; معالم على الطريق.. الأنذال الثلاثة.. هل ولى زمانهم؟ | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. الأنذال الثلاثة.. هل ولى زمانهم؟

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003

مشاهدات 15

نشر في العدد 1549

نشر في الصفحة 45

السبت 03-مايو-2003

النذل كما في معاجم اللغة هو: الخسيس من الناس والمحتقر في قومه، وجمعه أنذال ونذول ونذلاء إلى هنا انتهى كلام المعجم باختصار ثم رأيت آخرين قد قسموا النذالة أقسامًا بعضها ألعن من بعض وللحقيقة هذا التقسيم كان جديدًا على فهمي للنذالة، وكان مثيرًا للاستغراب في نفسي، ولكن بعد أن قصوا علي بعضًا من قصص النذالة أمنت للتو واللحظة بهذا التقسيم الواقعي، خاصة بعد أن علمت أن هؤلاء النذلاء قد كونوا لهم رابطة سموها رابطة الأنذال

وقص علي أحدهم هذه القصة ليؤيد حديثه معي فقال: قرر ثلاثة من رابطة الأنذال أن يقوم كل منهم بعمل لا يبلغه في النذالة غيره، فقابلوا عجوزًا متهالكة تتساند على عصا ولا تكاد تتحرك إلا بصعوبة بالغة، فهجم عليها الأول دون تفكير قبل أن يسبقه أحد من الأنذال إليها. لا ليأخذ بيدها أو يجبر كسرها، وإنما لينهال عليها ضربًا وركلًا وسحقًا حتى سقطت على الأرض مثخنة بالجراح في بركة من الدماء ولا تجد من ينقذها !! وعندها وقف النذل في زهو وفخر، وقال لصاحبيه من يستطيع أن يفعل فعلي أو يسبقني في هذه النذالة فكر النذل الثاني سريعًا، وفي لمح البصر هجم هو الآخر على العجوز التي تصرخ وتستغيث طلبًا للنجدة والعون لا لينقذها، وإنما ليجردها من ملابسها ويتركها كما ولدتها أمها، طريحة على الأرض لا تقوى على الحراك أو حتى العويل من الإنهاك ومما حل بها من صدمات، ثم تبسم النذل ضاحكًا وقال: الآن قد سبقتك في النذالة!!

سكت الثالث طويلًا وهو بارد الأعصاب هادئ البال، فقالا له لقد ضربنا أمامك أعلى الأمثلة في النذالة وأنت ساكت واكتفيت بالتبسم، ولم تفعل شيئًا فماذا أصابك؟

فتبسم ضاحكًا وقال لقد سبقتكم.. بسكوتي - إلى كل أنواع النذالة.. أتدرون من تلك السيدة التي فعلتم بها ما فعلتم إنها أمي!! فأي الأنذال الثلاثة أكبر خسة وحقارة من الآخر؟

والأنذال قد أصبحوا اليوم أكثر في الأمم المتخلفة، والمنحطون صاروا جمهورًا من الناس يترعرعون في جنبات أوطانهم كالطفيليات المتسلقة التي تمتص دماء الكادحين وتعيش على بؤسهم، وتمشي على رؤوسهم، وتبيع دماءهم وأجسادهم حتى لأعدائهم وشياطينهم هوانا وخسة وبوراً بغير إحساس أو رشاد. 

يا خاسراً هانت عليه نفسه               إذ باعها بالغبن من أعدائه 

لو كنت تعلم قدر ما قد بعته           لفسخت ذاك البيع قبل وفائه 

أو كنت كفوًا للرشاد والهدى        أبصرت لكن لست من أكفائه 

لقد كانت النذالة قبل برهة من الزمان سمة أفراد، وخصال قلة محتقرة مذمومة، فأصبحت اليوم صفات دول بأكملها، وخلقًا لسياسات تعلن وتوصف بالحنكة والواقعية وينادي بها لتكون أسلوب حياة وطريق نجاة، وهذا أمر خطير يقضي على الرجولة وعلى مقومات القوة النفسية والجسدية، كما يبدد الآمال ويبعد الطموح لدى الأفراد والشعوب على حد سواء، فكيف يتصور شباب أمة يتربى على نهج الخسة والنذالة والعمالة، ويتشرب صديد هذا الضياع المدمر، وكيف يتصور مستقبل أمة يقودها هذا الركام الأخبل عملًا والأوجس تفكيرًا، بعد أن يصير هذا الداء العضال إيقاعًا منظمًا، وفكرًا مقررًا، وإعلامًا مبرمجًا، وقانونًا معظما لله در أحرار هذه الأمم ومخلصيها ومجاهديها وقادة الفكر الناهضين فيها، لقد ثقلت عليهم التبعة، وبعدت عليهم الشقة، وبلغ السيل الزبى، ولكن رجولتهم ينبغي أن تكون أعظم، وهمتهم يجب أن تكون أصلب، وآمالهم يرجى أن تكون أقوى وأوثق 

إذا أعطشتك أكف اللئام                      كفتك القناعة شبعًا وريا

فكن رجلاً رجله في الثرى                      وهامة همته في الثريا 

وما أظن أن الخبال والوبال الذي عم وطم في الأمة إلا نتاجًا لهذا الزخم المفجع، وما أظن أن التدني الخلقي والنفسي والانحطاط الفكري وذهاب النخوة والعزيمة والرجولة إلا حصاداً مراً لهذه الكوارث التي خلفها هذا الوحل القذر، من مظالم وكبت ونفاق، أذهب كل شيء من مقومات النهوض حتى الكرامة والتماسك وأكاد أتذكر قول الرصافي الذي كان يتندر على ذهاب كل معاني الرجولة والتماسك التي أذهبها هذا التسفل.

إن قيل هذا شهدكم.                         مر فقولوا علقم

أو قيل إن نهاركم                             ليل فقولوا مظلم

أو قيل إن بلادكم                     یا قوم سوف تقسم 

فتحمدوا وتشكروا                   وترنحوا وترنموا

وبعد: أما آن لهذا السيل البائس من الأنذال أن يرعوي أو يرحل بعد أن دمر كل شيء، وترك الديار خراباً يباباً، واستولى على كل شيء وتركها قاعاً صفصفاً، وقد جاءها أو جيء به خاوي المواهب خالي الوفاض من كل شيء. فصار الأغنى والأقنى والأعلى؟ 

أتذكر إذ لباسك جلد شاة                      وإذ نعلاك من جلد البعير 

فسبحان الذي أعطاك ملكاً                    وعلمك الجلوس على السرير 

ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين، وبيده الأمر كله فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما يعملون، ينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الأمر وهو على كل شيء قدير، ولله الأمر من قبل ومن بعد وسيفرح المؤمنون بنصر الله.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أكثر من موضوع (113)

نشر في العدد 113

22

الثلاثاء 15-أغسطس-1972

ثقافة: (586)

نشر في العدد 586

16

الثلاثاء 07-سبتمبر-1982