العنوان استعِذ بالله من هذه الثمانية.. »الجزء الخامس« البخل
الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي
تاريخ النشر الاثنين 01-أغسطس-2022
مشاهدات 16
نشر في العدد 2170
نشر في الصفحة 48
الاثنين 01-أغسطس-2022
ليسانس شريعة - ماجستير الدعوة
جامعة المدينة
العالمية
إنه داء خطير
يفر الناس من صاحبه وينتزع حبه من قلوبهم ويورث كراهيته في نفوس الكثير منهم، وقد
يجعله يعيش في عزلة عمن حوله من أهل وأصحاب، فهو داء إذا تمكن من النفس أذلها،
وإذا دخل القلب أفسده، وإذا صار خلقًا دائمًا لصاحبه أدى لتضييع الحقوق والواجبات،
وبذر الشقاق في الأسَر والمجتمعات، لذا وجب التعرف عليه والتخلص منه وعلاج أعراضه
إن وُجدت.
وقد حذرنا
النبي صلى الله عليه وسلم منه، وكان يطلب من الله تعالى في دعائه صباحا ومساء أن
يقيه هذا المرض، وأن يجنبه إياه، لما له من مآلات ميئة على الفرد والأسرة والمجتمع.
إنه مرض البخل
الذي نهانا اللّٰه عز وجل عنه في القرآن الكريم، وذمَّ من يتصف به، وقد بلغ من
خطورته أن يستعيذ منه النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويطلب من اللّٰه عز وجل أن يحفظه
من هذا الخلق الذميم، وكان يعلم أصحابه ذلك أيضاً، وقد ذكره في كثير من أحاديثه
الشريفة، وأكد أنه ليس من صفات أهل الإيمان، كما في قوله:
»
خَصلتانٍ لا يجتمعانٍ في مؤمنٍ:
البُخل، وسوءُ الخُلُق» (رواه الترمذي).
كما جمع بينه
وبين صفات كلها غير محمودة استعاذ بالله تعالى منها جميعًا، كما في قوله: «اللهم
إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والهرم والقسوة والغفلة والذلة والمسكنة وأعوذ
بك من الفقر والكفر والشرك والنفاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم
والجنون والبرص والجذام وسيئ الأسقام» (رواه ابن حبان)، وكما جاء عن أنس بن مالك
رضي اللّٰه عنهما: أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كان يدعو: » أعوذ بك من
البخل والكسل، وأرذل لعمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات» (رواه البخاري)، بل إنه صلى اللّه عليه وسلم
جعله عيبًا قبيحًا فيمن يتصف به، فقال: «وأيُّ داءِ أدوَى من البُخلِ» (أخرجه
البخاري في الأدب المفرد).
الإسلام يرفض
البخل
إن دين الإسلام
دين كرم وبذل وجود وعطاء، وإيثار ومواساة وحب، وقد دعانا إلى هذا كله، ولا يكون
ذلك أو بعضه مع لبخل.
وقد كان من
دعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت» (رواه
النسائي)،
وقدم لنا من نفسه خير قدوة، فلم يكن ممسكًا بخيلًا، بل جعله اللّٰه تعالى أجود الناس وأعظمهم عطاء وإيثارًا، كما قال صلى اللّٰه عليه وسلم: » ويَأْبى اللّٰه ليَ البُخْلَ» (رواه الحاكم).
وقد قدمت زوجه
خديجة رضي اللّٰه عنها خير مثال في البذل والعطاء والإنفاق بسخاء ليبلغ النبي صلى
اللّه عليه وسلم رسالته؛ فكان مما قاله عنها: «وواسَتْني بمالِها إذ الناسُ» (رواه
أحمد)، وكذلك كان أبو كر رضي الله عنه يعطي ولا يبخل، وقد نزل فيه قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَ وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ (الليل)، داء خطير إذا تمكن من النفس آذلها وإذا دخل القلب أفسده أسوا
البخل أن يبخل الإنسان بالنفقة على نفسه بما يصلحها وعلى مَن وجبت عليه النفقة فقد
صدق ب«لا إله إلا الله»، وصدق بعظيم ثوابه في جنته، وصدّق بالخلَف من اللّٰه أنه
سيخلف عليه ويعوضه خيرًا مما أنفقه، كما أن الصحابة رضي اللّه عنهم لم يكونوا
بخلاء، فقد تعلموا من النبي صلى اللّٰه عليه وسلم الجود والكرم.
أما الأنصار
رضي اللّٰه عنهم فقد ضربوا أروع مثال للمؤمنين في الإيثار الذي خلد اللّٰه تعالى
به ذكرهم في القرآن الكريم، ورضي عنهم وأرضاهم، نوصفهم سبحانه وتعالى بقوله ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾ (الحشر: 9)، فنبذوا كل أنواع البخل، فتعدى إيثارهم للمهاجرين من
إنفاق المال إلى إيوائهم في بيوتهم ومشاركتهم أعمالهم، وإظهار الحب في اللّه لهم
ودعمهم نفسيا في غربتهم النبي قدم لنا من نفسه خير قدوة فكان أجود الناس وأعظمهم
عطاء وإيثارًا وهجرتهم بالمؤاخاة الفريدة التي قام بها النبي صلى اللّٰه عليه وسلم
بها فيما بينهم.
أسوأ البخل
إن من أسوأ البخل أن يبخل الإنسان
بالنفقة على نفسه بما بصلحها، والنفقة على مَن وجبت عليه النفقة لهم من والدين وأقربين،
وزوج وأولاد، فيحاسَب على تضييع حقوق الغير، ويحرم نفسه الأجر الذي بشره به النبي
صلى اللّٰه عليه وسلم في قوله: «ولَسْتَ بنَافِقِ نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا
آجَرك اللّٰه بها حتى اللقمة تجعلها في فِي امرآتك» (رواه البخاري)، وقد ضرب اللّه
عز وجل مثلا نهى فيه عن الإمساك والبخل، وعن الإسراف والبذخ، فقال تعالى: ﴿ وَلَاَ
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ (الإسراء: 29)، فالمسلم يؤدي ما عليه، ويتوسط في نفقته.
فلينفق المؤمن مما أعطاه اللّٰه امتثالاً لأمره فقد دعانا للنفقة فقال: ﴿ آمِنُوا يَابَتْ خلَيُ لِ تلِيا أمَّ ا مَبَطْمُ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ﴾ (الحديد : 7) )،وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأْطِيعُوا وَأنفِقُوا خَيْرًا لَأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَبِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾)(التغابن: 16)، وذكر أهل الإنفاق ومدحهم وبشرهم بما يسرهم، فقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالليْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمُ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة : 274) .
ورغبنا النبي صلى اللّه عليه وسلم في العطاء فقال: «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» (رواه البخاري)، وحثنا على المواساة مما عندنا فقال: «من كان معه فضل ظهر فليعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» (رواه مسلم)، ودعا النساء أيضا إلى الصدقة فقال: «تَصَدَّقْنَ، يا معشر النساء، ولو مِن حُلِيِّكُنَّ» (رواه مِسلم)، وقال: » يا عائشَةٌ استتري من النَّارِ ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنها تسد من الجائع مَسدها من الشبعان«ِ (رواه أحمد)، وقال: «قَال الله: أنَّفِقَ يا ابن آدم أنفق عليك» (رواه البخاري).
المال الصالح
قال اللّٰه تعالى: ﴿ الْمَالَ وَالبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ (الكهف46:)، وقد فطر الإنسان على حب المال، وهذا الحب لا يرتبط بعمر معين، كما جاء في قول النبي صلى اللّٰه عليه وسلم:» يَكْبَرُ ابِنُ آدَمَ ويَكْبَرُ معهُ اثْنَانِ: حُبُّ المالِ، وطول العُمُرِ» (رواه البخاري).
وقد اختبر
اللّٰه تعالى صاحب المال في ماله لينظر فيه هل يكسبه من حلال وهل ينفقه فيما يرضي
الله، فهو عنه مسؤول، كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: » لا تزول قدما
عبد يومَ القيامة حتى يسأل عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فِعلَ، وعن
مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاه« (رواه الترمذي)، فالمال زينة ونعمة ذكر لنا
النبي صلى اللّه عليه وسلم الضابط لامتلاكه فقال: «نِعم المالَ الصَّالحُ مع
الرَّجلِ الصَّالح» (أخرجه ابن حبان).
أما إذا أمسك الإنسان المال وظن أنه له وحده، ولم يؤد به ما عليه من حقوق، ولم يرق قلبه أمام مسكين أو فقير أو يتيم أو أرملة، وترك المواساة ببعضه لسائل أو لمحروم أو عار أو جائع، فقد أصيب بداء البخل، وعليه أن يسارع ويعالج نفسه بجرعات من النفقة والعطاء، ويستعيد بالله من هذا البخل .•
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل