العنوان المصادفة ونصيبها من العقل والعلم
الكاتب علي البهادلي
تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
مشاهدات 23
نشر في العدد 36
نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
المصادفة ونصيبها من العقل والعلم
بقلم الأستاذ: علي البهادلي
يدعي بعض الناس - ولا أقول بعض الفلاسفة - أن المصادفة عن طريقها وجد الكون وكانت الحياة، والحقيقة أننا لو تفهمنا هذا الادعاء لوجدناه يستر تحته عقل صاحبه العاجز ونفسيته القلقة إذ لم يكن القائلون بهذا الرأي إلا عاجزين عن إدراك السبب الحقيقي.
إن العقل يقصر أحيانًا عن تصور أشياء وإدراكها ولكنه مع ذلك يعترف ويقر بوجودها، فالنفس التي بين جنبينا والتي هي أقرب الأشياء إلينا لا تزال مجهولة، الحقيقة، ولكننا نعترف بوجودها مستدلين على ذلك بآثارها وأفعالها.
فإذا علمنا كل ذلك علمنا أنهم أرادوا أن يحيطوا علمًا بالله ويعرفوا حقيقته ولكنهم عجزوا ففروا إلى المصادفة التي سنعرف إنها لا شيء.
يضرب لنا العالم أ. كريسي موريسون في كتابه «العلم يدعو للإيمان» ص ۱۹۳، مثالاً فيقول:
«لنفرض أن معك كيسًا يحوي مائة قطعة رخام، تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء، والآن هز الكيس وخذ منه واحدة: إن فرصة سحب القطعة البيضاء هي نسبة واحد إلى مائة ١/١٠٠، والآن أعد قطعة الرخام إلى الكيس وابدأ من جديد، إن فرصة سحب القطعة البيضاء لا تزال بنسبة واحد إلى مائة غير أن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين هي نسبة واحد إلى عشرة آلاف ١٠/١٠٠٠٠ والآن جرب مرة ثالثة: إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرات متوالية هي بنسبة واحد إلى المليون ١/١٠٠٠٠٠٠ ثم جرب مرة أخرى أو مرتين تصبح الأرقام فلكية»
وإذا علمنا أن الأجزاء التي تكون هذا اللون مختلفة ومتعددة جدًا وإن ما خلق الله سبحانه من موجودات تكاد لا تتناهی، وإن ترتيب جزيئات هذه المخلوقات يختلف من شيء لآخر، إذن ستكون نسبة خلق هذه الموجودات عن طريق المصادقة1/١٠ن، حيث «ما لا نهاية»
وأن غاية ١/ ١٠ن = صفر أي لا شيء ويعني هذا استحالة تكون هذه الموجودات عن طريق المصادفة.
ولننظر الآن إلى الذي تستطيع أن تلعبه المصادفة في نشأة الحياة.
إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية، والعناصر المكونة لها هي: الكاربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والكبريت وقد يضاف إليها الفوسفور أيضًا.
ولما كان عدد العناصر الطبيعية ٩٢ عنصرًا وأن هذه العناصر موزعة توزيعًا عشوائيًا في الطبيعة؛ فإن احتمال اجتماع العناصر الخمسة الرئيسية لتكوين جزيء بروتيني يمكن حسابه لمعرفة كَمّيَّة المادة التي تنبغي أن تخلط خلطًا مستمرًا لكي تؤلف هذا الجزيء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد البروتيني.
وفي هذا المجال يقول العالم الطبيعي فرانك ألن «وقد قام العالم الرياضي السويسري تشارلز يوجين جاي، بحساب هذه العوامل جميعًا فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد، إلا بنسبة واحد إلى ١٦ أي نسبة واحد إلى رقم عشرة مضروبًا في نفسه ١٦٠ مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو بكلمات - وذلك لصغره المتناهي- وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد، أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات، قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها ٢٤٣ مرة من السنين أي ٢٤٣٠ سنة»
وإذا علمنا أن الكون نفسه قد تكون دفعة واحدة قبل خمسة بلايين، كما قدرها علماء كثيرون علمنا أن المصادفة ليس لها نصيب من الحدوث قط.
ثم يعود ألن -العالم الطبيعي البويولوجي فيتساءل: كيف تتألف هذه العناصر؟ لأن البروتينات تتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأينية وأنها إذ تتألف بطريقة أخرى غير التي تتألف بها طبيعيًا تصبح غير صالحة للحياة بل قد تصبح سمومًا قاتلة للكائنات الحية.
الله يتجلى في عصر العلم
ويجيب على سؤال ألن العالم الإنجليزي ج.ب. ليثز Leathes -J-B حيث إنه «حسب الطرق التي يمكن أن تتألف بها الذرات في أحد الجزيئات البسيطة من البروتين فوجد أن عددها يبلغ البلايين»
ويعلق ألن على قول ليثز قائلًا: «وعلى ذلك فإن من المحال عقلًا أن تتألف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئًا بروتينيًا واحدًا»
ويجب أن نضيف هنا أن البروتينات نفسها ليست إلا موادًا كيماوية عديمة الحياة ولا تدب فيها الحياة إلا عندما يحل فيها ذلك السر الإلهي العجيب، سر الحياة.
وهكذا نرى التصميم والدقة والنظام تسود كل ذرة من العالم وكل جزء من أجزائه الهائلة، فكيف يكون ذلك نتيجة المصادفة؟ لا بل الله هو المبدع والمدبر الحكيم، سبحانه.
وأخيرًا دعونا ندون ما قررناه سلفًا بأن هذا الكون الفسيح بما فيه من مخلوقات وكائنات يحار العقل في ملاحظة أو معرفة أو الإحاطة بما فيه من قوانين وعجائب وأسرار كثيرة ومتقنة وبصورة لا يتمكن الإنسان معها أن يتصور نظامًا أتم وأحسن مما عليه الكون من أبسط المخلوقات كالبكتيريا والأميبا، إلى أعظم المخلوقات وأكرمها الإنسان.
أجل: إن هذا الكون لم يكن قد خلق نتيجة المصادفة لأن القول بأن ذلك نتيجة المصادفة فهو قول -كما يقول عنه موريسون- يتحدى العلوم الرياضية.
ولنستمع بقلوب واعية وخاشعة لقوله سبحانه يصف الكون الفسيح وعظمته ووسعه ﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾. (لقمان: ٢٧)
﴿قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا﴾. (الكهف: ١٠٩)
علي البهادلي -البصرة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

