; رسائل الإخاء 1047 | مجلة المجتمع

العنوان رسائل الإخاء 1047

الكاتب الشيخ نادر النوري

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 13

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 27-أبريل-1993

الأثرياء الصالحون

إن حيازة المؤمن الصالح للمال الوفير والثراء الواسع لا يغض من منزلته ويحط من درجته بل ربما يكون من الشاكرين فيه والسابقين بالخيرات بسببه فيكون سبيلًا له إلى الجنة والمغفرة بإذن الله، ولو كان ذلك الثراء والمال مزريًا بأحد لكان أبعد الناس عنه الصحابة رضي الله عنهم، بل كانوا مع وفرة مالهم وسعة ثروتهم ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور: 37).

 وها أنا أسوق إليك نبذة عن أغنياء الصحابة وتوسعهم في الأمور الدنيوية، وعرضًا لمقدار ثروة بعضهم والتي لم تصرفهم عن جلائل الأعمال، لا كما نرى في واقعنا المعاشي اليوم، فما أن يملك أحدهم لعاعة من لعاعات الدنيا حتى انكب عليها، وقال ﴿ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ وتعذر بالانشغال وكثرة الأعمال ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ (الفتح: 11).

فهذا عثمان رضي الله عنه وأرضاه ينفق في غزوة تبوك نفقة لم ينفق أحد مثلها؛ إذ جهز الجيش بألف بعير وسبعين فرسًا وآلاف الدنانير حتى بلغت سبعمائة أوقية من الذهب نثرها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض»، وقال «ما ضر عثمان ما أنفق بعد اليوم»!! ذكر ذلك ابن سيد الناس والبرهان الحلبي وأسد بن موسى.

 وأخرج ابن سعد في الطبقات وقال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه رسم يوسعون على نسائهم في اللباس الذي يصان ويتجمل به، ثم يقول عن محمد بن ربيعة رأيت على «عثمان» «مطرف خز» ثمنه مائتا درهم، فقال: هذا لنائلة كسوتها إياه فأنا ألبسه أسرها به، وأخرج أيضًا أن «عثمان» أجاز الزبير بن العوام بستمائة ألف هبة منه.

وقال «سعد بن الربيع» أنا أكثر الأنصار مالًا، وكانت عند المقداد، غرائر، نفائس من المال ببركة دعائه عليه السلام، وكذا دعا «لعروة بن الجعد» فقال: فلقد كنت أقوم بالكناسة «التجارة بموضع في الكوفة» فما أرجع حتى أربح أربعين ألفًا، وهذا قال عنه البخاري رحمه الله كان لو اشترى التراب لربح فيه، وفي شرح الشفا للقاضي عياض: إن «حكيم بن حزام» لما حج في الإسلام أهدى مائة بدنة وألف شاة وأعتق مائة وصيف «عبد» في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام!!

وبلغ من غنى «عبد الرحمن بن عوف» أنه لو رفع حجرًا لرجا أن يصيب تحته ذهبا وفتح الله عليه، ومات فقطع الذهب من تركته بالفؤوس!

وأوصى بخمسين ألف دينار، وأعتق في يوم ثلاثين عبدًا، وتصدق بشطر ماله، وتبرع مرة بأربعة آلاف ثم بأربعين ألفًا من الدنانير، ثم بخمسمائة فرس، ثم بخمسمائة راحلة، عن نسيم الرياض للحافظ الشامي. 

وفي الترمذي وحسنه أنه أوصى لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن بحديقة بيعت بأربعمائة ألف دينار، وقال عروة بن الزبير أوصى «عبد الرحمن» لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ!! وأوصى بألف فرس في سبيل الله. ومنح لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف. قال الحافظ في الفتح: مات عن أربع نسوة، فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف «ملايين» ومائتي ألف دينار؛ لأن كثرة مال عبد الرحمن بن عوف مشهورة جدًّا. انتهى.

وفي الاستيعاب لابن عبد البر: كان «عبد الرحمن بن عوف» تاجرًا محدودًا في التجارة وكسب مالًا كثيرًا، وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس تدعى باليقيع «أو النقيع» وكان يزرع على الجرف بعشرين ناضحًا، ويدخر من ذلك قوت أهله سنة، وروى أن زوجته التي طلقها صولحت عن ثلث الثمن بثلاثة وثمانين ألفًا، وأعتق ثلاثين ألف نسمة، وتزوج امرأة من الأنصار على ثلاثين ألفًا مهرًا لها، وصدقاته أكثر من أن تذكر أو تحصر!!

وفي أيام خلافة «عثمان» توسع الناس في أمور الدنيا أكثر مما كانوا عليه في زمن عمر، واستعملوا النفيس من الملبس والمسكن والمطعم، واقتنوا الضياع والأثاث، قال المسعودي في مروج الذهب: في أيام «عثمان» اقتنى أصحابه الضياع والمال فكان «لعثمان» يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار ومليون درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وخيبر وغيرهما مائتا ألف دينار، وخلف إبلًا وخيلًا كثيرًا. وفي تاريخ ابن عسكر أن الثائرين انتبهوا من ماله ثلاثين مليون درهم!!

وبلغ الثمن الواحد من متروك «الزبير» بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلف ألف فرس وألف أمة وأربع نسوة أصاب كل امرأة منهن مليون ومائة ألف دينار، قال ابن سعد فجميع ماله اثنان وخمسون مليونًا!! وكان له خطط بمصر والإسكندرية والكوفة ودور بالبصرة وغلات تقدم عليه وخلف «ابن مسعود» تسعين ألف دينار سوى الرقيق والماشية.

وكانت غلة «طلحة» من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية السراة أكثر من ذلك، وكان لا يدع أحدًا من بني تميم عائلًا إلا كفاه مؤنته ومؤنة عياله وزوج أياماهم وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف من الذهب وبنى داره بالكوفة وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والسماج!!

وبني «سعد بن أبي وقاص» داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاها وجعل أعلاها شرفات، وبني «المقداد» داره بالمدينة وجعلها مخصصة الظاهر والباطن!! 

وكان مقدار ثروة «عمرو بن العاص» ما لا يقبله العقل قال ابن عساكر: إن عمرًا كان يلقح كروم الوهط بستانه الذي في الطائف بمليون خشبة كل خشبة بدرهم فالذي يحتاج لهذا المقدار من الخشب كم تكون غلته؟! وكانت له دور كثيرة بمصر ودمشق وناحية الجابية وغيرها كثير!! 

و«عمر» لما تزوج زينب بنت علي بن أبي طالب أصدقها أربعين ألف دينار فقيل له في ذلك، فقال والله ما في رغبة إلى النساء، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. فأردت تأکید نسبي به بأن أتزوج ابنته كما تزوج ابنتي!! وكان «عمرو بن حريث المخزومي» من أغنى أهل الكوفة مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له بالبركة في صفقته وبيعته فكسب مالًا عظيمًا!! 

ومن أغنيائهم أيضًا أبو هريرة، وأنس بن مالك، ولا ينافي كل هذا زهدهم وتجافيهم عن دار الغرور؛ فنعم المال الصالح في يد الرجل الصالح. وهذا ليس مخصوصًا بالصحابة وحدهم بل في كل عصر ومصر وفي كل جيل وقبيل، وإننا نعرف من معاصرينا من هم من هذا الطراز أبقاهم الله ذخرًا للأمة في الملمات وصرف عنهم وعن أموالهم العاديات.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لقلبك وعقلك - العدد 16

نشر في العدد 16

791

الثلاثاء 30-يونيو-1970

الجهاد ماض إلى يوم القيامة

نشر في العدد 32

31

الثلاثاء 20-أكتوبر-1970