العنوان الافتتاحية: مطامع «إسرائيل» وإرادة الشعوب المسلمة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 08-نوفمبر-1994
مشاهدات 9
نشر في العدد 1124
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 08-نوفمبر-1994
خليط اللغات الذي تحدث به الحاضرون في مؤتمر القمة الاقتصادية للشرق الأوسط في الرباط في الأسبوع الماضي، كان أول الأرباح التي جنتها «إسرائيل» من وراء المؤتمر الذي كان بإجماع المراقبين إنتاجًا وإخراجًا «إسرائيليًا»، مائة بالمائة، وبدا أن هناك هوية جديدة للمنطقة تسعى «إسرائيل» لترسيخها بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الأطراف العربية، تهدف إلى تذويب العروبة ومن ثم محاربة الإسلام وإعلان هوية جديدة للمنطقة تسمى الشرق أوسطية، يتحدث أصحابها العبرية والفرنسية والإنجليزية والعربية تلك اللغات التي تحدث بها حضور المؤتمر وعلى رأسهم ممثلي بعض الأقطار العربية.
غير أن النجاح الأكبر الذي حققته «إسرائيل»، من وراء المؤتمر كان من خلال التوصيات التي تم صياغتها في القدس المحتلة وأقرت بتعديلات طفيفة في الدار البيضاء، وكان أخطر ما في هذه التوصيات هي أنها تخطت كل مراحل التطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيوني إلى مراحل الشراكة الكاملة، ولم ينفض المؤتمر حتى تم الإعلان في نهايته عن بداية هذه الشراكة في مشروعات «إسرائيلية» عربية شاركت فيها بعض الدول ومشروعات أخرى شارك فيها رجال الأعمال.
فقد حمل الوفد "الإسرائيلي" الذي شكل ثلث الحضور وكان مكونًا من ثلاثمائة وخمسين عضوًا على رأسهم رئيس الوزراء «إسحاق رابين» مائة وخمسين مشروعًا لعرضها على المؤتمر فيما ذهبت باقي الوفود العربية دون هدف يذكر سوى إرضاء الشريك الأمريكي، فيما حملت مصر والأردن والمغرب خمسين مشروعًا تقوم كلها على مبدأ الشراكة مع «إسرائيل» بما يعني أن المائتي مشروع التي عرضت في المؤتمر كانت كلها مشروعات «إسرائيلية»، أو لصالح «إسرائيل».
أما مشروعات "إسرائيل"، المائة والخمسين، فقد قامت كلها على مبدأ تسخير كافة الإمكانات العربية لصالح الهيمنة "الإسرائيلية" على الجميع، وأن تصبح "إسرائيل"، هي قلب الشرق الأوسط وشريانه الرئيسي الذي ترتبط به جميع الدول العربية، وتدور في فلكه ولعل من أخطر المشروعات التي حملها «الإسرائيليون» إلى المؤتمر هي مشروع قناة بين البحر الأحمر والبحر الميت، ومن ثم إلى البحر المتوسط للقضاء على الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لقناة السويس وضرب رافد هام من روافد الاقتصاد المصري.
كذلك إنشاء ميناء «إسرائيلي» خليجي مشترك ومشروع عبارات يربط «إسرائيل»، والأردن ومصر والخليج، وطريق دولي بطول ٦٠٠ كيلو متر يربط بين حدود تركيا وسوريا ولبنان و"إسرائيل"، ومصر وخط سكك حديدية يربط بين موانىء البحرين المتوسط والأحمر، ومشروع للانظمة الكهربائية للأردن ومصر و"إسرائيل" حتى عام ٢٠١٠، وميناء «إسرائيلي» أردني على حدود إيلات والعقبة، ومشروع لنقل المياه عبر أنابيب ضخمة من تركيا إلى «إسرائيل»، وعدة مشاريع لأنابيب نقل الغاز والبترول من دول الخليج إلى موانئ البحر المتوسط التي تخضع للسيطرة "الإسرائيلية"، وعشرات من المشروعات الأخرى التي ترمي في النهاية إلى أن تصبح «إسرائيل» هي المحور الذي تدور حوله دول المنطقة جميعها، وإذا نظرنا إلى هذه المشروعات نجد أنها كانت كلها كانت فيما قبل أحلامًا صهيونية كنا نراها بعيدة المنال لكن كثيرًا من هذه المشروعات بدأت "إسرائيل" فيها الآن خطوات عملية بالفعل وبعضها معد قبل عشرات السنين حتى قبل أن يعلن اليهود عن ولادة كيانهم الصهيوني في عام ١٩٤٨، لكن اليهود تعلموا أمام حالة الانهزام العربي القائمة أن أحلامهم سرعان ما تتحول إلى حقائق طالما أصبح بين أظهر المسلمين من يدين المجاهدين ويقر احتلال موروثات الأمة ويرضى بالاعتداء على أرض المسلمين.
فقد كان حلم الصهاينة قبل خمسين عامًا أن يجلسوا مع العرب على مائدة واحدة ليتفاوضوا معهم على مجرد إقامة كيان لهم، وها هم جلسوا مع الجميع بعد خمسين عامًا وقد أصبحت لهم دولة التهمت فلسطين بأكملها، حتى أنه لم يعد لفلسطين وجود حتى على خرائط العرب، وإلا فأين كان موقع فلسطين قبل خمسين عامًا وأين موقعها الآن؟
لقد جنت «إسرائيل»، من وراء مؤتمر الدار البيضاء أكثر مما كانت تحلم به، وكان المؤتمر بإجماع المراقبين هو مؤتمر أحلام "إسرائيل" الكبرى، ومطامعها وخططها التآمرية على شعوب المنطقة وحكوماتها، تلك الخطط التي عرضتها «إسرائيل»، كمشروعات للشراكة على العرب حتى تستنزف ما لديهم من مقدرات وثروات، وحتى تقضي عليهم بأموالهم وثرواتهم، وإن نظرة متأنية لهذه المشروعات نجد أنها كلها مشروعات تستهدف الأمة العربية كلها، وليس قطرًا دون الآخر، وهذا الأمر يحمل سيناريوهات مخيفة للمستقبل خاصة بعدما نجحت «إسرائيل» في تذويب الهوية العربية وتمزيق العالم الإسلامي بشكل ليس له مثيل، لكن الأمر في النهاية يبقى في يد الشعوب التي ترفض حتى الآن كافة مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني ويكفي أن الشعب المصري بكل فئاته يرفض التطبيع مع اليهود منذ خمسة عشر عامًا ولم تستطع "إسرائيل" أن توجد لنفسها موطئ قدم في مصر إلا في أماكن معروفة ولأسباب واضحة.
إن مكر اليهود سوف ينقلب كله عليهم وبالًا وخسرانًا، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا أفاقت الأمة من كبوتها ونهضت من غفوتها، وعادت إلى دينها وهويتها، وأصبحت الشعوب تملك إرادتها بيدها لتصبح أهلًا لاستعادة المقدسات والدفاع عن الحرمات ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُو قُل عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبا﴾ (الإسراء: ٥١) ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: ٤)
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلدراســـــات فـي التطبيـــــع مع الكيـــــان الصهيونـــــي
نشر في العدد 2176
43
الأربعاء 01-فبراير-2023