; إلام ندعو وكيف؟ "2" | مجلة المجتمع

العنوان إلام ندعو وكيف؟ "2"

الكاتب محمد عبد العزيز جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1972

مشاهدات 15

نشر في العدد 114

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 22-أغسطس-1972

كيف ندعو؟
فإن قلت: قد تبينت الغاية، فما هي الوسيلة؟
أقول: إنه طريق رسل الله من قبل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(35)﴾ (الأنعام: 34، 35).
جمعت هذه الآية الكريمة قواعد السلوك وبينت معالم الطريق، فلنتأمل:
أولًا: نصت الآية على أن التكذيب شأن الأمم من قبل وتلك حقيقة تتكرر أبدًا ولا نراها تتخلف.
ثانيًا: التكذيب بمجرده بلاء للرسل عظيم، يحتاج منهم إلى صبر أعظم، وإذا وعينا هذه الحقيقة، أدركنا سر قوله صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل» فلو كان المراد بالبلاء هنا هو البلاء المحسوس، لكان من اتباع الرسل من هم أشد بلاء من الرسل، غير أن تصحيح الحديث يقتضينا القولَ بأن التكذيب بمجرده أقسى على نفس الرسول من أعظم الأذى البدني، يدل لذلك قوله -تعالى- ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ (فاطر: 8) وقوله سبحانه ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6) أي مهلكٌ نفسَك من شدة الأسف عليهم إن لم يؤمنوا.
ثالثًا: الأذى المادي الذي يسلط على الدعاة أمر آخر وراء التكذيب، يوضحه قوله تعالى ﴿فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾ (الأنعام: 34).
رابعًا: دلّت الآية الكريمة على أن رسل الله لم يرفعوا يدًا دفاعًا عن النفس أو انتقامًا لها، بل تحلَّوا بضبط النفس، واعتصموا بسكينة القلب، وكفوا شهوة الغضب ﴿فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ﴾ (الأنعام: 34) يوضحه قوله سبحانه في آية أخرى ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا﴾ )إبراهيم: ١٢)
خامسًا: هذا الصبر على الأذى ضرورة مؤقتة تقتضيها مراحل الدعوة الأولى، أما بعد ذلك فجهاد في سبيل الله، يتدرج بحسب ما تقتضيه الدعوة وحالة الدعاة، وهذا الأمر وإن لم تنص عليه الآية التي معنا، فقد أفاده قوله تعالى ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39). فالقتال مرحلة تالية، يشرع حين تتحقق شروط مشروعيته، وسأبين ذلك فيما يلي من مقالات إن شاء الله، فالمقصود بهذه المقالة هو حصر قواعد السلوك وإجمال معالم الطريق، والله المستعان في التفصيل والإجمال..
سادسًا: إن النصر يعقب الصبر على الأذى والتكذيب كليهما، يوضحه قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا».
غير أن هذا الصبر لا حدود له في حساب البشر، وإنما الحكم فيه لله، ونحن مأمورون بالصبر وحسب، أما إلى متى، فلا يعلم الغيب إلا الله، وقد صبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بمكة ثلاثة عشر عامًا وهم قلة مستضعفون، حتى أذن الله بالنصر، فشرح صدور أهل المدينة للإسلام، وجعلها مأوى لعباده المؤمنين بإذنه، وملاذًا لهم بأمره، ومن هناك انبثق النور في أقطار العالم، وصدق الله العظيم ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال: 26)، بينما لبث نوح -عليه السلام- في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا حتى ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27)فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28﴾ (المؤمنون: 26، 27، 28).
سابعًا: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ﴾ (الأنعام: 34) أي هي سنة الله التي لا تتخلف.
أ - دعوة من عند الله وإلى الله..
ب - يتلقاها الناس بالتكذيب وإيذاء الداعين إلى الله..
جـ - فصبر من رسل الله وأتباعهم على ما كذبوا وأوذوا في سبيل الله.
هـ - ثم نصر من عند الله جزاء صبرهم على طريق الله والتزامهم بنهج الدعوة إلى الله.
ثامنًا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأنعام: 34) فما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي..
تاسعًا: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ﴾ (الأنعام: 35) فلِمَ الحزن يا عباد الله، ولِمَ اليأس ولِمَ العجلة في طلب الثمرة، ثمرة جهودكم وإصراركم في الدعوة إلى الله لِمَ كل هذا؟ ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ﴾ (الأنعام: 35). فاعلم ذلك يا محمد ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأنعام: 35) الذين يظنون أن الضلال والهدى بيد الناس لا بمشيئة الله، ويجهلون أن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، فإن أراد أن يقيمه أقامه وإن أراد أن يزيغه أزاغه ﴿فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ﴾. (الأنعام: 125).
عاشرًا: إذا تقرر هذا فليس للدعاة إلى الله خيار في وضع منهاج دعوتهم إلى الله، ولكنه طريق مرسوم، ومنهاج معلوم، لا يملكون عنه حولًا، ولا يستطيعون منه مهربًا، إلا أن يكونوا شيئًا آخر غير الداعين إلى الله، وغير الملتزمين بمنهاج رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.
ونستخلص مما تقدم قواعد أساسية لها خطرها في الطريق إلى الله.
أستنبطها من قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(35)﴾ (الأنعام: 34 و35).
ومن تلك المقدمات أستخلص بإذن الله قواعد أساسية لها خطرها في الطريق وأثرها في السلوك.
1 - القاعدة الأولى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125).
2 - القاعدة الثانية: ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ﴾ (إبراهيم: 12).
3 - القاعدة الثالثة والرابعة: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (النساء: 77).
4 - القاعدة الخامسة: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ﴾ (آل عمران: 152) 
﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ (آل عمران: 165).
5 - القاعدة السادسة: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 40 و41).
أ - ففي القاعدة الأولى أمر بالرفق في سوق الناس إلى الله.
ب - وفي القاعدة الثانية أمر بالصبر على أذاهم.
جـ - وفي القاعدة الثالثة أمر بالإمساك عن القتال.
جـ - وفي القاعدة الرابعة صرف لطاقات الدعاة إلى الله من الانفعال والرغبة في الانتقام إلى توثيق صلتهم بربهم، وزيادة معرفتهم به، أي تجردهم للغاية.
هـ - وفي القاعدة الخامسة بيان أن بعض ما يصيب الدعاة من المصائب والنكبات ليس بسبب ثباتهم على الحق واستمساكهم به، بل بسبب انحرافهم عن هذا الحق والتوائهم في سلوك سبيله، والمؤاخذة حينذاك كانت قاسية وعاجلة، وكان فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما الحال يا تُرى لو لم يكن فيهم؟.
وإنه لأولى بنا أن نعيد النظر في تاريخنا، فنعلل ما أصاب الحركة الإسلامية ودعاتها من بلاء بأنه ببعض ذنوبنا وأخطائنا، لا لمجرد طغيان عدونا وجبروته وعتوه عن أمر ربه ﴿قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ ﴾ (آل عمران: 165).
و- وفي القاعدة السادسة بيان للمؤمنين المستضعفين الصابرين بأن الله إنما يعدهم لأمر عظيم، ويصنعهم ليصنع بهم كمال الدين، وينصرهم ليرحم الناس بهم أجمعين.
فإذا تأخر عنهم نصر الله، وتمكن منهم أعداء الله، ولم تنزل على أعدائهم لعنة الله؛ فما ذلك إلا لعدم أهليتهم بعد للرسالة العظمى، وعدم جدارتهم للإمامة الكبرى، وعدم استطاعتهم إقامة الدين بعد النصر والتمكين.
أما أن نظن أن الله قد حبس نصره عنا، ومكَّن لأعدائه منا، ونحن على الحق المبين، لمجرد مشيئته في ابتلائنا، دون حكمة بالغة تقتضي ذلك، فذلك بالله من الظن السيء ﴿وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ (الفتح: 12) ونعوذ بالله.
«حقائق ودقائق»
يتبين لنا مما تقدم، أن ما يجب علينا معرفته أمران اثنان لا ثالث لهما:
1- إلامَ ندعو؟
2- وكيف؟
ثم نثبت على الحق المعلوم، ونمضي في الطريق المرسوم، حتى يأتي الله بأمره، وخسر هنالك المبطلون.
وإذا كنا على فقه بالغاية، وتجردنا لها، ودراية بالوسيلة، والتزمنا سبيلها، فينبغي أن نكون على ثقة بالنصر وثيقة إن شاء الله، وإيمان بالتمكين جازم بإذن الله..
أما
متى؟ 2- وأين؟ 3- وكيف نُنصَر؟
فالأمر في ذلك لله، وليس إلينا منه شيء.
«لماذا؟»
ذلك أنه ليس من كمال العبودية أن نسأل لنعرف: متى يكون النصر؟ ولا من كمال الإيمان أن نسأل لنعرف: في أي البلاد ستقوم دولة العباد؟ ولا من كمال اليقين أن نسأل لنعرف: بأية طريقة سينصر الله الحقيقة؟
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو في أيامه الأولى في مكة، أقسم لأصحابه المستضعفين المعذبين «ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله على نفسه والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون».
هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يثق بوعد الله حتى لَيُقسِم عليه وهو في قلعة الكفر والطغيان، وأصحابه يجأرون إليه "ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟" فيُعزّيهم ويُثبّتهم ويُبشّرهم بالنصر المبين، وهو لا يعلم متى يكون ذلك، ولا أين، ولا كيف، ولكنه يعلم أنه يدعو إلى الله على بصيرة، وأن النصر مرهون باكتمال شرائطه التي جعلها الله له، فمتى أذن الله حقق نصره، وأعز جنده، وجعل كلمته العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، دون أن يخضع هذا النصر لمقاييس البشر، ولا لموازينهم، فإنه لا يتنزل إلا في اللحظة التي يبلغ اليأس فيها مداه، وتصل المحنة إلى ذروتها، هناك يتنزل نصر الله، ليعلم الناس أن مفاتيح القلوب بيد الله، والمقادير تجري بمشيئته وقدرته، لا راد لأمره، ولا مُعقّب لقضائه، وصدق الله العظيم ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110).
*حقيقة*
ومن هنا نعلم أن أي تخطيط نخطُّه لمسيرة الدعوة، نحدد فيه الوصول في عشر سنوات أو عشرين أو خمسين، كل ذلك باطل لا يجوز، فإنا ما كلفنا بهذا ولا ينبغي لنا، ولعل أخطر ما يصيب الدعوة والدعاة أن يتعجلوا النصر فيطلبوه من غير سبيله، ويسعوا إليه من غير بابه، فيصيبهم ما أصاب كثيرًا من الحركات الدينية التي ظهرت ولم تؤت ثمارها.
نحن ما كلفنا إلا بأن ندعو إلى الله، وعلى بصيرة، هذا وحسب، فمن أراد الله، فهذا هو الطريق، ومن أراد السلطان، فقد أغواه الشيطان ونعوذ بالرحمن.
﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(43)﴾ (الزخرف: 40-43).
والحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع حرب الشائعات وجهًا لوجه

نشر في العدد 12

25

الثلاثاء 02-يونيو-1970

دموع من مكة

نشر في العدد 42

25

الثلاثاء 05-يناير-1971