة في اجتهادهم، ولكل مجتهد نصيب، والحق أنها رسالة سامية أثرت في نفسي أبلغ الأثر، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يتسع صدره لإنصاف من آذوه وتسببوا في سجنه، ويحسن الظن بهم، ويحمل عملهم هذا على غيرتهم على الدين، وحرصهم على صفائه، ثم لا يتسع عقلي الصغير للجمع بين حب رجلين، كل منهما إمام عصره، وفريد زمانه، لمجرد اختلافهما في مناهج التفكير، وافتراقهما في طرائق الاستنباط، ومنذ ذلك الوقت، أكبرت الشيخ وأحببته واتسع صدري والحمد لله لخلاف من خالف من الأئمة الأعلام، ولم أر في ذلك نقصانًا في المنزلة ولا طعنا في الدين ولكن كلهم في طريق الله سائرون، وبشرعه متمسكون ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (سورة الذاريات: 17-18) ولئن تفضل علينا مولانا فأدخلنا في رحمته معهم وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنا إذا لمن الفائزين، اللهم اجعلنا كذلك برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم هداني ربي لقراءة رسالته «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» فأكبرته، وازداد يقيني بإمامته، وصدق تجرده لله في علمه وعمله ونيته، وإن لم يستلزم ذلك تسليمي لكل ما ورد في كتبه، فليست العصمة من مستلزمات الإمامة، وليس الخطأ بمعزل عن أئمتنا الأعلام وعلمائنا الكرام، ولكن ميزان الشرع هو الحكم بيننا، والفيصل في خلافنا، مع احتمال خطئنا في تخطئتهم، وعدم صوابنا في تصويبهم وكل ذلك جائز وواقع، ولا حرج فيه ولا تثريب، فالله الله في أعراض العلماء، فإن لحومهم سم قاتل وخير لك أن تطعن. قلت: وهذه الواقعة يؤيدها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» رواه البخاري. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فـــــــي الأنصار «لا يحبهم إلا مؤمن، أولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم ابغضه الله» متفق عليه. والأنصار رضوان الله عليهم إنما استحقوا تلك المنزلة بنصرتهم لله ورسوله، وكل من نصر الله ورسوله في كافة الأزمنة يجرى عليه هـذا الحكم، فمن ناصبه العداء عاداه الله، ومن أحبه أحبه الله، فاحذر أيها المسلم، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» فما بالك بمن يحقر إمامًا للهدى، ويقع فيه، إلا أنها من الموبقات، وإن كان أكثرهم لا يعلمون. وإذا كانت غيبة عامة الناس من الكبائر إذا صارت عادة معتادة فما بالك بغيبة أعلام الهدى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وروت عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم «حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعنى قصيرة» فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» قالت: «وحكيت له إنسانًا» فقال: « ما أحب أني حكيت إنسانًا وأن لي كذا وكذا» رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، قال النووي رحمه صحيح الله: معنى«مزجته» خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ (سورة النجم : 3 – 4) انتهى عن «رياض الصالحين» الحديث رقم ١٥٢٢. وإذا ذكر أحد بسوء في مجلس تعين على من سمع أن يدفع عنه وإلا كان شريكًا للمغتاب، وإن لم يستطع الدفع فلينصرف من المجلس ولا يمكث فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أذل عنده مؤمن وهو قادر على أن ينصره فلم ينصره، أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق» رواه الطبراني، وروى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». ولقد رأينا من آثار نقمة الله على من عادى أولياءه ما زادنا إيمانًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (سورة غافر : 51) فالحجاج حين قتل سعيد بن جبير رضى الله عنه دعا عليه سعيد فقال: «اللهم لا تسلطه على رجل يقتله بعدي» فمات الحجاج بعده بشهر دون أن يقتل رجلا بعده، وابن أبي دؤاد شيخ المعتزلة في زمن الإمام ابن حنبل رضى الله عنه تسبب في محنة لحمله على القـــول بخلق القرآن فلم يفعل رغم العذاب وكانت نهاية ابن أبي دؤاد محزنة في زمن المتوكل جزاء ما آذى الإمام. وحين أمر على بن يوسف بن تاشفين بإحراق كتب الغزالي وتحريم قراءتها دعا عليه الإمام «اللهم مزق ملكهم كما مزقوه وحرق ملكهم كما حرقوه» فقال ابن تومرت «ادع الله أن يجعل ذلك على يدى» فقال «اللهم اجعله على مدى هذا الفتى» وقد كان، وتحققت دعوة الإمام بإذن الله وقامت دولة الموحدين على أنقاض دولة المرابطين. ولقد شهد الناس في الزمن القريب نقمة العزيز الجبار على قوم ناصبوا أولياءه العداء وجاهروهم بالبغضاء ولاحقوهم بالإيذاء، فصب عليهم ربك سوط عذاب﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ (سورة الفجر: 14) ولقد حملني على كتابة هذا النذير، وتحبير هذا التحذير، ما رأيته قد شاع حتى بين بعض الدعاة إلى الله، طعن بعضهم على بعض، وسوء ظن البعض بالبعض، والاستهانة بحقوق الأخوة وواجبات الإسلام، ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (سورة النور: 15) وحسبنا الله ونعم الوكيل. فاعلم يا أخي أن رفع الخلاف ليس بالإمكان، ولم يقع أن رفع في زمن من الأزمان حتى في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلقد تجرأ عليه بعض أصحابه وخالفوه، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا. وإن الناظر في كتب الخلاف ليعجب من سماحة علمائنا الأعلام، ويدهش من كمال فقهائنا الكرام، كيف ملكوا نفوسهم بإذن ربهم فأدبوها، وكيف امسكوا بقياد ألسنتهم فهذبوها، وكيف طوعوا لعالى غاياتهم أقلامهم فرضوها. وليس معنى هذا ملاينة كل مخالف، ولا إقرار كل خلاف، فمن بعض المخالفين من يظهر من خلافه أن الخلاف غايته، والعناد سجيته، والكبرياء على الحق طبيعته، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم «الكبر بطر الحق، وغمط الناس» وبطر الحق رده، وغمط الناس ازدراؤهم، ومثل هذا له علاج  ولكن ليس كعلاج من ﴿أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (سورة ق: 37) أو طاف المحافل يرجو الرأي السديد، ولعل هذا سر تنوع وسائل الدعوة في قوله تعالى ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (سورة النحل: 125) فالحكمة غير الموعظة و الجدال أمر ثالث سواهما، ولكل منها أهل تليق به ویليقون بها، ولذلك تفصيل أرجو أن يعينني الله عليه وهو حسبي ونعم الوكيل. ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (سورة الحشر: 10) والحمد لله رب العالمين.
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دعوة الإسلام في ترنداد

نشر في العدد 14

27

الثلاثاء 16-يونيو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 14

نشر في العدد 14

31

الثلاثاء 16-يونيو-1970

حوار مع الشيطان

نشر في العدد 59

27

الثلاثاء 11-مايو-1971