العنوان الأسرة (57)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1971
مشاهدات 28
نشر في العدد 57
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 27-أبريل-1971
خاطرة: ليس أولئك بخياركم
كنا نزور يومًا صديقًا لنا في بيته، وطال بنا الحديث واستمرت جلستنا إلى ساعة متأخرة من الليل، وبينما نحن مسترسلون في الحديث والليل يلفنا بسكون هادئ مريح إذ بنا نسمع صراخًا نسائيًّا أخذ يعلو ويهبط يتخلله أنات ألم وأصوات استغاثة لا تنقطع، وهنا هممنا بالخروج من البيت لمعرفة السبب واستطلاع الخبر وما أدهشنا إلا صديقنا المضيف حين لم يتحرك من مكانه، ورأيناه ينظر إلينا مبتسمًا ويطلب منَّا الحلوى، قلنا: ألا تستطلع الخبر؟ ألا تحاول معرفة ما حدث؟ قال: لم يحدث جديد، أنا أخبركم: إنه أحد الجيران اعتاد أن يضرب زوجته واعتادت أن تصرخ مولولة، وليس الأمر ما يدعو إلى الفزع.
قلنا: ولِمَ يفعل كل هذا؟ ألا يستحي من فضح نفسه وأهله.
قال: إنها تستحق ذلك بل وأكثر، ذلك أن لها من السلوك ما لا يُحمد، ومن التصرفات ما لا يُحمد عُقباها، وهنا انقطع الصوت وعاد الليل إلى هدوئه والحديث إلى شجونه.
وانفض السامر وعدتُ إلى البيت أفكر فيما سمعت، هل هذا هو ما أشار إليه القرآن حين أباح ضرب المرأة الناشز التي لا يفلح معها الوعظ والإرشاد ولا الهجر والابتعاد؟! وهل إهانة المرأة وإذلالها وفضح الأسرة بأكملها بالصراخ العالي الذي يسمعه كل الجيران هو ما أراده الإسلام من تأديب المرأة بالضرب؟!
وهل يعيش بعد ذلك أفراد الأسرة مرفوعي الرأس بين جيرانهم بعد الذي حدث؟! ولم أنم وذهبت أفتش في التفاسير وفي ظلال القرآن لسيد قطب وجدت بعض الكلام عن العلاج بالوعظ ثم بالهجر ثم في «واضربوهن» قال:
«واستصحاب المعاني السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبًا للانتقام والتشفي، ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضًا للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها، ويحدد أن يكون ضرب تأديب ومصحوبًا بعاطفة المؤدب المربي، كما يزاوله الأب مع أبنائه وكما يزاوله المربي مع تلميذه، وفزعت إلى أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدته يقول: «لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» ويقول: «لا يضرب أحدكم امرأته بجلدها أول النهار ثم يضاجعها آخره» ويقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».
وهدأت نفسي وعرفت حكمة الله ورسوله، وعرفت أي إكرام أراد الله للزوجين وأي معاملة أحبها وحض عليها.
ولا قيمة للضرب إذا أعلن وعرف وافتضح أمر الأسرة به، فليست الأسرة مكانًا للصراع والحرب، فلا يزيد ذلك الشقة إلا بعدًا والنشوز إلا استعلانًا، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة.
فليفهم المسلمون أنه لا يباح لهم أبدًا أن يصبحوا لنسائهم جلادين باسم الدين أو تصبح نساؤهم رقيقًا باسم الدين، وليحافظ الإنسان على إنسانية أخيه الإنسان.
المبالغة في تقدير مواهب الطفل
الأسر التي تبالغ في تقدير مواهب الطفل تسبب له مشاكل لا تقل خطورة عن تلك التي يسببها الآباء الذين يهملونها، ذلك لأنهم يدأبون على دفع الطفل إلى المزيد من النتاج العقلي أو الفني، ففي إحدى الأمثلة مثلًا كان يفخر الوالدان بأن طفلتهما استطاعت أن تقرأ في الرابعة من عمرها كما أنها أجادت عمليات القسمة في السادسة، ولذلك أصر الوالدان وهي في السابعة على أن تقوم المدرسة بعمل إيجابي نحوها، سمحت لها المدرسة بأن تتخطى إحـدى الفرق الدراسية، وفي العام التالي وكان عمرها ثماني سنوات نجحت بامتياز في هذه الفرقة الجديدة، فطالب الوالدان مرة أخرى أن تسمح لها المدرسة بأن تقفز سنة دراسية أخرى.
إن هذه الطفلة وأمثالها فرائس بريئة لطموح آبائهم الذين يعجلون نموهم ويدفعونهم إلى الأمام دفعًا، وتكون النتيجة غالبًا أن ما يكسبه هؤلاء الأطفال من الناحية العقلية تخسرونه في نَواحٍ أخرى كالاتزان من الناحية الاجتماعية وفي مدى تقبل الآخرين لهم، ولا شك أن هذا اللون من الاستغلال «استغلال الآباء للأبناء» يعتبر بسيطًا وخفيفًا إذا قورن بنوع آخر من الاستغلال الخطير الذي يتمثل في محاولة استخدام الطفل وسيلة لتحقيق ما لم يستطع الآباء تحقيقه لأنفسهم في النواحي المهنية أو الاجتماعية أو الفكرية، لذلك نجد أن كثيرًا من المحامين مثلا -وغيرهم من المشتغلين بمهن أخرى- يغيرون مجرى حياتهم ويتركون الميدان الذي يعملون فيه إلى ميادين أخرى، ذلك لأنهم لم تكن لهم رغبة من بادئ الأمر في الالتحاق بهذه المهنة على الإطلاق، فالأب الذي كان يطمح في أن يكون طبيبًا يومًا من الأيام وانتهى به الأمر إلى أن يصبح صرافًا في أحد البنوك، والأم التي تتوق إلى مركز اجتماعي أرقى من وضعها الحالي قد يزجان بأطفالهما إلى مهن لا يصلحون لها إطلاقًا.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل