; الإعراب والإعجام في القرآن | مجلة المجتمع

العنوان الإعراب والإعجام في القرآن

الكاتب الأستاذ عدنان نصر

تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1971

مشاهدات 42

نشر في العدد 47

نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 16-فبراير-1971

لقد جرد الصحابة -رضوان الله عليهم- المصحف الكريم من النقط والشكل، ولم يكن الخط الذي

يكتبون به مضبوطًا بالحركات والسكنات كما هو اليوم، بل كان خلوًا مما يدل على أشكال الحروف

المكتوبة، ولكن ملكة الإعراب الموجودة في نفوسهم قبل اختلاطهم بأمم أعجمية صانت لسانهم عن

اللحن، وكان العربي في البادية ينطق بكلام فصيح، وينشد أشعارًا بليغة، وهو يفقه فصاحة القرآن وبلاغة الخطب، وتؤثر في نفسه أي تأثير.

ولمَّا انتشر الإسلام واختلط العرب بأمم أعجمية ظهرت عوامل الفساد في اللغة العربية، فحدث اللحن في لسان الفصحاء من العرب، وحدثت عدة حوادث نبهتهم إلى النهوض بصيانة القرآن الذي هو أساس الدين وحفاظ الإسلام من تطرّق اللحن إليه.

وكان أبو الأسود الدؤلي قد تعلم أصول النحو من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- واشتهر هو بعد ذلك بعلم العربية، وتعلم منه النحو جماعة منهم يحيى بن يعمر العدواني قاضي خراسان، ونصر بن عاصم الليثي، وبرعوا في النحو وقراءة القرآن وفنون الأدب، غير أن اشتغال جماعة بالنحو لم يسد ذلك التيار الجارف من فساد اللسان بالاختلاط، فطلب زياد بن سمية -وكان واليًا على البصرة- من أبي الأسود أن يضع طريقة لإصلاح الألسنة وقال له: إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من ألسنة العرب، فلو وضعت شيئًا يصلح به الناس كلامهم ويعربون به كتاب الله، فأبى أبو الأسود أولًا لبعض أسباب كان يراها، فأمر زياد رجلًا أن  يقعد في طريق أبي الأسود، فلما قاربه رفع صوته بالقراءة كأنه لا يقصد إسماع أبي الأسود وقرأ ﴿أنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ بكسر اللام، فأعظم ذلك أبو الأسود وقال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله، ثم رجع من حينه إلى زياد وقال له: قد أجبتك إلى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن فابعث لي كاتبًا، فبعث زياد إليه ثلاثين كاتبًا، فاختار منهم  واحدًا من عبد القيس وقال له: خذ المصحف وصبغا يُخالف لون المداد فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه، وإذا كسرتهما فانقط واحدة أسفله، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة بين الحرف، فإن تبعث شيئًا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين، وأخذ يقرأ القرآن بالتأني والكاتب يضع النقط، وكلما أتم الكاتب صحيفة أعاد أبو الأسود نظره عليها، واستمر على ذلك حتى أعربه كله وجرى الناس على طريقته وكانوا إذا رأوا حرفًا بعد التنوين من أحرف الحلق وضعوا إحدى النقطتين فوق الأخرى علامة على أن النون مظهرة وإلا وضعوها بجانب علامة على أن النون مدغمة أو خفية، ثم اخترع أهل المدينة للحرف المشدد علامة على شكل قوس طرفاه للأعلى، ثم زاد أتباع أبي الأسود علامات أخرى في الشكل فوضعوا للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه سواء كان همزة أم غير همزة، ولألف الوصل جرة في أعلاها متصلة به إن كان قبلها فتحة، وفي أسفلها إن كان قبلها كسرة، وفي وسطها إن كان قبلها ضمة.
 

معنى الإعجام

والمراد بالإعجام تمييز الحروف المتشابهة بوضع نقط لمنع اللبس، فالهمزة في الإعجام للسلب أي إزالة العجمة، والمشهور أن اختراع الإعجام كان في عصر عبد الملك بن مروان، والتحقيق يفيد أنه كان قبل الإسلام لأنه عثر على كتابات قديمة محررة قبل خلافة عبد الملك بن مروان فيها إعجام بعض الحروف، على أنه مع تشابه صور حروف كثيرة.

فالحق أن الإعجام موضوع قبل الإسلام، ولكن تساهلوا في شأنه شيئًا فشيئًا حتى تنوسي ولم يبقَ منه إلا النادر، إلى أن جاء زمن عبد الملك فحتم على كتاب دولته رعايته، وبيان ذلك أن الناس مكثوا يقرأون في مصاحف عثمان نيفًا وأربعين سنة. ومكث القارئ يقرأ ولا يعلم هل القراءة صحيحة والقرآن المنزل هو قوله: (ننشرها) بالراء المعجمة أو (ننشرها) بالراء المهملة، أو(لتكون آية لمن خلفك) بالفاء أو (لمن خلقك) بالقاف، ولذلك كثر التصحيف في العراق، ففزع الحجاج أمير العراق إلى كُتّابه في زمن عبد الملك، وسألهم أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابهة، ودعا نصر بن عاصم الليثي، ونصر بن عاص الليثي ويحيى بن يعمر العدواني تلميذي أبي الأسود الدؤلي هذا الأمر، وكانت عامة المسلمين تكره أن يزيد أحد شيئًا على ما في مصحف عثمان ولو للإصلاح خشية الابتداع، وتردد كثير منهم في قبول الإصلاح الذي أدخله أبو الأسود فبعد البحث والتروي قرر نصر ويحيى -وكانا من التقوى بحيث لا يتهمان في دينهما- إدخال الإصلاح الثاني وهو أن توضع النقط إفرادًا وأزواجًا لتمييز الأحرف المتشابهة بالأسلوب الموجود الآن بيدنا، ولكن سبق القول أن الحركات والسكنات كانت بطريق النقط، وكذلك الإعجام أيضًا كان بطريق النقط، فمنعًا للبس بعض الحركات والسكنات والإعجام كان رسم  كتابة المصحف مثلًا يكتب الحركة بلون أحمر والإعجام بلون يخالف الأحمر. قال أبو عمرو: ولا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصور الرسم، يعني رسم مصاحف عثمان وأرى أن تكتب الهمزات بالصفرة، وعلى ذلك مصاحف أهل المدينة.

الألوان في المصاحف

وقال عثمان بن سعيد الداني في كتابه المقنع: وإذا استعملت الخضرة لألفات الوصل على ما أحدثه أهل بلدنا قديمًا فلا أرى بذلك بأسًا. وبلده (دانية) بالأندلس، وجرى أهل الأندلس على استعمال أربعة ألوان في المصاحف:  السواد للحروف، والحمرة للشكل بطريقة النقط، والصفرة للهمزات، والخضرة لألفات الوصل، ولم تشتهر طريقة أبي الأسود إلا في المصاحف حفظًا لقواعد القرآن.

الرابط المختصر :