العنوان ارحمونا
الكاتب أحمد عز الدين
تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003
مشاهدات 13
نشر في العدد 1581
نشر في الصفحة 37
السبت 20-ديسمبر-2003
في أسوا وضع يمكن تصوره، تم القبض على صدام حسين وحيدًا، مختبئًا في قبو تحت الأرض، أشعث أغبر، متهالكًا، زائغ النظرات محطمًا، لم يستخدم السلاح الذي في حوزته للدفاع عن نفسه، ومع ذلك فمعه ثلاثة أرباع مليون دولار عدًّا ونقدًا.
لو طلب من أي خبير في الدعاية أن يرسم صورة بشعة لشخص مكروه أصلًا لكانت الصورة التي ظهر بها صدام هي الصورة المثالية المطلوبة.
أن يقع صدام في قبضة الأمريكان، فهذا ليس بمستغرب، فقد تخلى عنه أقرب حلفائه وهو في السلطة عند سقوط بغداد، فكيف وهو مطارد يبحث عنه خصوم الداخل وهم كثيرون أكثر ممن قتل وسجن وعذب ونفى، وأعداء الخارج المسلحون بالتقنية وأجهزة الاستخبارات والدولار.
لكن أن يقع بهذه الصورة البشعة فهذا محل التساؤل: كيف ولماذا؟ أما كيف فلا نملك الإجابة عنها، والتكهنات التي يمكن أن تقال لا ندري صحتها، وقد تعودنا ممن يملك المعلومات أن لا يعطوها للناس بل قد يقدمون عكسها تمامًا، هل اعتقل صدام فعلًا في تمام الثامنة مساء السبت 13 ديسمبر؟ هل يمكن ضبط مواعيد العمليات العسكرية إلى هذا الحد كما تضبط مواعيد نشرات الأخبار؟ وهل كان بهذه السحنة التي ظهر بها وصورته بها الكاميرا الوحيدة الخاصة بالقوات الأمريكية؟ ما معنى التصريحات السابقة عن اصطياد سمكة كبيرة؟ ولماذا صادق مجلس الحكم على تشكيل معركة جرائم الحرب قبل أيام فقط من موعد الإعلان عن القبض على صدام؟
هل قبض عليه في وقت سابق وجرت تهيئته جسديًا وشكليًا ليقدم لنا في هذه الصورة المزرية لا أظن أن أحدًا إلا القليل من المهووسين كان يستبشر خيرًا بصدام قبل سقوطه فضلًا عن أن يتوقع منه شيئًا بعد سقوطه، وهو قد ارتكب من الموبقات ما يكفي لتلويث مياه البحار والمحيطات، ولكن أن يتولى الأمريكيون - لا العراقيون - أمر القبض عليه وإظهاره أمام الناس بهذا الشكل فتلك رسالة أمريكية واضحة رسالة للشعوب مقصود منها أن تفهم وتسلم بأن لا سلطة ولا قوة ولا إرادة على وجه الأرض إلا لأمريكا فهي التي تزيل الأنظمة وتحيل الجبابرة المتغطرسين أذلاء جبناء صاغرين وليس للشعوب إلا أن تسبح بحمد أمريكا وتطلب رضاها ورسالة لبعض الأنظمة، أو قل لبعض الحكام أن لا سبيل أمامكم سوى الرضوخ والتسليم لإرادة أمريكا، وإن كانت قد صبرت عليكم فليس عن عجز وإن رضيت عليكم يومًا فلا تأمنوا لذلك أبد الدهر، فقد رضيت عن صدام ودعمته وسلحته وقوته، وحين تغيرت إرادتها لم يحل دونها حائل أن تدمره وتذله وتجعله عبرة لمن يعتبر.
ونحن أمام الرسالة الأمريكية أمام أمرين: إما رفض أو تسليم، لكن النتيجة التي ينبغي أن نخلص إليها - في رأيي . واحدة في الحالتين: إن رفضنا التسليم بأن أمريكا تسيطر على مقدرات الكون، وتذكرنا أن للكون ربًا هو المسيطر وهو من ينبغي أن نلجأ إليه، إن فعلنا هذا فلا أقل من أن نسعى لإصلاح أحوالنا بأيدينا أما من يرى أنه لا راد لقضاء أمريكا إن أرادت فلا أقل من أن يلحق نفسه ويرحمنا ويخرج بما تبقى له من كرامة بدل أن يخرج مذمومًا مخذولًا.