; الأسرة.. وعالم الأطفال.. من حق العقل أن يضبط المظاهر | مجلة المجتمع

العنوان الأسرة.. وعالم الأطفال.. من حق العقل أن يضبط المظاهر

الكاتب الكوكبي

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

مشاهدات 21

نشر في العدد 81

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

الأسرة.. وعالم الأطفال

خاطرة

من حق العقل أن يضبط المظاهر

 من السهل على الإنسان أن يبدو في شكله ومظهره كأحسن ما يكون، فهو يستطيع بالمال فقط أن يشتري أفضل قماش في السوق ثم يذهب إلى أحسن خياط في المدينة فيطلب منه حياكة ملابس أنيقة وجميلة ويذهب إلى أحسن حلاق أيضًا ويطلب منه صياغة شكل رأسه كأجمل ما تكون الرؤوس.

والمنزل أيضًا يمكن أن يصممه أحسن المهندسين فيبدو في أجمل شكل وأثاثه من الممكن أن يجلب من آخر الدنيا فتكتمل بذلك زينته وأناقته والسيارة يمكن أن تكون طويلة عريضة ومكيفة ومجهزة بكل أمر مريح.

هذه كلها أمور سهلة ميسورة لمن يملك مالًا والمال وحده كفيل بتجهيز كل هذه الأشياء وأكثر منها.

ولكن... ألا يجدر بنا أن يكون لنا عقل يشترك مع المال في جلب هذه الأشكال والأعراض فيكون لنا فلسفة نابعة من تفكيرنا تتحكم في مظاهرنا، أو يكون لنا تصور قائم على اعتقادنا يوجهنا في اختيار ما نظهر به من ملبس أو مركب أو مسكن.

هذا العقل وهذا التفكير يحتاج جهدًا مستمرًا وزمنًا طويلًا لتكوينه كما يحتاج إلى ثقافة منتقاة مع صبر وأناة.

إن الحصول على أعراض الدنيا والظهور بالمظاهر المترفة قد لا يكلف الإنسان إلا وقتًا قصيرًا جدًا، لكن بناء العقول وولادة العلماء والأدباء والحكماء والمفكرين تحتاج إلى عشرات السنين من الجهد والعرق والعمل المتواصل الحثيث.

فإذا فاتتنا الثقافة فلا يفوتنا العقل وليكن لنا من تصورنا الإسلامي لهذه الحياة الدنيا منهاجًا نسير عليه في الحكم على ما يناسبنا أو لا يناسبنا ما يلزمنا أو لا يلزمنا ما هو ضروري ملح وما هو كمالي مسف.

فإذا أقمنا مسكنًا فليكن مأوى للناس وسكنًا للأسرة يعمر بها ويظلها ويؤويها، ولا يكن مأوى للرياح تصفر فيه أو منفى كبيرًا فضفاضًا موحشًا لشيخ طاعن في السن أو عجوز على حافة القبر.

وإذا اشترينا مركبًا فليكن غرضنا أن يحملنا إلى مكان لم نكن بالغيه إلا بشق الأنفس، ويسهل لنا أعمالنا ويختصر لنا أوقاتنا، لا وسيلة للتفاخر وطريقًا للتعالي على عباد الله، وليكن منا لهذا المركب عناية وتقدير وفي قيادته أدب وذوق فلا نسيء استعماله لأن بإمكاننا الحصول على غيره، ولا نبدله كل سنة أو ربع سنة لأن مظهره أصبح لا يليق بنا، ولمعانه لم يعد يدل على مقامنا الرفيع وغنانا العريض.

والملابس... ألا يجب علينا أن يكون لنا في اختيارها فلسفة أيضًا فنختارها لستر أجسامنا ووقايتها من الضرر وللزينة أيضًا: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (سورة الأعراف: 32).

أما أن يكون أمر اختيار الملابس ونوع قماشها وطرائق تفصيلها موكولًا إلى دور الأزياء العالمية تتحكم في أمرها كيفما تشاء، وتأمر فتطيع، وتفرض علينا ما تريد دون أن يكون لنا حرية اختيار.

وأمر الملابس هذه أمر قد يشغل بال النساء ويأخذ جزءًا كبيرًا من وقتهن أكثر من الرجال بكثير، مع الاحتفاظ لشبان الجيل الجديد بحق منافستهن في هذا المجال وهن في هذا الأمر يعتقدن أن هذه الملابس تصنع منهن نساء عصريات وتدل على أنهن يتابعن خطوط التطور في الأزياء العالمية وقد تجد بعض النساء نفورًا من كل زي جديد وازدراء له واستهجانًا لمصمميه، ولكن هذه الالتفاتة العقلية سرعان ما تذوب أمام صيحات الإعجاب وكلمات التقريظ التي تنالها مرتديات هذه الأزياء الحديثة، ثم أن الجري وراء العصرية يفرض عليهن أن يطامن من غلوائهن وأن يخضعن لطغيان الموضة وجبروتها.

هذه الأزياء إذن لا عقل لها... أن ارتداء الملابس الساترة من الرأس إلى القدم أمر معقول جدًا إذا فرضتها الموضة... فزي الماكسي الطويل الذي يجر على الأرض مع أكمام طويلة إذا لحقه منديل يغطي الرأس خوفًا على الشعر من الغبار والرياح زي عصري يبعث على الإعجاب وتنبؤ لابسته مكانتها الرفيعة بين سيدات المجتمع العصريات.

وتستطيع أن تجلس معهن وتتحدث إليهن أي حديث مهما كان نوعه ما دام الزي عصريًا فتجد الإكبار والتقدير.

وهذه الملابس نفسها إذا لبست امتثالًا لتصور معين لهذه الحياة وتطبيقًا لمبادئ سماوية وامتثالًا لأوامر رب العالمين كان ذلك دليلًا على تحجر وجمود وعداء صريح للتطور الحضاري ووقفًا لنمو المدنية ومعاندة لمسيرة الزمن وجهلًا وأمية... إلى آخر يحفظنه عن ظهر قلب من نعوت وأسماء.

والأمر واحد في الحالة الأولى والثانية إلا أن المرأة الأولى كانت عبدة الموضة طيعة لها مقلدة محاكية لاغية لعقلها معطلة لتفكيرها، والمرأة الثانية كانت عبدة لربها مقدرة لعقلها حق قدره مريحة في منهجها واضحة في تصورها لحقيقة الألوهية والكون والحياة.

المرأة التي تصر على أن تنعت بالعصرية تلبس أحيانا أزياء البدو والفلاحين وتذهب بها إلى أرقى الحفلات على أنها أزياء «فولكلورية» ولولا أن لها هذا الاسم لمزقتها ولم تلتفت إليها ولمجها ذوق المحتفلات.

أما المرأة الريفية التي تلبس هذه الملابس حشمةً وتأدبًا فهي ساذجة بسيطة وأمية ولو كانت ثقافتها أرفع وعلمها أكثر وتصورها للحياة أوضح وأقوم إلا أن هذه المظاهر والأشكال لها ارتباط بما في القلوب ولها انعكاس على السلوك والأفعال ولا يمكن أن ينظر إلى المرأة التي تتخير الثياب القصيرة الكاشفة والزينة الفاقعة الصارخة على أنها حسنة الأخلاق مستقيمة السلوك وأن من حق العقل أن يضبط هذه المظاهر.

-الكوكبي

الموهوبون

أهمية اتجاهات الآباء...

يساعد الآباء أبناءهم الموهوبين مساعدة جليلة حينما يبرهنون عن احترامهم وتقديرهم للنواحي التي يتجه إليها الأبناء وفقًا لقدراتهم والميادين التي تناسبهم. فكثير من الآباء لا ينظرون بالارتياح إلى تعلق ابنهم بالرياضيات العالية لأنهم يضيقون بها أو إلى تعلقه بالفن لأنهم يشعرون ويعتقدون أن الفنان رجل غريب الأطوار يعيش في عالمه الخاص. ومتى أدرك الآباء أن طفلهم موهوب فمن الخير أن يبادروا بالتفكير في مستقبله وأن يرسموا خطتهم من الآن لكي يواصل ابنهم تعليمه وألا ينتظروا حتى يتخرج في المدرسة الثانوية. والإعداد للمستقبل خطوة أساسية جوهرية لعدم التبذير في مواهب أبنائهم.

نظرة عامة:

يجب علينا أيضًا ألا نركز اهتمامنا على النواحي الموهوب فيها الطفل وحدها، إذ يجب أن تتذكر أن الطفل الذي يستطيع أن يقرأ ويتمتع بالشعر الرفيع وهو في الثامنة مثلًا يحتاج إلى أن تتنوع ميوله وأن تتوازن ألوان نشاطه.

فكما أننا نعتبر الوجبة الغذائية التي تتكون من المكرونة والرز والخبز والفطير وجبة ناقصة، علينا أيضًا أن نراعي ألا يصرف الطفل وقت الدراسة واللعب والفراغ في ميدان واحد دون سائر الميادين، فلا بد له أن يتعلم استخدام جسمه وعقله، ولا بد له أن يخير لذة اكتشاف بوادر الربيع ومتعة اللعب بالبلي والكرة وأن يشارك الأطفال الآخرين في المتعة التي يستمدونها من تكوين ناد سري يجمعهم ومن وضع شفرة سرية لأعضاء هذا النادي.

فلكي لا ينمو طفلنا نموا أعرج «أي في ناحية واحدة فقط دون بقية النواحي» ولكي لا يكرس حياته لمواهبه فقط، علينا أن نشجعه على أن يكون لنفسه ميولا متنوعة، وعلى أن يتعلم الاختلاف مع الأطفال الآخرين الذين هم في سنه وربما استطعنا مساعدة طفل موهوب في ناحية ما بإهدائه مثلا كراسة الطوابع البريد في إحدى المناسبات أو أحد الأعياد، فقد تشجعه هذه الهدية على الاهتمام بطوابع البريد، بل وبالبلدان والشعوب الأخرى. ولا تعوز الآباء المستنيرين عادة وسائل إثارة اهتمام أطفالهم بالسباحة والرماية، وبالألعاب الرياضية، والأعمال اليدوية، وغيرها.

وإذا كان طفلنا «مثلا» خجولًا ويقصر كل اهتمامه على الدراسة والمدرسة ربما كان من المفيد له أن يلتحق بفريق الكشافة، وربما تنجح بهذه الطريقة في توجيه رغبته القوية في التفوق إلى السعي للحصول على الشرف الكشفي وللارتقاء في صفوف الكشافة والطفل باختلاطه مع الأولاد الآخرين قد يكتسب أيضا مهارات اجتماعية جديدة. وبجانب فريق الكشافة هناك أيضا جمعیات أو مؤسسات أخرى يمكن أن ينضم إليها الطفل، وقد يتوافر في هذه الجمعيات مدربون أو موجهون في استطاعتهم أن يبثوا في هذا الطفل روح الاستقرار والأمن والاطمئنان إلى الآخرين.

مشكلة خاصة:

من أن الأسرة التي يوجد فيها طفل واحد موهوب وأطفال آخرون أقل منه في ذكائهم ومواهبهم تواجه مشكلة أخطر المشاكل تحتم على الآباء أن يكونوا في منتهى الحرص واللباقة، وإلا لحق الضرر بكلا الفريقين أي بالطفل الموهوب وبأخوته العاديين.

فإذا استمر الآباء في تدليل الطفل الموهوب وفي إهمال أخيه «أو أخته» غير الموهوب فقد يحدث أمران في وقت واحد. فقد ينتاب الدور الطفل الموهوب ويشعر أنه بطل المسرحية وأنه أحسن من أي فرد آخر، بينما قد يتملك أخاه الشعور بالنقص ويفقد إحساسه بقيمته وأهميته.

أما في الحالات التي فيها يدفع الآباء طفلهم الموهوب إلى الأمام ويتعجلون نموه ويستغلونه بينما يتركون إخوته وأخواته ينمون بطريقتهم الخاصة وسرعتهم الخاصة، قد ينتاب الطفل الموهوب الضيق من والديه ويحنق عليهما حيث أنه لا يمنح قدرا مساويًا من الحرية.

ولتجنب مثل هذه الصعوبات تحتم الحكمة على الآباء ألا يغالوا في معاملتهم لابنهم الموهوب وأن يعطوا أخاه «أو أخته» المتوسط نصيبه من الثناء والتقدير على كل ما يمكنه القيام به من أعمال. ونجاح الآباء في توزيع ثنائهم على كل طفل في ناحية تفوقه -تحصيلية كانت أم بدنية- يساعد على تنمية العلاقات الطيبة بين أفراد الأسرة ويشجع الأطفال على أن ينظروا نظرة واقعية سليمة لا مغالاة فيها ولا تحقير لقدر أنفسهم.

التماس المعونة:

لا شك أن مسؤولية الآباء في توجيه أطفالهم الموهوبين مسؤولية فخمة وعسيرة، فكثيرًا ما تكون إمكانيات الآباء محدودة وكثيرًا ما لا تتوافر الوسائل اللازمة لتوجيه أطفالهم الموهوبين.

ورغم هذا كله لا تزال هناك بعض الأساليب التي يستطيعون بوسطتها التوفيق بين رغباتهم وبين إمكانياتهم على المساعدة والتوجيه. مقدورهم مثلا أن يقرأوا وأن يتعلموا الكثير عن الأطفال الموهوبين وأن يطبقوا ما يتوصلوا إليه على أطفالهم.

ويمكنهم في ذلك الاستعانة بدور الكتب دون تكاليف. وقد توجد بعض المؤسسات والهيئات مثل مراكز التوجيه التي تمد الآباء بالإرشادات وبالمطبوعات. هذا إلى أن المجتمع المحلي لا يخلوا من مجالات كثيرة للأطفال يمارسون فيها ألوانا متنوعة من النشاط. وإذا أحسن الآباء استغلال مثل هذه المصادر أصبحوا أقدر على مساعدة وتوجيه أطفالهم وثمرة هذا الاجتهاد والحرص من جانب الآباء أن يصبح أطفالهم أكثر تكاملًا وامتيازًا في صغرهم وأن يتجهوا في الطريق السوي نحو رجولة ممتازة متكاملة.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

ما الفرق بين العقل والمخ والدماغ؟

نشر في العدد 2101

838

الثلاثاء 01-نوفمبر-2016

المصادفة ونصيبها من العقل والعلم

نشر في العدد 36

22

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970

محطة استراحة- من شذرات القلم

نشر في العدد 400

20

الثلاثاء 20-يونيو-1978