العنوان الافتتاحية- ماذا أبقت «المديونيات» من ديمقراطيتنا؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1995
مشاهدات 54
نشر في العدد 1163
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 22-أغسطس-1995
نجحت الحكومة الأسبوع الماضي في انتزاع موافقة صعبة من مجلس الأمة لتعديل قانون المديونيات في الاتجاه الذي أرادته وخططت له طويلًا، أي في مصلحة 49 مدينًا كبيرًا وعلى حساب المال العام.
ورغم أن المسئولين قالوا إنهم لا يمارسون أي ضغط على إرادة المجلس، إلا أن كل الظواهر والمعلومات التي يتداولها النواب أكدت أن الرموز السياسية مارست من الضغوط وإشارات الترغيب والترهيب على بعض النواب ما لم يحدث في أي موضوع قبل المديونيات الحكومة حصلت على ٢٢ صوتًا من ممثلي الشعب لصالح تعديل القانون 41/1993 هذا التعديل سيكلف الشعب من أمواله ما لا يقل عن 150 مليون دينار، إضافة إلى آلاف الملايين التي ضاعت من خلال المرسوم 32/1991م، ولم تقتصر الخسارة يوم الأربعاء الماضي على الأموال فقط، بل خسرنا هيئة القانون واحترام التجار للقوانين التي تنظم حقوق المال، وخسرنا بعد ذلك ثقة المواطنين بمجلس الأمة. وبعد كل هذه الخسائر لا توجد ضمانة بأن التعديل الجديد سينفذ بصورة جادة بل سرت الشائعات سريعًا أنه بعد سداد المدينين للقسط الأول ستبدأ محاولات لتعديل لاحق يحقق للمدينين مزيدًا من المكاسب على حساب المال العام.
ولاحظ بعض المراقبين أن مجلس الأمة تورط الأربعاء الماضي في الموافقة على تعديل مقترح من داخله، أما الحكومة فنزعت يدها في الظاهر. وستبدأ العناصر القريبة من الحكومة في الفترة المقبلة بالترديد بأن تعديل المادة الخامسة من القانون41/1993 لم يكن يمثل وجهة نظرها، بل كان مقترحًا برلمانيًّا وافقت هي عليه من باب التعاون مع مجلس الأمة.
ومن غير المجدي، حقًّا- مناقشة موضوع المديونيات من وجهة نظر اقتصادية، فالموضوع سياسي صرف، وقد أصاب النائب صالح الفضالة كبد الحقيقة عندما قال بأن: المديونيات مشكلة أخلاقية وليست مشكلة اقتصادية، فالصراع هنا هو بين نخبة علوية تعتقد أنها أولى بثروات البلاد وخيراتها من باقي الشعب ووقفت الحكومة مع هذه الفئة في مطالبها في وجه معارضة محدودة الإمكانات قادها النواب الإسلاميون.
ولقد أظهر التصويت في جلسة الأربعاء الماضي قابلية بعض الأطراف السياسية المعارضة للدخول في حلف مع الحكومة لتحقق مكاسب مالية مباشرة للتجمعات السياسية التي تنتمي إليها هذه الأطراف والظهر التصويت تراجعًا كبيرًا في قدرة مجلس الأمة على مواجهة الحكومة، وعلى حشد الأصوات اللاِزمة لحماية أموال الشعب، وصيانة هيبة القانون والمهاراِت المؤسسة البرلمانية في صورة غير مقنعِة للجمهور، وفي صورة أبعد ما تكون عما كانت عليه عشية انعقاد المجلس في أكتوبر ۱۹۹۲م. ولقد كانت موافقة المجلس على القانون 41 /1993م قبل سنتين خطيئة في الأساس، كما قال النائب شارع العجمي خلال الجلسة الأخيرة.
وجاءت الموافقة الأخيرة على تعديل القانون المؤسس مبدأً خطيرًا يتمثل بأن القرار السياسي والعمل التشريعي أصبحا أداتين لمعالجة الأخطاء المالية الشخصية لبعض التجار وقد أرسل المجلس بموافقته الأخيرة رسالة خاطئة إلى جمهور الكويت وإلى فئة معينة من التجار بأنه يمكن القيام بتجاوز القوانين ويتجاهل الالتزامات المالية، وبتحقيق المكاسب عن هذا الطريق ثم اللجوء إلى الضغط السياسي لإسقاط القوانين.
وقد أثبتت "معركة المديونيات" للجمهور حقيقة موقف النواب الإسلاميين من قضايا المال العام حيث قاد هؤلاء لواء المعارضة لطغيان الفعاليات المالية على القرار الاقتصادي في حين تفاوتت مواقف نواب التجمعات السياسية الأخرى ما بين ممتنع عن التصويت أو متورط بالموافقة أو خاضع لضغط الحكومة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل