; إلام ندعو؟.. وكيف؟ (8) | مجلة المجتمع

العنوان إلام ندعو؟.. وكيف؟ (8)

الكاتب محمد سلامة جبر

تاريخ النشر الثلاثاء 24-أكتوبر-1972

مشاهدات 11

نشر في العدد 123

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 24-أكتوبر-1972

حيرة المسلم بين الدعوة والدعاة...

قال بأسى ظاهر، وكأنه لسان الصفوة من خيار الناس، ممن لا ينتظمون في جماعة، ولا يدينون لإمام بطاعة.. قال: يا أخي.. أرى العاملين للإسلام يندرجون تحت اسم «العاملين للإسلام» ثم تنظر بعد ذلك فتراهم شيعًا وأحزابًا «كل حزب بما لديهم فرحون» فأين أنا بينكم؟ أو بعبارته هو «ما هو موقعي من الإعراب؟» أنتم تزعمون أن العمل الفردي جهد ضائع، وتوجبون على المسلم أن يعمل للإسلام في جماعة، فلمن أدين؟ ومن أبايع؟ وأي تلك المدارس أتبع؟ وأيها أدعو لئلا أبتدع؟ هل كنتم راية الحق التي لا يخفق في الأجواء غيرها؟ هل كنتم النور الذي لا يشع في الظلماء سواه؟ هل كنتم الصراط الذي لا يضل من سلك سبيله؟ فلا أقمتم علينا الحجة أولًا ثم دعوتموني إليكم؟ هلا وحدتم صفوفكم، وجمعتم كلمتكم، وطهرتم قلوبكم، وكنتم القدوة التي لا يمتري في اتباعها مسلم؟ ثم قلتم بعد ذلك: أين أنتم أيها المسلمون الشاردون؟ أين أنتم أيها الجبناء المتخاذلون؟ هذا يا أخي وإلا فلا سمع ولا طاعة، ودعونا نعمل وحدنا، بالقدر الذي يعيننا عليه مولانا.

وأعترف بأني سكت ولم أجب، فإني أعرفه من خيرة الناس وصالحيهم، وأعرفه قد أخذ نفسه وأسرته بآداب الإسلام، والتزم بشرعه وتعاليمه، فما أمكنني أن أجد فيه مطعنًا أصل منه إلى اتهامه بخور العزيمة، وفتور الهمة، واكتفيت بأن قلت له: لقد أوحيت إليّ بمقالة سأكتبها -إن شاء الله- في باب «إلام ندعو وكيف؟».

وهأنذا أستعين بالله -تعالى- في تحقيق ما وعدته به، والله حسبنا ونعم الوكيل.

«وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا».. وهذا أصل من أصول الشرع.. فما لم تقم الحجة على قوم فإنهم لا يؤاخذون، فضلًا من الله ورحمة، وإلا فلو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولكن، «إن ربي على صراط مستقيم» والحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، والحجة إنما تقوم بالبيان والتبليغ لا بمجرد العقل وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقال المعتزلة: «بل بالعقل».

والكفر في حقيقة معناه لا يطلق إلا على من عرف وجحد، قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام: 33).

وقال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (النحل: 83). وأصح الأقوال في تفسير هذه النعمة التي عرفوها وأنكروها أنها «النعمة بإرسال محمد -صلى الله عليه وسلم». وقال -سبحانه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة: 146). قال مجاهد يكتمون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.

وهكذا لا يتصور كفر دون جحود مع المعرفة بعد البيان المبين الذي تقوم به الحجة.

 تفريع على الأصل

وأرمي من وراء ما أصلت، الوصول إلى حكم صحيح لدعوى صاحبنا «أقيموا علينا الحجة أولًا ثم ألزمونا بالعمل معكم»..

ولقد صدق..

وأقولها وأعوذ بالله من الهوى، فمن عرف غير ذلك بدليله فجزاه الله خيرًا أن أعلمني به: إن لزوم أي حكم من الأحكام الشرعية على أحد المكلفين إنما هو فرع لتيقنه أو غلبة ظنه أنه حكم الله، وما لم يبلغ عنده هذا الحد فلا وجوب عليه، بل ربما وجب عنده نقيض الحكم إن غلب على ظنه بالاجتهاد الصحيح أنه الحكم الصحيح، مثال ذلك أن أبا حنيفة -رحمه الله- يرى سقوط القراءة عن المأموم ولو قرأ خلف الإمام أثم، بينما يرى الشافعي -رضي الله عنه- أن قراءة الفاتحة واجبة ولو تركها عمدًا بطلت صلاته، فانظر إلى هذا الاختلاف الخطير في ركن من أركان الإسلام وهو الصلاة، وفي القراءة، وهي كذلك ركن من أركان الصلاة، فما ترى یا ترى؟! هل تقول الحق مع أحدهما أم كليهما؟ وإذا قلت مع أحدهما فمن منهما المصيب ومن منهما المخطئ؟ وما دليلك؟ وما قولك في دليل المخالف؟

وهكذا.. «ولا يزالون مختلفين».

غير أن ما روي من إجلال هؤلاء الأعلام لبعضهم البعض، وتقدير كل منهم برأي مخالفة، لا يجعلنا نرتاب لحظة في فقههم وورعهم وصدقهم وإخلاصهم. ومن اتفاقهم على الحكم بأن المجتهد لا يحل له العمل برأي مخالفه إذا تبين له بالاجتهاد الصحيح بطلانه.

ومن قولهم كذلك بأنه لا يجوز للمقلد أن يتبع إلا من غلب على ظنه أنه أهل للإمامة والاجتهاد.

فلو تبين لمقلد بالدليل أن دليل الشافعي مثلًا في قوله بنقض وضوء من مس المرأة مطلقًا بشهوة أو بغير شهوة أقوى من دليل أبي حنيفة في قوله بعدم النقض سواء منها بشهوة أو بغير شهوة.. فلو تصورنا الأمر كذلك لما حل له إلا أن يتبع ما ثبت له بالدليل الذي آمن به واتضح له ولو كان مقلدًا ما دام يملك النظر في الترجيح بين الأقوال بأدلتها.

لذلك أقول:

إنني لا أملك أن ألزم مسلمًا برأي جماعة معينة، ولا أملك أن أوجب عليه العمل في جماعة محددة، حتى تقوم الحجة في نفسه، وتتبين الأدلة في قلبه، على أمرين:

الأول: إن العمل في جماعة فرض.

الثاني: كون هذه الجماعة بعينها مستوفية الشروط الجماعة المسلمة وأمامها أهل للإمامة.

أما قبل ذلك... فلا وألف مرة لا.. أقولها وأعوذ بالله من الهوى..

ومن يرى غير ذلك فليلزمني بالدليل، فإني سميع -إن شاء الله..

أقولها لئلا نرمي الناس بالتهم جزافًا ولربما كان فيهم من هم خير منا.. أقولها لئلا يظن كل حزب أنهم على الحق الذي لا يجوز خلافه وغيرهم على الباطل الذي لا ينبغي اتباعه. أقولها لتتسع صدورنا لخلاف من خالف ونحسن ظنوننا بأناس لعلهم أقرب إلى الله منا.

أقولها لنتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.

أقولها لأن الشوط بعيد، والطريق شاق، فلو وقفنا ليضلل بعضنا بعضًا، ويُسفّه بعضنا آراء بعض فلن نصل أبدًا، ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (الأعراف: 89).

 فاعفُ عنهم واصفح، وقل سلام..

وثمرة ما تقدم أنني أدعو إلى التسامح المخلص، والحب البناء، وحسن الظن بالمسلم ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا، إلا فيما ورد فيه نص قاطع، أو خولف أصل مجمع عليه، ومن شذ شذ في النار ونسأل الله العصمة والرشاد والهدى والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

فيأيها الأخ الكريم -كائنًا من كنت، الله أعلم بك وبنيتك، وبالحق الذي اتضح لك فألزمت نفسك به، وليس حسابك عند أحد من الناس ولكن عند من يعلم السر وأخفى، ولئن اعتصمت بعقلك المجرد في تبيّن المشكلات وحل المعضلات، والوصول إلى الحقائق المشرقات، إنك إذًا لمن الجاهلين..

وأخشى أن تكون ممن قال -سبحانه وتعالى- فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (الكهف: 104).

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دائم التضرع إلى ربه بطلب الزيادة في العلم والهداية وكان كثير الاستغفار وجلًا من تغير الحال وزوال النعمة وفجاءة النقمة.

فكان من أدعيته المشهورة: «اللهم يا معلم إبراهيم علمني» «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» «اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» «اللهم اهدني وسددني» «اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي».

إلى غير ذلك مما لا نكاد نحصيه من دعائه -صلى الله عليه وسلم- لربه كيف.. «والدعاء مخ العبادة» كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

فبقدر تجردنا لله، وتضرعنا له، وتذللنا إليه، بقدر ما تصفو قلوبنا بإذن الله، وتخلص نياتنا بفضل الله، وتزكو أعمالنا وتؤثر بعون الله، وعند ذلك لا نرى لاختلاف الكلمة موضعًا ولا نحس لأحد خالفنا بضغينة، ولا نلوم من اعتزلنا وآثر العمل وحده، فلعل الله يريد أن يتم به أمرًا؛ وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوی» «ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم».

ولست أجد ما أختم به كلمتي إلا قوله تعالى معلمًا لنا رحمة بنا:

﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (الحشر: 10).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دعوة الإسلام في ترنداد

نشر في العدد 14

27

الثلاثاء 16-يونيو-1970

لقلبك وعقلك - العدد 14

نشر في العدد 14

31

الثلاثاء 16-يونيو-1970

حوار مع الشيطان

نشر في العدد 59

27

الثلاثاء 11-مايو-1971