; اختلاف نصاب الشهادة | مجلة المجتمع

العنوان اختلاف نصاب الشهادة

الكاتب الدكتور محمد رواس قلعجي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-مارس-1979

مشاهدات 19

نشر في العدد 438

نشر في الصفحة 41

الثلاثاء 27-مارس-1979

سؤال: 
جاءنا من الأخ ناصر بن عبد الخالق بن صالح- المعهد العلمي بالطائف:
لماذا جعل الإسلام شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، مع أنه قد كرم المرأة، وأعطاها حقوقها، وجعل لها مكانتها.

جواب:
اسمع يا أخ ناصر، فنحن نريد أن ننبهك إلى أن هذه زوبعة في فنجان، اصطنعها أعداء الإسلام تنفيذًا لمخططهم الهادف إلى التشكيك في قيم الإسلام وأحكامه.

وإخلاصًا للحقيقة والعلم أقول: إن نظرية الإسلام في الإثبات وأخص منها نظريته في الشهادة، تعتبر أدق ما وصل إليه علم القانون إلى عصرنا الحاضر. واني سأعرض عليك ملخصا لجزء من هذه النظرية فيما يلي إجابة عن سؤالك.

لقد قرر الإسلام أن نصاب الشهادة -عدد الشهود- يختلف حسب الحق المشهود به.

١- فإذا كان الحق على درجة من الخطورة، يتوقف عليه مستقبل طفل، وسمعة أسرة، يتطلب ذلك أخذ الحيطة والحذر في إثباته. ومن هنا قرر أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود، سترًا للأسر وحفظًا لأسرارها.

٢- وإذا كان الحق من نوع الحدود والدماء، التي لا تقوى المرأة بحسب تكوينها النفسي الخلقي على مشاهدته لما فيه من سفك الدماء والعذاب الشديد، فقد استبعد المرأة من الشهادة فيه، فلم يجز شهادتها في حدٍّ ولا دم، حفظًا للحق من الضياع، لأن الإسلام يشترط في تنفيذها مباشرة الشاهد تنفيذ العقوبة بنفسه، ففي حد قذف الزاني المحصن بالحجارة حتى الموت، أول من يبدأ الرمي: الشهود، ثم القاضي، ثم الناس. وإن لم يكن للشاهد مباشرة التنفيذ، وجب أن يشهد التنفيذ، فإذا حكم امرؤ بالإعدام مثلا، فعلى الشهود أن يشاهدوا تنفيذ حكم الإعدام في المشهود عليه- والمرأة لا تقوى- بحسب تكوينها- على مشاهدة هذه المناظر القاسية.

ومن مبادئ الإسلام في القضاء أيضًا: أن الشاهد يحق له الرجوع عن الشهادة طالما أن الحكم لم ينفذ، فإذا رجع الشاهد عن شهادته، كان على القاضي أن ينقض الحكم الذي بناه على شهادة هذا الشاهد.

وبناء على ذلك: إذا وقفت المرأة الشاهدة لمشاهدة تنفيذ حكم الإعدام أو لمباشرة حكم الرجم -مثلا- قطر قلبها رحمة، وسالت شفقة، وكان احتمال رجوعها عن شهادتها العادلة احتمالًا راجحًا.

ولذلك، وصونا للحقوق من أن تهدر أو تضيع، فقد استبعد الإسلام من الشهادة في هذه الأمور -الحدود والدماء- .

٣- أما إذا كان الحق من الحقوق المالية، وسببها في أغلب الأحوال المداينات والمبايعات، ومكانها الطبيعي المتاجر والأسواق، فإن الإسلام جعل فيها شهادة امرأتين مكان كل رجل. والسبب في ذلك يمكن إيضاحه بالرجوع إلى مُسلمات علم النفس في هذا الموضوع.

لقد قرر علماء النفس أن الإنسان شديد الملاحظة الحافظة والتذكر للأمور التي هي في دائرة اختصاصه، وضعيف الملاحظة والحافظة والتذكر للأمور الخارجة عن نطاق اختصاصه، ومن هنا كان موظف الاستعلامات في الهاتف يحفظ آلاف أرقام الهواتف، ويعجز عن حفظ قصيدة من الشعر، وكنت أنا عاجزًا عن حفظ رقم سيارتي وهاتفي حتى الآن، بينما لا يمكن أن أنسي حكمًا فقهيًا مر بي، ولو مرورًا عرضيًا، إلا في النادر ذلك أمر لا جدال فيه.

ولما كانت دائرة المرأة لا تتعدى البيت والتربية- حسب تكوينها الخلقي، وحسب النظام الإسلامي - إلا في النادر، كانت ملاحظتها لما يجرى في الأسواق من مداينات التجار وخصوماتهم وحفظها لها ضعيفًا.

والإسلام كل ما يهمه هو إحقاق الحق، رضيت المرأة أم سخطت، ورضي الرجل أم سخط، فمن الحق أن تعضد شهادة المرأة في هذا الميدان -الميدان المالي- بشهادة امرأة أخرى، حتى إذا ما نسيت الأولى شيئا ذكرته الثانية، حفاظًا على الحقوق.

٤- أما إذا كان الحق مما تختص به النساء، ولا يطلع عليه الرجال كاستهلال المولود، وانتهاء العدة بالحيض -والمرأة أشد حفظًا لهذا من الرجل- فإنه يكتفي لإثباته بشهادة النساء وحدهن، بل يكتفي لإثباته بشهادة امرأة واحدة ويحق للرجال الذين لم يرضعوا لبن الإيمان أن يقولوا: إن الإسلام ظلم الرجال لأنه لم يثبت هذا النوع من الحقوق بشهادة رجل واحد، بينما أثبتها بشهادة امرأة واحدة.

إن القضية يا أخي ليست قضية رجل ولا قضية امرأة، ولكنها قضية عدل يجب أن يقام، وحق لا يجوز أن يضيع.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أكثر من موضوع (188)

نشر في العدد 188

19

الثلاثاء 19-فبراير-1974

المرحلة الخطرة

نشر في العدد 365

19

الثلاثاء 30-أغسطس-1977