العنوان اعرف عدوك: اليهود والمنافقون.
الكاتب عبد القادر طاش التركستاني
تاريخ النشر الثلاثاء 02-أبريل-1974
مشاهدات 12
نشر في العدد 194
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 02-أبريل-1974
اعرف عدوك: اليهود والمنافقون.
عبد القادر طاش التركستاني
كلية اللغة العربية – بالرياض
● بدأت حركة النفاق في المدينة المنورة بعد هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إليها، ولم يكن لها وجود بمكة وتكمن الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الحركة في المدينة في الأوضاع الجديدة والتغيرات الجذرية التي حدثت بعد الهجرة في المدينة فلم تكن للإسلام في مكة دولة أو قوة أو عصبة يخشاها أهل مكة فينافقونها أما في المدينة «فقد أصبح الإسلام قوة يحسب حسابها كل أحد ويضطر لمصانعتها قليلًا أو كثيرًا وبخاصة بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين فيها انتصارًا عظيمًا - وفي مقدمة من كان مضطرًا لمصانعتها نفر من الكبراء دخل أهلهم وشيعتهـم في الإسلام وأصبحوا هم ولا بد لهم لكي يحتفظوا بمقامهم الموروث بينهم و بمصالحهم كذلك أن يتظاهروا باعتناق الدين الذي اعتنقه أهلهم وأشياعهم ومن هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه ملكًا عليهم قبيل مقدم الإسلام على المدينة» «[1]»
ومن المؤكد أن للجالية اليهودية التي كانت تقيم بالمدينة الدور الأساسي والخطير في نشوء هذه الحركة «حركة النفاق» وذلك لأن لليهود تاريخًا قديمًا وعريقًا في النفاق بشتى أنواعه کتدبیر الدسائس والمكائد وإشعال الفتن وبلبلة الصفوف وتثبيط الهمم وتشكيك القلوب ونشر الأراجيف والأخبار الكاذبة هكذا كانوا منذ آلاف السنين ولا يزالون كما كانوا حتى اليوم والتاريخ قديمه وحديثه أكبر شاهد على هذه الحقيقة فإذا كان اليهود هم المحركون الحقيقيون لحركة النفاق الخبيثة في العهد النبوي فما هي الأسباب التي دعتهم إلى إثارة هذه الحركة، وإخراجها إلى حيز الوجود وتغذيتها بكل وسيلة ؟
يمكن تلخيص تلك الأسباب فيما يلي:
1- إن اليهود يعتقدون اعتقادًا راسخًا أنهم شعب الله المختار لذلك فإنه يجوز لهم -بل يجب عليهم ـ أن يُسخِّروا كل وسيلة -مهما كانت خسيسة- لبلوغ مقاصدهم وتحقيق سعادتهم من تلك الوسائل: النفاق وتدبير الدسائس والمكائد.
2- إن الدين الإسلامي حين جاء إلى المدينة ألَّف بين قلوب الأوس والخزرج وصاغ منهم مجتمعًا إسلاميًّا متماسكًا متعاضدًا لم تعهد البشرية له مثيلًا عبر تاريخها الطويل مما أفسد على اليهود فرصتهم في استغلال الخصام الدائر بين الفريقين لصالحهم فعمل اليهود على تغذية حركة النفاق لخلخلة الصف الإسلامي وتفتيت وحدة المجتمع الديني.
3- كان اليهود يتطلعون إلى أن يكون الرسول الأخير الذي بشرت به التوراة والإنجيل منهم فلما جاء من العرب حسدوه حسدًا شديدًا وعدُّوا دعوته لهم إلى الإسلام إهانة واستطالة وأخذتهم العزة بالإثم فعملوا على الانتقام من الرسالة والرسول بإشعال نار فتنة النفاق.
4- شعور اليهود بالخطر المحدق بهم من جراء عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه القيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضعف.
لكل تلك الأسباب كان اليهود يقفون من الإسلام وأهله موقف العداء ويغذون حركة النفاق ضده بل كان كثير من اليهود مشتركًا في تلك الحركة يعمل مع المنافقين جنبًا إلى جنب أمثال: أوس بن قيظي وشاس بن قيس وزيد بن اللصيت وسعد بن حنيف وغيرهم.
ومن أساليب اليهود التي اتخذوها لمحاربة الدعوة وزرع الشك والتردد في نفوس المؤمنين ما يلي:
1- كان جماعة من اليهود يأتون رجالًا من الأنصار ويخالطونهم ينتصحون لهم فيقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون علامَ يكون؟ٍ
2- وكانوا يثيرون الأسئلة عن أشياء مريبة ومشككة فلقد جاء نفر منهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألوه متى تقوم الساعة ؟ فأنزل قوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ ( النازعات: 42 )..
وجاء جماعة منهم مرة إلى رسول الله فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟
3 - وكانوا يحرِّضون المنافقين على أعمالهم التخريبية ويدلونهم على الخطط التي يمشون بمقتضاها.
﴿وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (آل عمران: 72(
4 - وكانوا يطلبون من المشركين أن يسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الأسئلة التي كانوا يثيرونها فقد سألت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإيعاز من اليهود عن ذي القرنين، وكان اليهود المدبر الحقيقي لتحزب الأحزاب ضد رسول الله في المعركة المشهورة.
5- ولشدة ضغنهم وحسدهم فقد كانوا يكرهون اجتماع المسلمين وأُلفتهم، يُروى أن شاس بن قيس اليهودي مر يومًا على نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجتمعين فغاظه ما رأى من اجتماعهم وتحابيهم فأمر شابًّا من اليهود كان معهم أن يذكر في المجلس يوم بعاث وبعض أشعار الأوس والخزرج فيه ففعل فتكلم القوم وتفاخروا وتنازعوا فيما بينهم حتى بلغ الأمر أن تواعدوا للقتال، فلما سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك خرج إليهم وهدأ من ثورتهم وعرفهم أن ذلك نزغة من الشيطان وكيد من العدو فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضًا.
ومن أجل هذه العلاقة الحميمة والترابط الوثيق بين اليهود والمنافقين وبسبب هذا التشابه الكبير بينهم في الأساليب التي يكيدون بها للإسلام والطرق التي يتبعونها لبذر الفساد والشقاق وزرع الفتن والقلاقل في المجتمع المسلم؛ فإن القرآن الكريم حينما يتحدث عن هذه العلاقة يصفها «بالإخوة».
يقول الله تعالى ﴿۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (الحشر: 11).
والمنافقون واليهود الكافرون الذين تشابهوا في العمل متشابهون في المصير أيضًا.
يقول الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (النساء: 140)
[1] - في ظلال القرآن مجلد 1 ج 1 ص 27/28.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل