العنوان الأنظمة العربية وإسرائيل بين الحرب والسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1982
مشاهدات 19
نشر في العدد 584
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 24-أغسطس-1982
كيف تبدو خطوط التاريخ السياسي والعسكري للأنظمة العربية مع دولة إسرائيل.
- المطلب الإسرائيلي السياسي تدرج عام 1948 من القرار «181» ووصل عام 1982 إلى مطالب مفروضة بقوة السلاح.
- الحركة السليمة العربية بدأت فعليًا في عهد عبد الناصر.
- حروب العرب كرست الواقع الذي كان اليهود يعدون له للتوسع وطرح المبادرات.
- عبد الناصر.. بدأ المشوار السلمي.
- ناحوم غولدمان.. كان سيقابل عبد الناصر.
- السادات.. أكمل مشوار عبد الناصر.
- أسد.. مع الحل السياسي.
- بيغن.. استدراج للعرب.
1- ليست عمليات السلام بين العرب وإسرائيل وليدة السنوات الأخيرة على المسرح العربي، وليست المبادرات التي نسمع عنها اليوم جديدة من حيث المبدأ، فهنالك إرهاصات قديمة تجمعت وتفاعلت في إطار العلاقة العربية- الإسرائيلية لتأخذ مجمعها الحالي على واقع الساحة العربية.
ولكي نقف على حقيقة التسلسل في العلاقة العربية الإسرائيلية بين الحرب والسلام، لابد من العودة إلى بدايات تلك العلاقة وجذورها طيلة الأزمنة المتعاقبة منذ عام 1948 حتى الشهور الأخيرة لهذا العام.
على أننا إذا تأملنا بسرعة شريط المسلسل «العربي- الإسرائيلي» كله فإننا نتمكن من فرزه إلى مرحلتين: الأولى مرحلة الرفض العربي، والثانية مرحلة السلام اليهودي- العربي المشترك.
أولًا: مرحلة الرفض العربي:
وهي الفترة الممتدة من عام 1948 إلى عام 1967، وهذه المرحلة تميزت ب:
- تبني الأنظمة العربية الفكرة العسكرية التي تشمل التسليح والإعداد للمعركة وخوض الحروب ورفض الوجود الإسرائيلي كله، وقد خاض العرب في تلك المرحلة ثلاث حروب هي: حرب عام 1948، حرب السويس 1956، ثم حرب 1967 التي أطلق عليها نكسة حزيران.
- تبني الدولة اليهودية فكرة السلام مع الأنظمة في إطار قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين وهو القرار رقم «181» الصادر عام 1948.
وإزاء التعارض بين ما يتبناه الفريقان لجأت الأنظمة العربية إلى ما يسمى «الإعداد العسكري» كذلك فعلت إسرائيل.
ملاحظات على المرحلة
قلنا إن العرب خاضوا حروبًا ثلاثًا في مرحلة الرفض، وهنا لابد من وضع ملاحظاتنا الخاصة على مرحلة الرفض العربي وذلك كما يلي:
- اختلاف التسليح العربي عن الاستعداد العسكري لإسرائيل من حيث النوع، فقد لجأ العرب إلى التسلح الدفاعي واستخدام ما هو بدائي ومنسق من السلاح، بينما كانت إسرائيل تستعد لمواجهة العرب بأحدث الأسلحة الهجومية، وكانت الأنظمة تبرر قصورها هذا في التسليح باتهام الغرب الذي حظر عنها السلاح.
- كانت تتعقب كل حرب بين العرب وإسرائيل هدنة يرضى بها العرب من ناحية بينما تكرس واقع الدخول الإسرائيلي في الأراضي العربية.
- فحرب 1948 كرست الواقع اليهودي في فلسطين ورسمت الحدود الفاصلة بين القسم المحتل والضفة الغربية، وأعطت العدو مشروعية دولية في استمرار الوطن القومي، وإذا كانت الأنظمة العربية أعلنت عهد رفضها آنذاك لمشروع الأمم المتحدة في التقسيم فإنها قبلت بعد عام التسوية والهدنة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة ورفضت بنودها عام 1949.
- بينما نجد حرب 1967 تؤدي إلى المحصول نفسه «توسع إسرائيل- ثم هدنة وفصل قوات يكرس واقع التوسع اليهودي».
- تميزت لغة الأنظمة العربية في تلك الفترة بالنبرة الشعارية في مواجهة الشعوب، وقد خدعت تلك النبرة قطاعات شعبية واسعة أدت إلى تزعيم عبد الناصر ورسم صورة البطل الجماهيري في أعقاب مسرحية 1956 العسكرية في السويس.
وباختصار:
فإن هنالك حقيقة يمكن استكشافها وهي أن مرحلة الرفض العربي كانت أقرب إلى التكتيك المسرحي الذي قاد الأمة -وتحت شعارات متعددة- إلى مرحلة الاستسلام.
ويمكن للمراقب أن يلاحظ ما أفرزته هذه المرحلة على صعيد الحكومات العربية التي سادت فيها الحركات الانقلابية في أقطار أساسية في الصراع العربي الإسرائيلي مثل سورية والعراق، ووجدت فيها شخصيات قطرية تمكنت من تزوير وقائع التاريخ متوسلة إلى ذلك باستخدام سوط الإرهاب الذي كان عبد الناصر أول حامل له في عواصم العرب.
محصلات استسلامية:
من محصلات سنوات مرحلة الرفض المتعاقبة طرح العرب إلى جانب السلاح بعض المبادرات العربية ،اعتبرت آنذاك أداة لقياس الحساسية الشعبية، ومن تلك المبادرات:
- دعوة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لتطوير الهدنة العربية– الإسرائيلية إلى مصالحة عبر مفاوضات مباشرة تعتمد أساسًا لها قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 وهو القرار رقم «181» الذي يدعو العرب إلى الاعتراف المشروع بالوطن القومي لليهود مع إنهاء حالة الحرب.
- مشروع المملكة المتحدة الذي يدعو إلى حل النزاع العربي الإسرائيلي وحل مشكلة الفلسطينيين عن اتحاد فدرالي بين الأردن والضفة الغربية.
وهنا يمكن القول أن اللعبة أدخلت العرب في مرحلة بين المرحلتين.
إرهاصات عبد الناصر:
خاض عبد الناصر أكبر الحروب العربية الإسرائيلية وهي حرب 1967 التي خرج منها خاسرًا مع الأنظمة المشاركة، حيث استولت جيوش إسرائيل على كل سيناء والقطاع والضفة الغربية والجولان السورية معًا، ليقف بعد ذلك الشعب العربي على مفترق الطرق نحو الاستسلام - من خلال مشروع روجرز والتفاهم مع ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي.
- مشروع روجرز:
وهو الذي ينسب إلى وزير الخارجية الأمريكي بعد حرب 1967، وقد مات المشروع بموت عبد الناصر. حيث كان مخططًا أن يتبناه الرئيس المصري آنذاك لفرض الحل الأمريكي المنطلق من قرار مجلس الأمن رقم 242، لإقامة صلح عربي إسرائيلي.
2. عبد الناصر وناحوم غولدمان:
وغولدمان هو أحد كبار الشخصيات اليهودية الداعية إلى لقاء الأنظمة العربية والمنظمة الفلسطينية على مائدة الحل السلمي مع الحكومة الإسرائيلية، وقبل وفاة عبد الناصر، كان عبد الناصر قد مارس ضغوطًا قبل موته على رئيس منظمة التحرير السيد ياسر عرفات للقاء غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وكان لقاء مسبق قد حدث بين الملك الحسن الثاني وغولدمان كان الوسيط فيه رئيس تحرير مجلة لونوفيل أو بسر فاتور الفرنسية السيد «جان دانيال»، ولقد كتب في أحد كتبه فيما بعد أن عبد الناصر كان على علم بمشروع سلمي أعده غولدمان، وأنه كان موافقًا عليه.
يقول ناحوم غولدمان:
«أراد الرئيس عبد الناصر الالتقاء بي، لكن غولدا مائير هي التي أفشلت المشروع.. وفيما بعد، وصلتني رسالة من عبد الناصر تحمل دعوة جديدة كانت موجهة إلي باعتباري رئيسًا للمؤتمر اليهودي العالمي، ومن دون أن أستشير غولدا مائير طلبت من عبد الناصر مهلة شهر، لكن عبد الناصر توفي بعد أسبوعين فقط».
وهكذا فإن مرحلة «الرفض» كانت تقود الأمة نحو إنهاء المشكلة مع اليهود بأساليب متنوعة، في حين كانت إسرائيل في أقوى حالتها العسكرية استعدادًا لمواجهة الأمة في المرحلة الثانية وتطويعها بحيث تصل الأنظمة إلى مستوى تبني المطالب اليهودية عبر السياسية السلمية.
ثانيًا: المرحلة السلمية:
والأحرى أن نسميها المرحلة الاستسلامية، والتي بدأت بالفعل بعد حرب 1967 من قصر القبة بالقاهرة الذي كان يقيم به جمال عبد الناصر، ولعل انتهاء أجل هذا الرجل جعل خليفته السادات يكمل ما بدأه وذلك بمشاركة جزئية من بعض الأقطار العربية.
وقد تميزت هذه المرحلة بـ:
- اندفاع عربي نحو حل المشكل العربي الإسرائيلية بالوسائط السلمية الديبلوماسية.
- تشنج يهودي مارسته حكومات العدو «العمل- الليكود» بالتعاقب بحيث تحولت إسرائيل من المطالبات السلمية إلى المزج بين الحلول العسكرية السياسية.
ووسط هذا التعارض برزت حرب تشرین «أكتوبر» عام 1973 بتحريك من الدول الكبرى استهدفت تزكية بعض الأنظمة العربية في صفوف شعوبها والتغطية على المؤامرة التي ستصل الأنظمة نفسها إلى الإعلان عنها، بحيث يدخل العرب السلام من البوابة الحربية، ومع ذلك فقد كان من نتائج حرب تشرين المزيد من الاحتلال اليهودي للأراضي العربية وبرزت مشاكل عسكرية معقدة على كل من الحدود السورية والمصرية.
هذا المزيج من الأحداث والمبادرات والميل نحو السلام أو نحو الحرب أوصل الأطراف العربية ولاسيما «مصر- سورية» إلى ما يلي:
- إقرار قراري مجلس الأمن رقم 242 – 338، والاعتراف بالوجود الشرعي في فلسطين مع الاعتراف بالدولة اليهودية.
- إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، وعقد اتفاقات مصالحة كاملة.
- يسترجع العرب بعد ذلك «أراض» عربية وفق النص الإنكليزي لقرار مجلس الأمن «242» الذي لا تعترف الحكومة اليهودية بغيره.
وهكذا أدخلت الأنظمة العربية شعوبها من بوابة الخدعة الحربية إلى طاولة مفاوضات السلام في جنيف، ومن ثم حصل فصل القوات بين العدو وكل من مصر وسورية.
ومع مر الأيام توصلت الأنظمة الحاكمة عبر إعلامها إلى ترسيخ قناعات في أذهان الشعوب تدور حول ضعف الجدوى العسكرية في الوقت الذي وصلت فيه إسرائيل إلى قمة تسليحها الذي أدخلت ضمنه التسليح النووي أيضًا.
نتائج أساسية:
إزاء هذه الحالة التي أسقط فيها العرب البندقية وحملوا ما يسمى بغصن الزيتون، أمسكت الحكومة الإسرائيلية أهم الأوراق وانعطفت بالقضية من خلال خطوط واضحة، أهمها:
- فرض الحلول اليهودية بالقوة العسكرية.
- اعتبار الحلول السياسية ناشئة عن مستجدات العمليات العسكرية ونتائجها ووقائعها.
- وضع الأنظمة العربية أمام الباب المسدود تجاه أية مبادرات دولية للمنطقة.
- رفض اتخاذ قرارات مجلس الأمن التي كانت الحكومة اليهودية في الحقبة الماضية ترضى ببعض بنودها.
- رفض المبادرات العربية كمبادرة الملك فهد التي تحولت لتصبح مبادرة عربية.
وهكذا تقف الأنظمة العربية أمام الباب المسدود ليظهروا أمام شعوبهم مضطرين للمرور داخل البوابة اليهودية للحلول.
ولعل هذه الحقيقة تظهر وتتجلى في موضوع لبنان بحيث لا خيار أمام الأنظمة العربية اليوم سوى الخضوع للرغبة اليهودية، ومن هنا جاء الانسحاب الفلسطيني من لبنان. ومن هذا المنطلق اليهودي للتعامل مع العرب سيكون لبنان هو لبنان التصور اليهودي الذي ليس للعرب في صنعه أي دور.
ولو أن مراقبًا ما أراد الموازنة بين ما يطرحه العرب اليوم بدءًا بمبادراتهم وانتهاء بوثيقة السيد ياسر عرفات السلمية مع مطالب الدولة اليهودية قبل عام 1967 لوجد أن العرب اليوم يعطون دولة إسرائيل من المكاسب ما يزيد كثيرًا عما كانت تطالب به في المرحلة السابقة...
وهذا هو العجب العجاب!!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل